الأديب ميخائيل نعيمة ورحلة العلم في الناصرة فلسطين ١٩٠٢- ١٩
ولد هذا الأديب في بسكنتا في لبنان بعد إنهاء دراستة في قريته التي كان يرئس إدارتها خليل بيدس ابن الناصرة ومن خريجين السيمنار الروسي (دار المعلمين) ألح على ميخائيل بان يلتحق بمدرسة الناصرة لينهل منها العلم وينال شهادتها العلمية التي تأهله بان يكون معلما…
فممن كتبة نعيمة في سيرته الذاتية سبعون يتحدث عن سفرة إلى فلسطين فيورد..
"كان عالمي رحما مغلفة بظلمات ضمن ظلمات. فأصبح سريرا صغيرا من خشب يغمره النور في النهار والظلام في الليل. ثم بيتا صغيرا سطحه من تراب وأرضة من تراب. ثم حيا في ضيعته. ثم ضيعة بخراجها الممتد إلى أعالي الجبال المحيطة بها. وها هو.. قد آن سفري إلى الناصرة.. يمتد بعيدا بعيدا إلى فلسطين. وأين أنت يا فلسطين. يا أرض الميعاد التي تدر لبنا وعسلا؟ أين أنت يا حلم موسى وسبية يشوع بن نون. ويا حبيبة داوود وسليمان. ويا ملهمة اشعيا وكاتب سفر أيوب. ويا مسرحا تعاقبت علية ادوار أنبل حياة وفصول افجع مأساة منذ مأساة عدن؟ وأين أنت يا ناصرة النجار يوسف وخطيبته مريم التي منها بطل تينك الحياة والمأساة؟
لله ما أبعدك يا ارض اللبن والعسل. وهل فيكما ما يعني هذا اليافع الذي لم يكمل بعد عامة الثالث عشر. وهل فيكما ما يغنيه عن وكره المتواضع.. وعن أهلة..؟"
ميخائيل نعيمة جالسا من اليسار برفقة زملائه في المدرسة الناصرة 1903 هكذا تخيل نعيمة فلسطين والناصرة وكأن رجلاه ستطأ الجنة.. فقد كانت له هذه البلاد بوصفة أرض القداسة ومهبط الأنبياء.. واللبن والعسل..
من قرية بسكنتا الجبلية حمل نعيمة معة ورقة النفوس (الباسبورت) ويمم إلى فلسطين بحرا متجاوزا حدود بلدته ومنشأة وبجعبته ريالا مجيديا وهو الزاد للمأكل والمشرب.. وكم تمنى ميخائيل نعيمة بأن تكون هذه النقود في البيت مع أهلة لما لهم بحاجة أكثر منة…
ما هي إلا أيام حتى تكحلت عيناه بعروس فلسطين حيفا العربية التي احتضنت الساحل بجمالها..
نزل نعيمة بشوارعها وقد البستة امة لتلك السفرة قمبازا جديدا.. علاوة على طربوش احمر ومداس جديد..
وصف نعيمة تلك الزيارة لحيفا بشوارعها وبيوتها العريقة والسكة الحديثة وبما فيها الناس والجمال والحمير والبغال والكلاب والعربات تلهب ظهور جيادها أسواط الحوذيين وهم ينادوهن بأعلى صوتهم "ظهرك يا حرمة.. وجهك يا أفندي.. جنبك يا عتال…
فيها النساء المؤزرات.. المحجبات.. والرؤوس المعممة والمتقلنسة والمطربشة..
فيها باعة المرطبات يحملون القراب أو القناني الزجاجية الكبيرة ليطفئ بها الشاري أو السائر نارا ظمئة..
وفي أيديهم صحون من النحاس لا ينفكون يقرعون بعضها ببعض وينادون.. "بورد يا عطشان!"
يتحرك نعيمة للسفر إلى الناصرة ترافقه الذاكرة لما رأته عيناه وسمعته أذنيه من أحاسيس وصور وانطباعات…
إلى الناصرة إلى مدينة بشارة ومنشأ المسيح علية السلام…
العربة تسير متخطية التلال والسهول ومشاهد الطبيعة وجبال الجلبوع التي لم تخفيها حتى اكبر السحاب…
تلك هي المناظر التي شاهدها ميخائيل حين تخطى الطريق بين حيفا والناصرة..
المسكوبية! المسكوبية الناصرة يا أفندي هكذا أعلن سائق العربة أو الحوذي بأعلى صوته ليستيقظ نعيمة من غثاء السفر الذي انهكة والذي استغرق ثماني ساعات..
ترجل نعيمة ماشيا متلفتا تتفقد عيناه معالم وأسرار هذه المدينة..
رسالة بخط ميخائيل نعيمة للنادي الأدبي يشكر بها حسن الاستقبال ويعود بالذاكرة في أيام التعلم بها.. في زقاق ضيق وأمام بناية كبيرة هي المسكوبية أو دار المعلمين فتح الحاجب الباب الكبير الذي يستقبل به الطلاب في كل صباح ودخل الصبي وشخص الطلاب بوجه غريب جاءها من سفح صنين البعيد يطلب النور.. يطلب الهداية.. ويطلب المعرفة…
هكذا بدا نعيمة مشواره مع العلم في الناصرة ولمدة 6 سنوات كان غذاؤه الكتاب والقرطاس..
عقب تخرجه من السيمنار عام 1906 تلقى نعيمة منحة تعليمية وسافر إلى باريس والتحق بجامعة السوربون عام 1912. ثم التحق بجامعة واشنطن لدراسة الحقوق ونال الشهادة سنة 1916 لكنة لم يمارس المهنة لانشغاله في الأدب..
أسس مع جبران خليل جبران ونسيب عريضة وإيليا أبو ماضي الرابطة القلمية وكان أمين سرها عشرة أعوام.. لكنها أغلقت أبوابها مع وفاة جبران خليل جبران عام 1931.
عاد إلى لبنان وتفرغ للكتابة.. وفي عام 1935 زار مدينة الناصرة بدعوة من النادي الأدبي الذي كان يرأسه أديب جرجورة والذي يعد من أهم النوادي التي تهتم بالثقافة وكان رئيس البلدية سليم بشارة عضو شرف فيه ويشجع النادي بنشر الثقافة ولم يعط أهمية للمحسوبيات والطائفية والاستعلاء مثل يومنا هذا!!!
ولد هذا الأديب في بسكنتا في لبنان بعد إنهاء دراستة في قريته التي كان يرئس إدارتها خليل بيدس ابن الناصرة ومن خريجين السيمنار الروسي (دار المعلمين) ألح على ميخائيل بان يلتحق بمدرسة الناصرة لينهل منها العلم وينال شهادتها العلمية التي تأهله بان يكون معلما…
فممن كتبة نعيمة في سيرته الذاتية سبعون يتحدث عن سفرة إلى فلسطين فيورد..
"كان عالمي رحما مغلفة بظلمات ضمن ظلمات. فأصبح سريرا صغيرا من خشب يغمره النور في النهار والظلام في الليل. ثم بيتا صغيرا سطحه من تراب وأرضة من تراب. ثم حيا في ضيعته. ثم ضيعة بخراجها الممتد إلى أعالي الجبال المحيطة بها. وها هو.. قد آن سفري إلى الناصرة.. يمتد بعيدا بعيدا إلى فلسطين. وأين أنت يا فلسطين. يا أرض الميعاد التي تدر لبنا وعسلا؟ أين أنت يا حلم موسى وسبية يشوع بن نون. ويا حبيبة داوود وسليمان. ويا ملهمة اشعيا وكاتب سفر أيوب. ويا مسرحا تعاقبت علية ادوار أنبل حياة وفصول افجع مأساة منذ مأساة عدن؟ وأين أنت يا ناصرة النجار يوسف وخطيبته مريم التي منها بطل تينك الحياة والمأساة؟
لله ما أبعدك يا ارض اللبن والعسل. وهل فيكما ما يعني هذا اليافع الذي لم يكمل بعد عامة الثالث عشر. وهل فيكما ما يغنيه عن وكره المتواضع.. وعن أهلة..؟"
ميخائيل نعيمة جالسا من اليسار برفقة زملائه في المدرسة الناصرة 1903 هكذا تخيل نعيمة فلسطين والناصرة وكأن رجلاه ستطأ الجنة.. فقد كانت له هذه البلاد بوصفة أرض القداسة ومهبط الأنبياء.. واللبن والعسل..
من قرية بسكنتا الجبلية حمل نعيمة معة ورقة النفوس (الباسبورت) ويمم إلى فلسطين بحرا متجاوزا حدود بلدته ومنشأة وبجعبته ريالا مجيديا وهو الزاد للمأكل والمشرب.. وكم تمنى ميخائيل نعيمة بأن تكون هذه النقود في البيت مع أهلة لما لهم بحاجة أكثر منة…
ما هي إلا أيام حتى تكحلت عيناه بعروس فلسطين حيفا العربية التي احتضنت الساحل بجمالها..
نزل نعيمة بشوارعها وقد البستة امة لتلك السفرة قمبازا جديدا.. علاوة على طربوش احمر ومداس جديد..
وصف نعيمة تلك الزيارة لحيفا بشوارعها وبيوتها العريقة والسكة الحديثة وبما فيها الناس والجمال والحمير والبغال والكلاب والعربات تلهب ظهور جيادها أسواط الحوذيين وهم ينادوهن بأعلى صوتهم "ظهرك يا حرمة.. وجهك يا أفندي.. جنبك يا عتال…
فيها النساء المؤزرات.. المحجبات.. والرؤوس المعممة والمتقلنسة والمطربشة..
فيها باعة المرطبات يحملون القراب أو القناني الزجاجية الكبيرة ليطفئ بها الشاري أو السائر نارا ظمئة..
وفي أيديهم صحون من النحاس لا ينفكون يقرعون بعضها ببعض وينادون.. "بورد يا عطشان!"
يتحرك نعيمة للسفر إلى الناصرة ترافقه الذاكرة لما رأته عيناه وسمعته أذنيه من أحاسيس وصور وانطباعات…
إلى الناصرة إلى مدينة بشارة ومنشأ المسيح علية السلام…
العربة تسير متخطية التلال والسهول ومشاهد الطبيعة وجبال الجلبوع التي لم تخفيها حتى اكبر السحاب…
تلك هي المناظر التي شاهدها ميخائيل حين تخطى الطريق بين حيفا والناصرة..
المسكوبية! المسكوبية الناصرة يا أفندي هكذا أعلن سائق العربة أو الحوذي بأعلى صوته ليستيقظ نعيمة من غثاء السفر الذي انهكة والذي استغرق ثماني ساعات..
ترجل نعيمة ماشيا متلفتا تتفقد عيناه معالم وأسرار هذه المدينة..
رسالة بخط ميخائيل نعيمة للنادي الأدبي يشكر بها حسن الاستقبال ويعود بالذاكرة في أيام التعلم بها.. في زقاق ضيق وأمام بناية كبيرة هي المسكوبية أو دار المعلمين فتح الحاجب الباب الكبير الذي يستقبل به الطلاب في كل صباح ودخل الصبي وشخص الطلاب بوجه غريب جاءها من سفح صنين البعيد يطلب النور.. يطلب الهداية.. ويطلب المعرفة…
هكذا بدا نعيمة مشواره مع العلم في الناصرة ولمدة 6 سنوات كان غذاؤه الكتاب والقرطاس..
عقب تخرجه من السيمنار عام 1906 تلقى نعيمة منحة تعليمية وسافر إلى باريس والتحق بجامعة السوربون عام 1912. ثم التحق بجامعة واشنطن لدراسة الحقوق ونال الشهادة سنة 1916 لكنة لم يمارس المهنة لانشغاله في الأدب..
أسس مع جبران خليل جبران ونسيب عريضة وإيليا أبو ماضي الرابطة القلمية وكان أمين سرها عشرة أعوام.. لكنها أغلقت أبوابها مع وفاة جبران خليل جبران عام 1931.
عاد إلى لبنان وتفرغ للكتابة.. وفي عام 1935 زار مدينة الناصرة بدعوة من النادي الأدبي الذي كان يرأسه أديب جرجورة والذي يعد من أهم النوادي التي تهتم بالثقافة وكان رئيس البلدية سليم بشارة عضو شرف فيه ويشجع النادي بنشر الثقافة ولم يعط أهمية للمحسوبيات والطائفية والاستعلاء مثل يومنا هذا!!!