بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر.
وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام: الإسلام عقيدة وعبادة وخلق وآداب، من أكبر كليات الأخلاق التي تنبثق منها عشرات الفضائل، بل مئات الفضائل هي الصدق، والصدق أيها الإخوة فيما يفهمه معظم الناس أن يأتي الكلام مطابقاً للفعل، لكن هناك نوعاً من الصدق أشار إليه القرآن الكريم، وأشارت إليه السنة المطهرة نوع آخر، مطابقة الفعل للقول، أن يأتي الفعل مطابقاً لما تقول.. أن يأتي القول مطابقاً لما فعلت هذا صدق، وهذا الذي فهمه الناس بشكل واسع عن الصدق، لكن الصدق الذي أشار إليه القرآن الكريم أن يأتي الفعل مطابقاً للقول، قال تعالى:
﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)﴾
[سورة البقرة]
جاءت أفعالهم مطابقةً لأقوالهم، قد يسأل سائل ما علاقة هذا الموضوع في الجمعة التي بعد رمضان، الصادق يتابع السير إلى الله، الصادق لا يعود بعد رمضان إلى ما كان عليه قبل رمضان، الصادق عنده دافع مستمر، وليس دافعاً نوبياً، هناك من يملك دافعاً نوبياً يأتيه بين الفينة والفينة، لكن الصادق هو الذي يندفع إلى الله عز وجل على مدى الشهور والأعوام ؛ لأن الله سبحانه وتعالى مقصده " إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي ".
أيها الإخوة الكرام: ربنا سبحانه وتعالى جاء بنا إلى الدنيا ليمتحننا، قال تعالى:
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾
[سورة المؤمنون]
لذلك قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)﴾
[سورة العنكبوت]
ومن أدعية القرآن الكريم:
﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً (80)﴾
[سورة الإسراء]
ومن أروع هذه الآيات تلك الآية ؛ لأن الإنسان قد يدخل صادقاً لعمل لمشروع، لدعوة، ويخرج منها غير صادق، وهو في وسط المعمعة تغريه المكاسب، تعميه القوة:
﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً (80)﴾
[سورة الإسراء]
قد تصل إلى القمة، ولكن لن تبقى عليها، قد تهوي إلى الحضيض البطولة أن تصل إلى القمة وأن تبقى فيها صادقاً، متواضعاً، ما من يوم أكثر فرحاً واعتزازاً، ونشوةً، وغبطة من يوم فتح مكة، هذه البلدة التي أخرجت النبي، وأتمرت عليه عشرين عاماً، نكلت بأصحابه، ناصبته العداء، حاربته مرات عديدة، فحينما دخلها محمد عليه الصلاة والسلام فاتحاً، وكانت عشرة آلاف سيف متوهجة تنتظر كلمة من شفتيه، قال:
ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: اذهبوا فانتم الطلقاء.
حينما دخل مكة عليه الصلاة والسلام دخلها متواضعاً حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره.
﴿ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ﴾
كم من إنسان دخل مُدخل صدق، ولم يخرج مخرج صدق، زلت قدمه، اغتر بنفسه، اغتر بقوته، اغتر بعلمه، اغتر بم حوله:
﴿رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ﴾
من صفات الأنبياء الثابتة أن لهم لسان صدق في العالمين، قال تعالى:
﴿وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً (50) ﴾
[سورة مريم]
يطبع المؤمن على الخلال كلها، إلا الكذب والخيانة.. المؤمن لا يكذب، والله سبحانه وتعالى يعزه، ويرفعه، وينصره، ولا يكذب الكذب يتناقض مع الإيمان، تبيع وتشتري دون أن تكذب، تتعامل مع الناس بالصدق والصراحة والوضوح.
أيها الإخوة الكرام:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) ﴾
[سورة الأحزاب]
هذا صدق الأفعال:
وسوف ترد بعد قليل قصة تؤكد هذه الآية، لكن الله سبحانه وتعالى يريد منا أن نكون صادقين، ويقول جل جلاله:
﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ (21) ﴾
[سورة محمد الآية 21]
والله سبحانه وتعالى أعد مقعد صدق عنده للطائعين الصادقين.
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)﴾
[سورة القمر]
أيها الإخوة الكرام: نأتي إلى الكتب الصحيحة، نأتي إلى صحيح البخاري، فنجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه عثمان بن أبي شيبة، يقول عليه الصلاة والسلام:
((إن الصدق يهدي إلى البر (الصادق ينتهي به صدقه إلى العمل الصالح، إلى أن يعرف الله، إلى أن يطيعه، إلى أن يحسن إلى خلقه) وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق، حتى يُكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً ))
كأن النبي عليه الصلاة والسلام صنف البشر جميعاً إلى صنفين ؛ صادق وكاذب ؛ صادق مع الله، صادق مع نفسه، صادق مع من حوله صادق في تجارته، صادق في علاقاته، صادق في أقواله، صادق في أفعاله، الناس رجلان ؛ صادق يهديه صدقه إلى البر، وبره يهديه إلى الجنة، وكاذب كذبه يهديه إلى الفجور، وفجوره يهديه إلى النار.
أيها الإخوة الكرام:
صحابي جليل هو كعب بن مالك الأنصاري، تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات، فلما جاء النبي من الغزوة، واستقبل المتخلفين، واستمع إلى أعذارهم واحداً واحداً، قبل منهم أعذارهم واستغفر لهم، فلما جاء سيدنا كعب بن مالك الأنصاري، قال:
يا رسول الله، ما كنت في حالة أقوى مني حين تخلفت عنك، ليس لي عذر، فقال عليه الصلاة السلام: أما هذا فقد صدق، ولأنه صدق تولى الله معالجته، أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام أن يقاطعوه، وقد قاطعوه خمسين ليلة، يقول هذا الصحابي الجليل بعد أن فرج الله عنه وتاب عليه قال: فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ـ هو له قصة طويلة، لا يتسع المقام إلى ذكرها بالتفصيل، أعطيكم المقطع الأخير منها، قال:
فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون، وهو يستنير كاستنارة القمر، وكان إذا سُرَّ بالأمر استنار وجهه، فجئت فجلست بين يديه، فقال أبشر يا كعب ابن مالك بخير يوم أتى عليك منذ ولدتك أمك، فقلت يا نبي الله: أمن عند الله أم من عندك، قال بل من عند الله ثم تلا تلك الآيات:
﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) ﴾
[سورة التوبة]
قال وفينا أنزلت هذه الآيات، وأنزل أيضاً:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾
[سورة التوبة]
فقلت يا نبي الله: إن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً، وإن من توبتي أن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك، فقلت سوف أمسك علي سهمي الذي بخيبر، قال: فما أنعم الله علي نعمة بعد الإسلام أعظم في نفسي من صدقي..
ثمانون منافقاً قدموا له أعذاراً مقبولة، وقبلها النبي، واستغفر لهم فلما جاء كعب بن مالك الأنصاري قال يا رسول الله: إني أوتيت جدلاً، ولو جلست إلى أحد من الدنيا لخرجت من سخطه، ولكني أجمعت أن أصدقك حين تخلفت عنك ما كنت في حالة أقوى، ولا أيسر حين تخلفت عنك، فقال عليه الصلاة والسلام أما هذا فقد صدق..
الصدق منجاة، والكذب مهواة.
أيها الإخوة الكرام: قال هذا الصحابي الجليل: فما أنعم الله علي نعمة بعد الإسلام أعظم في نفسي من صدقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدقته أنا وصاحباي، ولا نكون كذبنا فهلكنا كما هلكوا، وإني لأرجوا أن لا يكون الله أبلى أحداً في الصدق مثل الذي أبلاني، ما تعمدت لكذبة بعد، وإني لأرجوا أن يحفظني الله فيما بقي.
أيها الإخوة الكرام:
هذا الصحابي، الذي تخلف عن رسول الله وارتكب كبيرة، والتخلف من الكبائر، ومع ذلك حين صدق الله، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، تولى الله معالجته، وأنقذه، وتاب عليه، وعفا عنه، وصار من كبار الصابة.
أيها الإخوة الكرام: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:
(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا هُمَا اثْنَتَانِ الْكَلَامُ وَالْهَدْيُ فَأَحْسَنُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَأَحْسَنُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ أَلَا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدِثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ أَلَا لَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ أَلَا إِنَّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ وَإِنَّمَا الْبَعِيدُ مَا لَيْسَ بِآتٍ أَلَا أَنَّمَا الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ أَلَا إِنَّ قِتَالَ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ وَسِبَابُهُ فُسُوقٌ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ أَلَا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ بِالْجِدِّ وَلَا بِالْهَزْلِ وَلَا يَعِدُ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ ثُمَّ لَا يَفِي (هذا كذب) لَهُ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارَ وَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ يُقَالُ لِلصَّادِقِ صَدَقَ وَبَرَّ وَيُقَالُ لِلْكَاذِبِ كَذَبَ وَفَجَرَ أَلَا وَإِنَّ الْعَبْدَ يَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ))
[أخرجه ابن ماجة]
حديثنا اليوم عن صدق الأفعال، أن تأتي الأفعال مطابقة للأقوال، أن يبقى الباعث إلى الله مستمراً، أن يخرج الإنسان من رمضان وقد أفطر فمه فقط، وبقيت جوارحه، وبقيت أعضاؤه، وبقيت تجارته، ودخله وإنفاقه، وبيته، وأهله، وبناته على منهج الله، وعلى السراط المستقيم ليكون صادقاً في أفعاله.
أيها الإخوة الكرام: يقول سيدن الصديق رضي الله عنه راوياً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال هذا الصحابي الجليل:
(( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا عَامَ أَوَّلَ فَقَالَ أَلَا إِنَّهُ لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ النَّاسِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنَ الْمُعَافَاةِ بَعْدَ الْيَقِينِ أَلَا إِنَّ الصِّدْقَ وَالْبِرَّ فِي الْجَنَّةِ أَلَا إِنَّ الْكَذِبَ وَالْفُجُورَ فِي النَّارِ ))
[أخرجه الترمذي وابن ماجه]
اللهم ارزقنا العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
يقول عليه الصلاة والسلام:
(( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ ))
[أخرجه البخاري]
فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة، المؤمن مع اليقينيات، مع المحكمات، مع الأمور التي لا تحتمل الأخذ والرد.
(( الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد والدرامي]
أيها الإخوة الكرام: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو:
(( أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَمَلُ الْجَنَّةِ قَالَ الصِّدْقُ (واسعة جداً هذه الكلمة، فلان صدق مع الله، صدق مع نفسه، لم يكذبها) قال الصدق وَإِذَا صَدَقَ الْعَبْدُ بَرَّ وَإِذَا بَرَّ آمَنَ وَإِذَا آمَنَ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَمَلُ النَّارِ قَالَ الْكَذِبُ إِذَا كَذَبَ الْعَبْدُ فَجَرَ وَإِذَا فَجَرَ كَفَرَ وَإِذَا كَفَرَ دَخَلَ يَعْنِي النَّارَ ))
[أخرجه أحمد]
والنبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه قال:
(( قَالَ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ (لأن أحدهما يناقض وجود الآخر) وَلَا يَجْتَمِعُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ جَمِيعًا))
(إن كان صادقاً فليس كاذباً، وإن كان كاذباً فليس صادقاً، أيها الإخوة ـ هذا المعنى دقيق، الصدق لا يتجزأ، والكذب لا يتجزأ، من كان صادقاً مع الله كان صادقاً مع نفسه، وكان صادقاً مع الناس، وكان صادقاً مع أهله، وكان صادقاً مع زبائنه، وكان صادقاً مع جيرانه، وكان صادقاً مع بقية الخلق.
كلكم يعلم أن أحد علماء الحديث انتقل من المدينة إلى البصرة ليأخذ حديثاً عن أحد رواته، رأى هذا الراوي يوهم فرسه أن في ثوبه شعيراً رفع ثوبه هكذا وكأن فيه طعاماً لهذا الفرس ودعاها إليه، اقترب منه فلم يجد في ثوبه شيئاً، فعاد إلى المدينة ولم يكلمه.. هذا كذب على من ؟ كذب على حيوان، الكذب لا يتجزأ، والصدق لا يتجزأ، إن كنت صادقاً مع الله، كنت مع الناس صادقاً، كنت مع نفسك صادقاً، كنت مع خلق الله صادقاً.
أيها الإخوة الكرام: وَلَا تَجْتَمِعُ الْخِيَانَةُ وَالْأَمَانَةُ جَمِيعًا ".
من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا حِفْظُ أَمَانَةٍ وَصِدْقُ حَدِيثٍ وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ وَعِفَّةٌ فِي طُهْرٍ ))
[أخرجه أحمد عن عبد الله عمرو]
مطعم حلال، كسبته بمال حلال، بجهد حلال، وأمين تحفظ الأمان بأوسع معانيها، وصادق الحديث، وحسن الخلق، أربع إذا كنت فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا.
وفي حديث:
(( ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ ))
[أخرجه أحمد والترمذي]
إن أوتيت علماً فأنفه، إن أوتيت مالاً فأنفقه، إن أوتيت علماً ولم تؤت مالاً وقلت لو أن لي مالاً لفعلت كما فعل فلان، أنت وفلان في الأجر سواء.. من غاب عن معصية فأقرها أو رضي بها كان كمن شهدها ومن شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها.
أيها الإخوة الكرام: يقول عليه الصلاة والسلام:
((الجهاد أربع ؛ أمر بمعروف، ونهي عن منكر، وصدق في مواطن الصبر، وشنآن الفاسق ))
هذا من الجهاد.
يقول عليه الصلاة والسلام:
((عمل الجنة الصدق، فإذا صدق العبد برَّ وإذا برَّ آمن، وإذا آمن دخل الجنة ))
مرةً ثانية ؛ نريد أن نربط هذا الموضوع مع مناسبة دخولنا في شهر شوال، الصادق يتابع سيره إلى الله على مدار العام، الصادق يتابع مجالس العلم على مدار العام، الصادق يتابع حفظ جوارحه وأعضائه عن المعاصي عن مدار العام، الصادق يتابع تحريه الحلال على مدى العام الصادق، يصلي صلاة الفجر في جماعة، ويصلي صلاة العشاء في جماعة، فمن صلى صلاة الفجر في جماعة فهو في ذملة الله حتى يمسي ومن صلى صلاة العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح.
تابعوا ـ أيها الإخوة ـ عباداتكم، تابعوا غض أبصاركم، تابعوا ضبظ ألسنتكم، تابعوا ضبط بيوتكم، تابعوا ضبط دخولكم، تابعوا ضبط إنفاقكم، تابعوا ذكركم لله عز وجل، تابعوا تلاوتكم للقرآن الكريم، تابعوا تحريكم الحلال، فهذا رمضان من أجل أن تقفز به قفزة نوعية وأن تتابع السير إلى الله.
أيها الإخوة الكرام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني..
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة الكرام: قد يسأل سائل: تحدثت في هذه الخطبة عن صدق الأفعال، أن يأتي الفعل مطابق للقول، فما السبيل إلى أن نكون صادقين في أفعالنا ؟ ما السبيل على أن تأتي أفعالنا مطابقة لأقوالنا ؟ ما السبيل إلى أن نتابع عبادة الله كما كنا في رمضان ؟
الجواب ـ أيها الإخوة ـ صدق الأفعال سببه العلم، لأنك تحب نفسك تحب وجودك، وسلامة وجودك، وكمال وجودك، واستمرار وجودك فإذا تيقنت أن الصدق يهديك إلى البر، وأن البر يهديك إلى الجنة صدقت مع الله، ومع نفسك، ومع الناس، فالعلم أساس كل تقدم في طريق الإيمان.
ثم إن التوحيد، التوحيد عنصر آخر من عناصر الصدق، إن رأيت أنه لا إله إلا الله، لا معطي ولا مانع، لا خافض ولا رافع، لا معز ولا مذل، لا قابض ولا باسط، ليس إلا الله، في السماء إله وفي الأرض إله، إليه يُرجع الأمر كله، بيده مقاليد السماوات والأرض، يد الله فوق أيدي خصومك، وأيدي أعدائك، إن الله سبحانه وتعالى مالك كل شيء، إليه يُرجع الأمر كله، خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل، له الخلق والأمر، ما لكم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحداً، ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده.
إن ازددت علماً، وازددت توحيداً وجدت نفسك صادق الأفعال، انطلاقاً من حبك لذاتك، انطلاقاً من حبك لوجودك.
أيها الإخوة الكرام: هل تصدقون ؟ أن بين شقاء الدنيا وشقاء الآخر، وبين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، أن تصغي إلى الحق، أو أن تتأمل في الخلق.
﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾
[سورة الملك]
لو كنا نسمع أو نعقل، إنك تحب نفسك، تحب السلامة، تحب السعادة تحب الجنة، ولكن لا تعرف طريقها، طريقها في الصدق، طريقها في ضبط الجوارح، طريقها في طلب العلم.
﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾
[سورة الملك]
كل البشر مؤهلون ليكونوا مؤمنين، ولكن الذي أصغى للحق، أو فكر في الحق، ووصل إلى الحق نال سعادة الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة الكرام: قال عليه الصلاة والسلام:
(( أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ فَقُلْتُ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ﴾ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ))
[أخرجه أحمد والدارمي والترامذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ وَفِي الْحَارِثِ مَقَالٌ]
في زمن الفتن، في زمن الضلالات، في زمن التباس الأمور، في زمن الطروحات الغريبة، عليكم بالقرآن، فهو حبل الله المتين هو الذكر الحكيم، هو الصراط المستقيم، هو المنهج القويم، هو نور الله في الأرض، وحي السماء إلى الأرض، هو الدستور العظيم، هو سبيل الخلاص.
شيء آخر من أمثلة الصدق:
عن أنس رضي الله عنه، قال: غاب عمي أنس ابن النضر رضي الله عنه عن قتال بدر، قال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت به المشركين، لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون، فقال اللهم أعتذر إليك مما صنع هؤلاء (يعني أصحابه) وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء (يعني المشركين) ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، قال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد، فقال سعد: يا رسول الله فما استطعت أن أصنع ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، ووجدناه قد قُتل ومثل به، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه
﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾
أنت ينبغي أن لا تبدل، عاهدت الله على الصدق، عاهدت الله على قول الحق، عاهدت الله على طلب العلم، عاهدت الله على العمل الصالح، عاهدت الله على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ينبغي أن لا تبدل تبديلاً، أنت عاهدت خالق الأكوان.
أيها الإخوة الكرام:
(( إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا ))
اللهم اجعلنا من هؤلاء.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك اللهم هب لنا علاً صالحاً يقربنا إليك.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا أرضنا وارض عنا، اقسم لنا من خشيتك، ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب.
اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء.
اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين.
اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنه على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.
والحمد لله رب العالمين
المصدر :
موسوعة النابولسى
الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، إقراراً بربوبيته وإرغامـاً لمن جحد به وكفر.
وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وعلى ذريته، ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدين.
اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرِنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممــــن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة الكرام: الإسلام عقيدة وعبادة وخلق وآداب، من أكبر كليات الأخلاق التي تنبثق منها عشرات الفضائل، بل مئات الفضائل هي الصدق، والصدق أيها الإخوة فيما يفهمه معظم الناس أن يأتي الكلام مطابقاً للفعل، لكن هناك نوعاً من الصدق أشار إليه القرآن الكريم، وأشارت إليه السنة المطهرة نوع آخر، مطابقة الفعل للقول، أن يأتي الفعل مطابقاً لما تقول.. أن يأتي القول مطابقاً لما فعلت هذا صدق، وهذا الذي فهمه الناس بشكل واسع عن الصدق، لكن الصدق الذي أشار إليه القرآن الكريم أن يأتي الفعل مطابقاً للقول، قال تعالى:
﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)﴾
[سورة البقرة]
جاءت أفعالهم مطابقةً لأقوالهم، قد يسأل سائل ما علاقة هذا الموضوع في الجمعة التي بعد رمضان، الصادق يتابع السير إلى الله، الصادق لا يعود بعد رمضان إلى ما كان عليه قبل رمضان، الصادق عنده دافع مستمر، وليس دافعاً نوبياً، هناك من يملك دافعاً نوبياً يأتيه بين الفينة والفينة، لكن الصادق هو الذي يندفع إلى الله عز وجل على مدى الشهور والأعوام ؛ لأن الله سبحانه وتعالى مقصده " إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي ".
أيها الإخوة الكرام: ربنا سبحانه وتعالى جاء بنا إلى الدنيا ليمتحننا، قال تعالى:
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)﴾
[سورة المؤمنون]
لذلك قال تعالى:
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)﴾
[سورة العنكبوت]
ومن أدعية القرآن الكريم:
﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً (80)﴾
[سورة الإسراء]
ومن أروع هذه الآيات تلك الآية ؛ لأن الإنسان قد يدخل صادقاً لعمل لمشروع، لدعوة، ويخرج منها غير صادق، وهو في وسط المعمعة تغريه المكاسب، تعميه القوة:
﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً (80)﴾
[سورة الإسراء]
قد تصل إلى القمة، ولكن لن تبقى عليها، قد تهوي إلى الحضيض البطولة أن تصل إلى القمة وأن تبقى فيها صادقاً، متواضعاً، ما من يوم أكثر فرحاً واعتزازاً، ونشوةً، وغبطة من يوم فتح مكة، هذه البلدة التي أخرجت النبي، وأتمرت عليه عشرين عاماً، نكلت بأصحابه، ناصبته العداء، حاربته مرات عديدة، فحينما دخلها محمد عليه الصلاة والسلام فاتحاً، وكانت عشرة آلاف سيف متوهجة تنتظر كلمة من شفتيه، قال:
ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا أخٌ كريم وابن أخٍ كريم، قال: اذهبوا فانتم الطلقاء.
حينما دخل مكة عليه الصلاة والسلام دخلها متواضعاً حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره.
﴿ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ﴾
كم من إنسان دخل مُدخل صدق، ولم يخرج مخرج صدق، زلت قدمه، اغتر بنفسه، اغتر بقوته، اغتر بعلمه، اغتر بم حوله:
﴿رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ﴾
من صفات الأنبياء الثابتة أن لهم لسان صدق في العالمين، قال تعالى:
﴿وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً (50) ﴾
[سورة مريم]
يطبع المؤمن على الخلال كلها، إلا الكذب والخيانة.. المؤمن لا يكذب، والله سبحانه وتعالى يعزه، ويرفعه، وينصره، ولا يكذب الكذب يتناقض مع الإيمان، تبيع وتشتري دون أن تكذب، تتعامل مع الناس بالصدق والصراحة والوضوح.
أيها الإخوة الكرام:
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) ﴾
[سورة الأحزاب]
هذا صدق الأفعال:
وسوف ترد بعد قليل قصة تؤكد هذه الآية، لكن الله سبحانه وتعالى يريد منا أن نكون صادقين، ويقول جل جلاله:
﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ (21) ﴾
[سورة محمد الآية 21]
والله سبحانه وتعالى أعد مقعد صدق عنده للطائعين الصادقين.
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)﴾
[سورة القمر]
أيها الإخوة الكرام: نأتي إلى الكتب الصحيحة، نأتي إلى صحيح البخاري، فنجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه عثمان بن أبي شيبة، يقول عليه الصلاة والسلام:
((إن الصدق يهدي إلى البر (الصادق ينتهي به صدقه إلى العمل الصالح، إلى أن يعرف الله، إلى أن يطيعه، إلى أن يحسن إلى خلقه) وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق، حتى يُكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً ))
كأن النبي عليه الصلاة والسلام صنف البشر جميعاً إلى صنفين ؛ صادق وكاذب ؛ صادق مع الله، صادق مع نفسه، صادق مع من حوله صادق في تجارته، صادق في علاقاته، صادق في أقواله، صادق في أفعاله، الناس رجلان ؛ صادق يهديه صدقه إلى البر، وبره يهديه إلى الجنة، وكاذب كذبه يهديه إلى الفجور، وفجوره يهديه إلى النار.
أيها الإخوة الكرام:
صحابي جليل هو كعب بن مالك الأنصاري، تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات، فلما جاء النبي من الغزوة، واستقبل المتخلفين، واستمع إلى أعذارهم واحداً واحداً، قبل منهم أعذارهم واستغفر لهم، فلما جاء سيدنا كعب بن مالك الأنصاري، قال:
يا رسول الله، ما كنت في حالة أقوى مني حين تخلفت عنك، ليس لي عذر، فقال عليه الصلاة السلام: أما هذا فقد صدق، ولأنه صدق تولى الله معالجته، أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام أن يقاطعوه، وقد قاطعوه خمسين ليلة، يقول هذا الصحابي الجليل بعد أن فرج الله عنه وتاب عليه قال: فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ـ هو له قصة طويلة، لا يتسع المقام إلى ذكرها بالتفصيل، أعطيكم المقطع الأخير منها، قال:
فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو جالس في المسجد وحوله المسلمون، وهو يستنير كاستنارة القمر، وكان إذا سُرَّ بالأمر استنار وجهه، فجئت فجلست بين يديه، فقال أبشر يا كعب ابن مالك بخير يوم أتى عليك منذ ولدتك أمك، فقلت يا نبي الله: أمن عند الله أم من عندك، قال بل من عند الله ثم تلا تلك الآيات:
﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) ﴾
[سورة التوبة]
قال وفينا أنزلت هذه الآيات، وأنزل أيضاً:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾
[سورة التوبة]
فقلت يا نبي الله: إن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً، وإن من توبتي أن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك، فقلت سوف أمسك علي سهمي الذي بخيبر، قال: فما أنعم الله علي نعمة بعد الإسلام أعظم في نفسي من صدقي..
ثمانون منافقاً قدموا له أعذاراً مقبولة، وقبلها النبي، واستغفر لهم فلما جاء كعب بن مالك الأنصاري قال يا رسول الله: إني أوتيت جدلاً، ولو جلست إلى أحد من الدنيا لخرجت من سخطه، ولكني أجمعت أن أصدقك حين تخلفت عنك ما كنت في حالة أقوى، ولا أيسر حين تخلفت عنك، فقال عليه الصلاة والسلام أما هذا فقد صدق..
الصدق منجاة، والكذب مهواة.
أيها الإخوة الكرام: قال هذا الصحابي الجليل: فما أنعم الله علي نعمة بعد الإسلام أعظم في نفسي من صدقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدقته أنا وصاحباي، ولا نكون كذبنا فهلكنا كما هلكوا، وإني لأرجوا أن لا يكون الله أبلى أحداً في الصدق مثل الذي أبلاني، ما تعمدت لكذبة بعد، وإني لأرجوا أن يحفظني الله فيما بقي.
أيها الإخوة الكرام:
هذا الصحابي، الذي تخلف عن رسول الله وارتكب كبيرة، والتخلف من الكبائر، ومع ذلك حين صدق الله، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، تولى الله معالجته، وأنقذه، وتاب عليه، وعفا عنه، وصار من كبار الصابة.
أيها الإخوة الكرام: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ:
(( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا هُمَا اثْنَتَانِ الْكَلَامُ وَالْهَدْيُ فَأَحْسَنُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَأَحْسَنُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ أَلَا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدِثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ أَلَا لَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمُ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ أَلَا إِنَّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ وَإِنَّمَا الْبَعِيدُ مَا لَيْسَ بِآتٍ أَلَا أَنَّمَا الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ أَلَا إِنَّ قِتَالَ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ وَسِبَابُهُ فُسُوقٌ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ أَلَا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ بِالْجِدِّ وَلَا بِالْهَزْلِ وَلَا يَعِدُ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ ثُمَّ لَا يَفِي (هذا كذب) لَهُ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارَ وَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ يُقَالُ لِلصَّادِقِ صَدَقَ وَبَرَّ وَيُقَالُ لِلْكَاذِبِ كَذَبَ وَفَجَرَ أَلَا وَإِنَّ الْعَبْدَ يَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ))
[أخرجه ابن ماجة]
حديثنا اليوم عن صدق الأفعال، أن تأتي الأفعال مطابقة للأقوال، أن يبقى الباعث إلى الله مستمراً، أن يخرج الإنسان من رمضان وقد أفطر فمه فقط، وبقيت جوارحه، وبقيت أعضاؤه، وبقيت تجارته، ودخله وإنفاقه، وبيته، وأهله، وبناته على منهج الله، وعلى السراط المستقيم ليكون صادقاً في أفعاله.
أيها الإخوة الكرام: يقول سيدن الصديق رضي الله عنه راوياً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال هذا الصحابي الجليل:
(( إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا عَامَ أَوَّلَ فَقَالَ أَلَا إِنَّهُ لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ النَّاسِ شَيْءٌ أَفْضَلُ مِنَ الْمُعَافَاةِ بَعْدَ الْيَقِينِ أَلَا إِنَّ الصِّدْقَ وَالْبِرَّ فِي الْجَنَّةِ أَلَا إِنَّ الْكَذِبَ وَالْفُجُورَ فِي النَّارِ ))
[أخرجه الترمذي وابن ماجه]
اللهم ارزقنا العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
يقول عليه الصلاة والسلام:
(( دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ ))
[أخرجه البخاري]
فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة، المؤمن مع اليقينيات، مع المحكمات، مع الأمور التي لا تحتمل الأخذ والرد.
(( الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ))
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة وأحمد والدرامي]
أيها الإخوة الكرام: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو:
(( أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَمَلُ الْجَنَّةِ قَالَ الصِّدْقُ (واسعة جداً هذه الكلمة، فلان صدق مع الله، صدق مع نفسه، لم يكذبها) قال الصدق وَإِذَا صَدَقَ الْعَبْدُ بَرَّ وَإِذَا بَرَّ آمَنَ وَإِذَا آمَنَ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَمَلُ النَّارِ قَالَ الْكَذِبُ إِذَا كَذَبَ الْعَبْدُ فَجَرَ وَإِذَا فَجَرَ كَفَرَ وَإِذَا كَفَرَ دَخَلَ يَعْنِي النَّارَ ))
[أخرجه أحمد]
والنبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه قال:
(( قَالَ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَالْكُفْرُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ (لأن أحدهما يناقض وجود الآخر) وَلَا يَجْتَمِعُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ جَمِيعًا))
(إن كان صادقاً فليس كاذباً، وإن كان كاذباً فليس صادقاً، أيها الإخوة ـ هذا المعنى دقيق، الصدق لا يتجزأ، والكذب لا يتجزأ، من كان صادقاً مع الله كان صادقاً مع نفسه، وكان صادقاً مع الناس، وكان صادقاً مع أهله، وكان صادقاً مع زبائنه، وكان صادقاً مع جيرانه، وكان صادقاً مع بقية الخلق.
كلكم يعلم أن أحد علماء الحديث انتقل من المدينة إلى البصرة ليأخذ حديثاً عن أحد رواته، رأى هذا الراوي يوهم فرسه أن في ثوبه شعيراً رفع ثوبه هكذا وكأن فيه طعاماً لهذا الفرس ودعاها إليه، اقترب منه فلم يجد في ثوبه شيئاً، فعاد إلى المدينة ولم يكلمه.. هذا كذب على من ؟ كذب على حيوان، الكذب لا يتجزأ، والصدق لا يتجزأ، إن كنت صادقاً مع الله، كنت مع الناس صادقاً، كنت مع نفسك صادقاً، كنت مع خلق الله صادقاً.
أيها الإخوة الكرام: وَلَا تَجْتَمِعُ الْخِيَانَةُ وَالْأَمَانَةُ جَمِيعًا ".
من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا حِفْظُ أَمَانَةٍ وَصِدْقُ حَدِيثٍ وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ وَعِفَّةٌ فِي طُهْرٍ ))
[أخرجه أحمد عن عبد الله عمرو]
مطعم حلال، كسبته بمال حلال، بجهد حلال، وأمين تحفظ الأمان بأوسع معانيها، وصادق الحديث، وحسن الخلق، أربع إذا كنت فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا.
وفي حديث:
(( ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ ))
[أخرجه أحمد والترمذي]
إن أوتيت علماً فأنفه، إن أوتيت مالاً فأنفقه، إن أوتيت علماً ولم تؤت مالاً وقلت لو أن لي مالاً لفعلت كما فعل فلان، أنت وفلان في الأجر سواء.. من غاب عن معصية فأقرها أو رضي بها كان كمن شهدها ومن شهد معصية فأنكرها كان كمن غاب عنها.
أيها الإخوة الكرام: يقول عليه الصلاة والسلام:
((الجهاد أربع ؛ أمر بمعروف، ونهي عن منكر، وصدق في مواطن الصبر، وشنآن الفاسق ))
هذا من الجهاد.
يقول عليه الصلاة والسلام:
((عمل الجنة الصدق، فإذا صدق العبد برَّ وإذا برَّ آمن، وإذا آمن دخل الجنة ))
مرةً ثانية ؛ نريد أن نربط هذا الموضوع مع مناسبة دخولنا في شهر شوال، الصادق يتابع سيره إلى الله على مدار العام، الصادق يتابع مجالس العلم على مدار العام، الصادق يتابع حفظ جوارحه وأعضائه عن المعاصي عن مدار العام، الصادق يتابع تحريه الحلال على مدى العام الصادق، يصلي صلاة الفجر في جماعة، ويصلي صلاة العشاء في جماعة، فمن صلى صلاة الفجر في جماعة فهو في ذملة الله حتى يمسي ومن صلى صلاة العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح.
تابعوا ـ أيها الإخوة ـ عباداتكم، تابعوا غض أبصاركم، تابعوا ضبظ ألسنتكم، تابعوا ضبط بيوتكم، تابعوا ضبط دخولكم، تابعوا ضبط إنفاقكم، تابعوا ذكركم لله عز وجل، تابعوا تلاوتكم للقرآن الكريم، تابعوا تحريكم الحلال، فهذا رمضان من أجل أن تقفز به قفزة نوعية وأن تتابع السير إلى الله.
أيها الإخوة الكرام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا لغيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني..
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة الكرام: قد يسأل سائل: تحدثت في هذه الخطبة عن صدق الأفعال، أن يأتي الفعل مطابق للقول، فما السبيل إلى أن نكون صادقين في أفعالنا ؟ ما السبيل على أن تأتي أفعالنا مطابقة لأقوالنا ؟ ما السبيل إلى أن نتابع عبادة الله كما كنا في رمضان ؟
الجواب ـ أيها الإخوة ـ صدق الأفعال سببه العلم، لأنك تحب نفسك تحب وجودك، وسلامة وجودك، وكمال وجودك، واستمرار وجودك فإذا تيقنت أن الصدق يهديك إلى البر، وأن البر يهديك إلى الجنة صدقت مع الله، ومع نفسك، ومع الناس، فالعلم أساس كل تقدم في طريق الإيمان.
ثم إن التوحيد، التوحيد عنصر آخر من عناصر الصدق، إن رأيت أنه لا إله إلا الله، لا معطي ولا مانع، لا خافض ولا رافع، لا معز ولا مذل، لا قابض ولا باسط، ليس إلا الله، في السماء إله وفي الأرض إله، إليه يُرجع الأمر كله، بيده مقاليد السماوات والأرض، يد الله فوق أيدي خصومك، وأيدي أعدائك، إن الله سبحانه وتعالى مالك كل شيء، إليه يُرجع الأمر كله، خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل، له الخلق والأمر، ما لكم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحداً، ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده.
إن ازددت علماً، وازددت توحيداً وجدت نفسك صادق الأفعال، انطلاقاً من حبك لذاتك، انطلاقاً من حبك لوجودك.
أيها الإخوة الكرام: هل تصدقون ؟ أن بين شقاء الدنيا وشقاء الآخر، وبين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، أن تصغي إلى الحق، أو أن تتأمل في الخلق.
﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾
[سورة الملك]
لو كنا نسمع أو نعقل، إنك تحب نفسك، تحب السلامة، تحب السعادة تحب الجنة، ولكن لا تعرف طريقها، طريقها في الصدق، طريقها في ضبط الجوارح، طريقها في طلب العلم.
﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)﴾
[سورة الملك]
كل البشر مؤهلون ليكونوا مؤمنين، ولكن الذي أصغى للحق، أو فكر في الحق، ووصل إلى الحق نال سعادة الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة الكرام: قال عليه الصلاة والسلام:
(( أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ فَقُلْتُ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ﴾ مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ))
[أخرجه أحمد والدارمي والترامذي وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ وَفِي الْحَارِثِ مَقَالٌ]
في زمن الفتن، في زمن الضلالات، في زمن التباس الأمور، في زمن الطروحات الغريبة، عليكم بالقرآن، فهو حبل الله المتين هو الذكر الحكيم، هو الصراط المستقيم، هو المنهج القويم، هو نور الله في الأرض، وحي السماء إلى الأرض، هو الدستور العظيم، هو سبيل الخلاص.
شيء آخر من أمثلة الصدق:
عن أنس رضي الله عنه، قال: غاب عمي أنس ابن النضر رضي الله عنه عن قتال بدر، قال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت به المشركين، لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون، فقال اللهم أعتذر إليك مما صنع هؤلاء (يعني أصحابه) وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء (يعني المشركين) ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، قال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد، فقال سعد: يا رسول الله فما استطعت أن أصنع ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، ووجدناه قد قُتل ومثل به، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه
﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾
أنت ينبغي أن لا تبدل، عاهدت الله على الصدق، عاهدت الله على قول الحق، عاهدت الله على طلب العلم، عاهدت الله على العمل الصالح، عاهدت الله على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ينبغي أن لا تبدل تبديلاً، أنت عاهدت خالق الأكوان.
أيها الإخوة الكرام:
(( إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا ))
اللهم اجعلنا من هؤلاء.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يُقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك ونتوب إليك اللهم هب لنا علاً صالحاً يقربنا إليك.
اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا أرضنا وارض عنا، اقسم لنا من خشيتك، ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا بها جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا ومتعنا اللهم بأسماعنا، وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، مولانا رب العالمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ودنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر، مولانا رب العالمين.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.
اللهم لا تؤمنا مكرك، ولا تهتك عنا سترك، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين.
اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً، وسائر بلاد المسلمين.
اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.
اللهم ما رزقتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا فيما تحب، وما زويت عنا ما نحب فاجعله فراغاً لنا فيما تحب.
اللهم صن وجوهنا باليسار، ولا تبذلها بالإقتار، فنسأل شر خلقك ونبتلى بحمد من أعطى وذم من منع، وأنت من فوقهم ولي العطاء وبيدك وحدك خزائن الأرض والسماء.
اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك يا رب العالمين.
اللهم بفضلك وبرحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وخذ بيد ولاتهم إلى ما تحب وترضى إنه على ما تشاء قدير وبالإجابة جدير.
والحمد لله رب العالمين
المصدر :
موسوعة النابولسى