ليلة خير من ألف شهر
هذه اللّيلة الّتي هي خير من ألف شهر هي ليلة القدر وهي اللّيلة الّتي أَنْزَل الله بشأنها سورة تُتلَى، يقول تعالى: {إنّا أنْزلْناهُ في ليلةِ الْقَدْر وما
أدْراك ما ليْلةُ الْقَدْرِ ليلةُ الْقَدْر خيرٌ مِنْ ألْفِ شَهْر}. هذه اللّيلة هي الّتي اختارها الله لينزل فيها أعظم كتبه القرآن الكريم، ولذلك عظّمها سبحانه
وتعالى فقال: {ومَا أدْرَاك ما ليلةُ الْقَدْر}، وهو أسلوب من أساليب التّعظيم، ثمّ جاء التّعظيم الآخر {ليلةُ الْقَدْر خيْرٌ مِن ألْفِ شَهْر}، ليلة واحدة
أفضل من ألف شهر (أي أفضل من أربع وثمانين سنة)، فلو قامها مسلم واستغلّها فكأنّه قام هذا العمر الطويل كلّه، أيُّ فضل هذا؟ وأيُّ نعمة
يتفضّل بها المولى على عباده؟
ليلة واحدة تكفيهم عن عمر كامل، وهذا التّفضّل جاء لأنّ أعمار هذه الأمّة قصيرة، فهي ما بين الخمسين والستين، بينما كانت أعمار الأمم
السّابقة تطول، فعوَّض الله المسلمين بهذه اللّيلة العظيمة عن قصر أعمارهم رحمة بهم وتفضّلًا عليهم. وقد وصف الله تعالى هذه اللّيلة في موضع
آخر من القرآن الكريم باللّيلة المباركة فقال تعالى: {إنَّا أنْزَلْنَاهُ فِي ليْلةٍ مُبَارَكة إنَّا كُنّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيم}، والأمر الحكيم الّذي يُفرَق
في هذه اللّيلة هو أقدار الخَلق من أرزاق وأموات وأحياء وأمطار وقحط وما إلى ذلك كلّها تُقدَّر في هذه اللّيلة المباركة لعام كامل، أي أنّ كلّ ما يقع
في السنة يقدّر في تلك اللّيلة، فما أعظمها من ليلة، فلذلك حثّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على قيامها فقال: “مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا
غُفِر له ما تقدَّم من ذَنبه” أي إيمانًا بالله وبكتابه وبتفضيل الله لهذه اللّيلة على سائر الليالي، واحتسابًا للأجر والثّواب عند الله تعالى.
ومن الأدلة على تعظيم هذه اللّيلة أيضًا أنّ الملائكة وجبريل عليهم السّلام يتنَزَّلون فيها على المؤمنين حتّى إنّ السّماء لتكتظ بهم. يقول تعالى:
{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ والرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، وتكون سلامًا من الشّياطين فلا يُسيئون إلى الخَلق تلك اللّيلة، ولا
تقذف فيها الشُّهب، وتكون ليلة لا باردة ولا حارة، فهي ليلة متميّزة.
فاحْرِص أخي الصّائم أن تُدرك تلك اللّيلة ويسعفك الحظّ برؤيتها، وإذا حصل ذلك فأكثر من الدّعاء وأكثر من هذا الدّعاء خاصة “اللّهمّ إنّك عفوّ
تحبّ العفوَ فاعْفُ عنّا”.