التربية الرمضانية على حفظ اللسان
عصام بن هاشم الجفري
الحمد لله الرَّحْمَنُ()عَلَّمَ الْقُرْآَنَ()خَلَقَ الْإِنْسَانَ()عَلَّمَهُ الْبَيَانَ .أحمده جل شأنه وأشكره جعل من رمضان فرصة للتربية على حفظ اللسان،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعهم إلى
يوم القيامة بإحسان .
أمابعد:فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله يقول الله جل في علاه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ()يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (الأحزاب:70-71).
يا خير أمة أخرجت للناس إن أخطر عضو في الإنسان هو اللسان؛فبكلمة واحدة ينتقل الإنسان من طريق الطغيان والنيران لطريق الرحمة
والجنان؛ألم ترى إلى الكافر قبل أن ينطق بشهادة التوحيد يكون عدواً لا تجوز محبته،وإذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في
مقابر المسلمين،وبعد أن قال:أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأن محمداً عبد الله ورسوله، أصبح معصوم الدم والمال له جميع حقوق
المسلمين يقول صلى الله عليه وسلم :أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ
فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ(البخاري،فإن تابوا..،ح(24.فتأملوا معي أحبتي ما الذي
تغير..؟.الرجل هو الرجل،بيد أنه نطق بكلمة التوحيد فنجا،وفي المقابل قد يتحول الرجل من طريق الإيمان والجنان لطريق الكفر والخسران بكلمة
ينطق بها؛واسمع معي لقول الله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ.. (التوبة:74).وقد نزلت هذه الآية
في رجل من المنافقين يقال له الجلاس بن سويد بن الصامت يوم أن قال عن النبي صلى الله عليه وسلم :لئن كان هذا الرجل-يعني رسول الله
صلى الله عليه وسلم -صادقاً فيما يقول لنحن شر من الحمير،فسمعها عمير بن سعد وكان غلاماً صغيراً في كفالة الجلاس فغضب حباً وحمية للنبي
صلى الله عليه وسلم فأبلغ الكلام للنبي صلى الله عليه وسلم فجاء الجلاس يحلف أنه ما قالها فنزل القرآن مثبتاً ما قاله الغلام،فانظر معي أخي
كيف هلك الجلاس بكلمة قالها فنزل فيه قرآن يتلى إلى يوم القيامة!.وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن قال:إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ
مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ(البخاري،حفظ
اللسان،ح(5997.أما يكفي أخي أن من أعمال اللسان المستقذرة الغيبة التي شبهها الله بتشبيه شنيع في كتابه بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ
تَوَّابٌ رَحِيمٌ . وقد وضع ضابطها نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم بقوله:أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ
قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ(مسلم،تحريم الغيبة،ح(4690. اللسان إذا
الم يلجم بلجام الحق يكون سبباً لعذاب صاحبه في القبر مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِحَائِطٍ مِنْ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ
يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ثُمَّ قَالَ بَلَى كَانَ أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَكَانَ الْآخَرُ يَمْشِي
بِالنَّمِيمَةِ(البخاري،من الكبائر..،ح(209.اللسان قد يعبد طريق صاحبه للنار فهذ صلى الله عليه وسلم يقول:إِنَّ الصِّدْقَ بِرٌّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي
إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ فُجُورٌ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ
كَذَّابًا(البخاري،قبح الكذب،ح(4720.واللسان قد يكون سبباً لرفعة الإنسان في الدنيا والآخرة: ..وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ
لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (الأحزاب:35).اللسان يبني البيوت العامرة، فبأنكحتك وقبلت تبنى أسرة وتستحل فروج،فالمرأة قبل عقد النكاح يحرم
على الرجل أن ينظر إليها ثم بعد العقد غدت زوجته وأبيح له أن يستمتع بها،وباللسان تهدم بيوت عامرة،فبكلمة الطلاق تهدم بيوت وتتشتت أسر
ويضيع أطفال. عباد الله إن على ألفاظنا رقابة محكمة أخبرنا عنها ربنا بقوله: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ()مَا يَلْفِظُ مِنْ
قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق:17-18).
الخطبة الثانية:
الحمد لله خالق الإنس والجان،المحمود بكل لسان،أحمده جل شأنه وأشكره على نعمة الهدى والإيمان،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له
المنزه عن الأضداد والأعوان وأشهد أن نبينا وحبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على النهج
بإتقان،أمابعد:فاتقوا الله عباد الله وسارعوا لاغتنام شهركم في تربية ألسنتكم وحفظها عما حرم الله من قول الفحش والزور والسب وغيرها فهذا
نبيكم وحبيبكم صلى الله عليه وسلم يوجهكم بقوله:مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ(البخاري،من
لم يدع قول الزور،ح(1770. فليس الصيام صيام البدن فقط بل هو أيضاً صيام اللسان عما حرم الله،وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه
وسلم :إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ فَإِنْ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ(مسلم،حفظ اللسان للصائم،ح(
1941.أحبتي في الله تخيلوا لو أنا أمسكنا ألسنتنا ثلاثين يوماً عن الكذب والغيبة والنميمة والفحش وغيرها ابتغاء مرضات الله،ألا يكون في
ذلك تربية عملية لتلك الألسن على التزام طريق الحق..؟.إذاً فلنبدأ أحبتي من اليوم وليكن شعارنا رمضان مدرسة تربوية ولنجاهد أنفسنا على
ذلك وقد وعدكم من لا يخلف الميعاد بقوله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت:69).