طُرُقُ الْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ
/0109/6bb33494d4oi6_2008126142331.gif [free hosting by imagilive.com]
وَالْمُتَوَاتِرُ: خَبَرُ جَمَاعَةٍ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ الْعِلْمَ بِصِدْقِهِ، وَلَا حَصْرَ لِعَدَدِهِ، بَلْ هُوَ مَا أَفَادَ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، وَيَحْصُلُ بِخَبَرِ الْفُسَّاقِ وَالْكُفَّارِ، وَقَدْ يَتَوَاتَرُ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، كَمَا فِي شَجَاعَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَجُودِ حَاتِمٍ.
وَالْآحَادُ: مُسْنَدٌ وَمُرْسَلٌ، وَلَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ، وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، إِذْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ الْآحَادَ مِنَ الْعُمَّالِ إِلَى النَّوَاحِي، وَلِعَمَلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَلَا يُؤْخَذُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ فِي الْأُصُولِ، وَلَا فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى عِلْمًا، كَخَبَرِ الْإِمَامِيَّةِ وَالْبَكْرِيَّةِ، وَفِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى عَمَلًا كَحَدِيثِ مَسِّ الذَّكَرِ خِلَافٌ، وَشُرُوطُ قَبُولِهَا الْعَدَالَةُ، وَالضَّبْطُ، وَعَدَمُ مُصَادَمَتِهَا قَاطِعًا، وَفَقْدُ اسْتِلْزَامُ مُتَعَلِّقِهَا الشُّهْرَةَ، وَثَبْتُ عَدَالَةِ الشَّخْصِ بِأَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ حَاكِمٌ يَشْتَرِطُ الْعَدَالَةَ، وَالثَّانِي لِعَمَلِ الْعَالِمِ بِرِوَايَتِهِ، قِيلَ: وَبِرِوَايَةِ الْعَدْلِ عَنْهُ، وَيَكْفِي وَاحِدٌ بِالتَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ، وَالْجَارِحُ أَوْلَى، وَإِنْ كَثُرَ الْمُعَدَّلُ، وَيَكْفِي الْإِجْمَالُ فِيهَا مِنْ عَارِفٍ، وَيُقْبَلُ الْخَبَرُ الْمُخَالِفُ لِلْقِيَاسِ فَيُبْطِلُهُ، وَيُرَدُّ مَا خَالَفَ الْأُصُولَ الْمُقَرَّرَةَ، وَتَجُوزُ الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى مِنْ عَدْلٍ عَارِفٍ ضَابِطٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ رِوَايَةِ فَاسِقِ التَّأْوِيلِ وَكَافِرِهِ.
/0109/6bb33494d4oi6_2008126142331.gif [free hosting by imagilive.com]
الصَّحَابَةُ فِي عَهْدِ النُّبُوَّةِ كَانُوا يَعْرِفُونَ السُّنَّةَ مِنْهُ مُبَاشَرَةً، لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لَنَا نَحْنُ لَا نَعْرِفُ السُّنَّةَ إِلَّا بِطَرِيقِ الرِّوَايَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَالْأَخْبَارُ الْمَنْقُولَةُ مِنْ أَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَوْعَيْنِ: إِمَّا مُتَوَاتِرَةٍ، وَإِمَّا آحَادٍ.
وَعَرَّفَ الْمُتَوَاتِرَ: (بِأَنَّهُ خَبَرُ جَمَاعَةٍ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ الْعِلْمَ بِصِدْقِهِ) وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: خَبَرُ جَمَاعَةٍ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَسْنَدُوهُ إِلَى أَمْرٍ مَحْسُوسٍ. هَلْ هُنَاكَ عَدَدٌ نُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ؟ نَقُولُ مَثَلًا: إِذَا رَوَاهُ مِائَةٌ فَهُوَ آحَادٌ، وَإِذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ فَهُوَ مُتَوَاتِرٌ، لَا، لَيْسَ هُنَاكَ عَدَدٌ مُنْحَصِرٌ، إِذَنْ كَيْفَ نَعْرِفُ؟ نَقُولُ نَنْظُرُ إِلَى مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ فِي بَابِ الْأَخْبَارِ، فَحِينَئِذٍ نَقُولُ: إِفَادَةُ الْخَبَرِ لِلْقَطْعِ وَالْيَقِينِ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى عَدَدِ الرُّوَاةِ، مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى جَوْدَةِ الذِّهْنِ فِي التَّفْكِيرِ فِيمَا بَيْنَ يَدَيْكَ، مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى أَحْوَالِ الرُّوَاةِ الْأَوَائِلِ، مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى كَيْفِيَّةِ صُنْعِ الطَّعَامِ، وَعَلَى إِمْكَانِيَّتِهِ.
وَالْمُتَوَاتِرُ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: مُتَوَاتِرٍ ضَرُورِيٍّ وَكَسْبِيٍّ.
وَالْمُتَوَاتِرُ الضَّرُورِيُّ: هُوَ الَّذِي يَسْتَفِيدُهُ الْإِنْسَانُ، إِذَنْ عِنْدَنَا الْمُتَوَاتِرُ يُفِيدُ الْعِلْمَ، وَالْعِلْمُ عَلَى نَوْعَيْنِ: عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ، وَعِلْمٍ كَسْبِيٍّ.
الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ: هُوَ الَّذِي يُفِيدُ الْيَقِينَ، وَالْجَزْمَ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ، بِخِلَافِ الْعِلْمِ الْكَسْبِيِّ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يُسَمِّيهِ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ، هَذَا النَّوْعُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ تَشْكِيكٌ، التَّوَاتُرُ لَا يُشْتَرَطُ الْبَحْثُ فِي رُوَاتِهِ، لِأَنَّهُ مَقْبُولٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ بَحْثٌ فِي الرُّوَاةِ، هَلْ هُنَاكَ بَلَدٌ اسْمُهُ إِيرَانُ؟هَلْ ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ ؟ لَا، إِذَنْ لَيْسَ هُنَاكَ حِسٌّ، كَيْفَ تُثْبِتُونَ أَنَّ هَذَا الْبَلَدَ مَوْجُودٌ وَأَنْتُمْ لَمْ تَذْهَبُوا إِلَيْهِ؟ خَبَرٌ مُتَوَاتِرٌ. قُطِعَ أَمْ ظَنٌّ؟ قُطِعَ.
قَالَ: وَمَرَّاتٍ يَتَوَاتَرُ الْمَعْنَى بِأَنْ تَرِدَ رِوَايَاتٌ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَاتِرَةً فِي اللَّفْظِ، مِثَالُ ذَلِكَ: حَوْضُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَدَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ مُخْتَلِفَةٌ أَلْفَاظُهَا غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ، لَكِنَّهَا تَجْتَمِعُ مَعًا عَلَى إِثْبَاتِ الْحَوْضِ، هَذَا يُسَمَّى مُتَوَاتِرًا مَعْنَوِيًّا، وَقَدْ يَكُونُ هُنَاكَ مُتَوَاتِرٌ لَفْظِيٌّ، مِثْلُ حَدِيثِ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، مِثْلُ حَدِيثِ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»(1)، فَهَذَا قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَهَذَا يُسَمَّى مُتَوَاتِرًا لَفْظِيًّا، مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَحَادِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، هَلْ هِيَ مُتَوَاتِرٌ لَفْظِيٌّ أَوْ مُتَوَاتِرٌ مَعْنَوِيٌّ؟ مَعْنَوِيٌّ، لَيْسَ هُنَاكَ اتِّفَاقٌ فِي الْأَلْفَاظِ.
إِذَنِ انْتَهَيْنَا مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُتَوَاتِرُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ رُوَاتُهُ جَمَاعَةً يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَنْ يُسْنِدُوهُ إِلَى أَمْرٍ مَحْسُوسٍ، وَأَنْ تَتَّفِقَ جَمِيعُ طَبَقَاتِ السَّنَدِ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ:
لَيْسَ هُنَاكَ عَدَدٌ لِلْمُتَوَاتِرَ، لَا حَصْرَ لِعَدَدِهِ، فَمَرَّاتٍ يَأْتِيكَ خَبَرُ عَشَرَةٍ تَسْتَفِيدُ مِنْهُ جَزْمًا فَيَكُونُ مُتَوَاتِرًا، وَمَرَّاتٍ يَأْتِيكَ خَبَرُ تِسْعِينَ لَكِنَّكَ لَا تَسْتَفِيدُ مِنْهُمْ عِلْمًا فَيَكُونُ آحَادًا .
الْقِسْمُ الثَّانِي الْآحَادُ: وَهُوَ الَّذِي يُقَابِلُ الْمُتَوَاتِرَ. وَيَنْقَسِمُ إِلَى: مُسْنَدٍ: وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ جَمِيعُ طَبَقَاتِ الْإِسْنَادِ، رَوَى الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَوْ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. هَذَا الْإِسْنَادُ مُتَّصِلٌ لَيْسَ فِيهِ انْقِطَاعٌ فَيَكُونُ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا، وَقَدْ يَكُونُ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا بِسُقُوطِ بَعْضِ طَبَقَاتِ الْإِسْنَادِ إِمَّا فِي أَوَّلِهِ، أَوْ فِي آخِرِهِ، أَوْ فِي وَسَطِهِ، لَكِنْ لَوْ سَقَطَ الْجَمِيعُ يُسَمَّى عِنْدَنَا مُرْسَلًا، الْمُحَدِّثُونَ يُفَرِّقُونَ فَيَقُولُونَ: إِذَا سَقَطَ مِنْ أَوَّلِ الْإِسْنَادِ فَهُوَ مُرْسَلٌ، وَإِذَا سَقَطَ مِنْ آخِرِ الْإِسْنَادِ فَهُوَ مُعَلَّقٌ، وَإِذَا سَقَطَ مِنْ وَسَطِ الْإِسْنَادِ وَاحِدٌ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَإِذَا سَقَطَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ فَهُوَ مُعْضَلٌ، وَالْجَمِيعُ عِنْدَنَا، عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، يُسَمُّونَهُ مُرْسَلًا.
الْمُرْسَلُ: هَلْ يُعْمَلُ بِهِ، أَوْ لَا يُعْمَلُ، تَحْرِيرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ فِيهِ أَنَّ الْمُرْسَلَ إِذَا كَانَ يُسْقِطُ الضُّعَفَاءَ لَمْ يُعْمَلْ بِمُرْسَلِهِ، وَإِذَا كَانَ لَا يُسْقِطُ إِلَّا الثِّقَاتِ، فَهَذَا قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَةُ الْمُرْسَلِ الَّذِي لَا يُرْسِلُ، وَلَا يُسْقِطُ إِلَّا الثِّقَاتِ، وَأُثِرَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَابُدَّ لَهُ مِنْ مُعَاضِدٍ آخَرَ، وَالْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَ بِعَدَمِ قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ مُطْلَقًا.
الْمُرْسَلُ هَلْ هُوَ مُفِيدٌ لِلْقَطْعِ؟ نَقُولُ لَا، لَيْسَ بِمُفِيدٍ لِلْقَطْعِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ الظَّنَّ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِحُجِّيَّتِهِ، الْمُسْنَدُ الَّذِي لَهُ إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ هَلْ هُوَ مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ وَالْقَطْعِ؟ أَوْ مُفِيدٌ لِلظَّنِّ؟ مِثَالُ ذَلِكَ: جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». هَذَا مُرْسَلٌ، هَلْ هُوَ مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ وَالْقَطْعِ؟ أَوْ يُفِيدُ الظَّنَّ؟ قَالَ طَائِفَةٌـ إِذَنِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ خَبَرِ وَاحِدٍ يُفِيدُ الْعِلْمِ، وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ أَخْبَارٌ تُفِيدُ الْعِلْمَ ـ فَقَالَ طَائِفَةٌ: نَعَمٌ، خُصُوصًا إِذَا كَانَ مَعَ الْخَبَرِ قَرَائِنُ مِنْ مِثْلِ رِوَايَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ لِلْخَبَرِ، وَمِنْ مِثْلِ كَوْنِ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. مَا حُكْمُ خَبَرِ الْوَاحِدِ؟ نَقُولُ: يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتْرُكَ الْعَمَلَ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾(2) . وَمِنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ امْتِثَالُ أَمْرِهِ فِيمَا نُقِلَ إِلَيْكِ فِي الْآحَادِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾(3) . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا جَاءَنَا آتٍ لَيْسَ بِفَاسِقٍ فَإِنَّنَا لَا نَحْتَاجُ إِلَى التَّبَيُّنِ، الصَّوَابُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الصَّحِيحَ الْخَالِيَ مِنَ الْمُعَارَضَةِ يُفِيدُ الْقَطْعَ، لِأَنَّنَا إِذَا نَظَرْنَا فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَجَدْنَا أَنَّهَا كَلَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تَكَفَّلَ اللهُ بِحِفْظِهِ، وَوَجَدْنَا عَلَيْهِ مِنَ الْبَهَاءِ وَالنُّورِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ فَنَأْمَنُ الِاخْتِلَاطَ، ثُمَّ إِنَّ الْأُمَّةَ قَدْ بَذَلَتْ كُلَّ مَا تَسْتَطِيعُ فِي حِفْظِ السُّنَّةِ مِنْ خِلَالِ تَتَبُّعِ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ، وَالْحُكْمِ عَلَيْهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرْسِلُ آحَادَ النَّاسِ مَعَهُمْ مَبَاحِثُ عَقَدِيَّةٌ، وَأَخْبَارٌ عَقَدِيَّةٌ قَالَ: «يَا مُعَاذُ إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»(4) . هَذَا أَمْرٌ عَقَدِيٌّ قَطْعِيٌّ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الصَّوَابَ أَنَّ أَخْبَارَ الْآحَادِ يُعْمَلُ بِهَا فِي الْأُصُولِ، سَوَاءٌ أُصُولُ الدِّينِ، أَوْ أُصُولُ الْفِقْهِ.
/0109/6bb33494d4oi6_2008126142331.gif [free hosting by imagilive.com]
وَالْمُتَوَاتِرُ: خَبَرُ جَمَاعَةٍ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ الْعِلْمَ بِصِدْقِهِ، وَلَا حَصْرَ لِعَدَدِهِ، بَلْ هُوَ مَا أَفَادَ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، وَيَحْصُلُ بِخَبَرِ الْفُسَّاقِ وَالْكُفَّارِ، وَقَدْ يَتَوَاتَرُ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ، كَمَا فِي شَجَاعَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَجُودِ حَاتِمٍ.
وَالْآحَادُ: مُسْنَدٌ وَمُرْسَلٌ، وَلَا يُفِيدُ إِلَّا الظَّنَّ، وَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، إِذْ كَانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ الْآحَادَ مِنَ الْعُمَّالِ إِلَى النَّوَاحِي، وَلِعَمَلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَلَا يُؤْخَذُ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ فِي الْأُصُولِ، وَلَا فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى عِلْمًا، كَخَبَرِ الْإِمَامِيَّةِ وَالْبَكْرِيَّةِ، وَفِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى عَمَلًا كَحَدِيثِ مَسِّ الذَّكَرِ خِلَافٌ، وَشُرُوطُ قَبُولِهَا الْعَدَالَةُ، وَالضَّبْطُ، وَعَدَمُ مُصَادَمَتِهَا قَاطِعًا، وَفَقْدُ اسْتِلْزَامُ مُتَعَلِّقِهَا الشُّهْرَةَ، وَثَبْتُ عَدَالَةِ الشَّخْصِ بِأَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ حَاكِمٌ يَشْتَرِطُ الْعَدَالَةَ، وَالثَّانِي لِعَمَلِ الْعَالِمِ بِرِوَايَتِهِ، قِيلَ: وَبِرِوَايَةِ الْعَدْلِ عَنْهُ، وَيَكْفِي وَاحِدٌ بِالتَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ، وَالْجَارِحُ أَوْلَى، وَإِنْ كَثُرَ الْمُعَدَّلُ، وَيَكْفِي الْإِجْمَالُ فِيهَا مِنْ عَارِفٍ، وَيُقْبَلُ الْخَبَرُ الْمُخَالِفُ لِلْقِيَاسِ فَيُبْطِلُهُ، وَيُرَدُّ مَا خَالَفَ الْأُصُولَ الْمُقَرَّرَةَ، وَتَجُوزُ الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى مِنْ عَدْلٍ عَارِفٍ ضَابِطٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ رِوَايَةِ فَاسِقِ التَّأْوِيلِ وَكَافِرِهِ.
/0109/6bb33494d4oi6_2008126142331.gif [free hosting by imagilive.com]
الصَّحَابَةُ فِي عَهْدِ النُّبُوَّةِ كَانُوا يَعْرِفُونَ السُّنَّةَ مِنْهُ مُبَاشَرَةً، لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لَنَا نَحْنُ لَا نَعْرِفُ السُّنَّةَ إِلَّا بِطَرِيقِ الرِّوَايَةِ وَالْأَخْبَارِ، وَالْأَخْبَارُ الْمَنْقُولَةُ مِنْ أَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَوْعَيْنِ: إِمَّا مُتَوَاتِرَةٍ، وَإِمَّا آحَادٍ.
وَعَرَّفَ الْمُتَوَاتِرَ: (بِأَنَّهُ خَبَرُ جَمَاعَةٍ يُفِيدُ بِنَفْسِهِ الْعِلْمَ بِصِدْقِهِ) وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: خَبَرُ جَمَاعَةٍ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَسْنَدُوهُ إِلَى أَمْرٍ مَحْسُوسٍ. هَلْ هُنَاكَ عَدَدٌ نُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ؟ نَقُولُ مَثَلًا: إِذَا رَوَاهُ مِائَةٌ فَهُوَ آحَادٌ، وَإِذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةٍ فَهُوَ مُتَوَاتِرٌ، لَا، لَيْسَ هُنَاكَ عَدَدٌ مُنْحَصِرٌ، إِذَنْ كَيْفَ نَعْرِفُ؟ نَقُولُ نَنْظُرُ إِلَى مَوَارِدِ الشَّرِيعَةِ فِي بَابِ الْأَخْبَارِ، فَحِينَئِذٍ نَقُولُ: إِفَادَةُ الْخَبَرِ لِلْقَطْعِ وَالْيَقِينِ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى عَدَدِ الرُّوَاةِ، مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى جَوْدَةِ الذِّهْنِ فِي التَّفْكِيرِ فِيمَا بَيْنَ يَدَيْكَ، مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى أَحْوَالِ الرُّوَاةِ الْأَوَائِلِ، مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى كَيْفِيَّةِ صُنْعِ الطَّعَامِ، وَعَلَى إِمْكَانِيَّتِهِ.
وَالْمُتَوَاتِرُ يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ: مُتَوَاتِرٍ ضَرُورِيٍّ وَكَسْبِيٍّ.
وَالْمُتَوَاتِرُ الضَّرُورِيُّ: هُوَ الَّذِي يَسْتَفِيدُهُ الْإِنْسَانُ، إِذَنْ عِنْدَنَا الْمُتَوَاتِرُ يُفِيدُ الْعِلْمَ، وَالْعِلْمُ عَلَى نَوْعَيْنِ: عِلْمٍ ضَرُورِيٍّ، وَعِلْمٍ كَسْبِيٍّ.
الْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ: هُوَ الَّذِي يُفِيدُ الْيَقِينَ، وَالْجَزْمَ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ، بِخِلَافِ الْعِلْمِ الْكَسْبِيِّ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يُسَمِّيهِ الْعِلْمَ النَّظَرِيَّ، هَذَا النَّوْعُ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ تَشْكِيكٌ، التَّوَاتُرُ لَا يُشْتَرَطُ الْبَحْثُ فِي رُوَاتِهِ، لِأَنَّهُ مَقْبُولٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ بَحْثٌ فِي الرُّوَاةِ، هَلْ هُنَاكَ بَلَدٌ اسْمُهُ إِيرَانُ؟هَلْ ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِ ؟ لَا، إِذَنْ لَيْسَ هُنَاكَ حِسٌّ، كَيْفَ تُثْبِتُونَ أَنَّ هَذَا الْبَلَدَ مَوْجُودٌ وَأَنْتُمْ لَمْ تَذْهَبُوا إِلَيْهِ؟ خَبَرٌ مُتَوَاتِرٌ. قُطِعَ أَمْ ظَنٌّ؟ قُطِعَ.
قَالَ: وَمَرَّاتٍ يَتَوَاتَرُ الْمَعْنَى بِأَنْ تَرِدَ رِوَايَاتٌ تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَاتِرَةً فِي اللَّفْظِ، مِثَالُ ذَلِكَ: حَوْضُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَدَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ مُخْتَلِفَةٌ أَلْفَاظُهَا غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ، لَكِنَّهَا تَجْتَمِعُ مَعًا عَلَى إِثْبَاتِ الْحَوْضِ، هَذَا يُسَمَّى مُتَوَاتِرًا مَعْنَوِيًّا، وَقَدْ يَكُونُ هُنَاكَ مُتَوَاتِرٌ لَفْظِيٌّ، مِثْلُ حَدِيثِ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»، مِثْلُ حَدِيثِ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»(1)، فَهَذَا قَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَهَذَا يُسَمَّى مُتَوَاتِرًا لَفْظِيًّا، مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَحَادِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، هَلْ هِيَ مُتَوَاتِرٌ لَفْظِيٌّ أَوْ مُتَوَاتِرٌ مَعْنَوِيٌّ؟ مَعْنَوِيٌّ، لَيْسَ هُنَاكَ اتِّفَاقٌ فِي الْأَلْفَاظِ.
إِذَنِ انْتَهَيْنَا مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمُتَوَاتِرُ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: أَنْ يَكُونَ رُوَاتُهُ جَمَاعَةً يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَنْ يُسْنِدُوهُ إِلَى أَمْرٍ مَحْسُوسٍ، وَأَنْ تَتَّفِقَ جَمِيعُ طَبَقَاتِ السَّنَدِ عَلَيْهِ.
تَنْبِيهٌ:
لَيْسَ هُنَاكَ عَدَدٌ لِلْمُتَوَاتِرَ، لَا حَصْرَ لِعَدَدِهِ، فَمَرَّاتٍ يَأْتِيكَ خَبَرُ عَشَرَةٍ تَسْتَفِيدُ مِنْهُ جَزْمًا فَيَكُونُ مُتَوَاتِرًا، وَمَرَّاتٍ يَأْتِيكَ خَبَرُ تِسْعِينَ لَكِنَّكَ لَا تَسْتَفِيدُ مِنْهُمْ عِلْمًا فَيَكُونُ آحَادًا .
الْقِسْمُ الثَّانِي الْآحَادُ: وَهُوَ الَّذِي يُقَابِلُ الْمُتَوَاتِرَ. وَيَنْقَسِمُ إِلَى: مُسْنَدٍ: وَهُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ جَمِيعُ طَبَقَاتِ الْإِسْنَادِ، رَوَى الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ أَوْ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. هَذَا الْإِسْنَادُ مُتَّصِلٌ لَيْسَ فِيهِ انْقِطَاعٌ فَيَكُونُ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا، وَقَدْ يَكُونُ الْحَدِيثُ مُرْسَلًا بِسُقُوطِ بَعْضِ طَبَقَاتِ الْإِسْنَادِ إِمَّا فِي أَوَّلِهِ، أَوْ فِي آخِرِهِ، أَوْ فِي وَسَطِهِ، لَكِنْ لَوْ سَقَطَ الْجَمِيعُ يُسَمَّى عِنْدَنَا مُرْسَلًا، الْمُحَدِّثُونَ يُفَرِّقُونَ فَيَقُولُونَ: إِذَا سَقَطَ مِنْ أَوَّلِ الْإِسْنَادِ فَهُوَ مُرْسَلٌ، وَإِذَا سَقَطَ مِنْ آخِرِ الْإِسْنَادِ فَهُوَ مُعَلَّقٌ، وَإِذَا سَقَطَ مِنْ وَسَطِ الْإِسْنَادِ وَاحِدٌ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ، وَإِذَا سَقَطَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ فَهُوَ مُعْضَلٌ، وَالْجَمِيعُ عِنْدَنَا، عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، يُسَمُّونَهُ مُرْسَلًا.
الْمُرْسَلُ: هَلْ يُعْمَلُ بِهِ، أَوْ لَا يُعْمَلُ، تَحْرِيرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ فِيهِ أَنَّ الْمُرْسَلَ إِذَا كَانَ يُسْقِطُ الضُّعَفَاءَ لَمْ يُعْمَلْ بِمُرْسَلِهِ، وَإِذَا كَانَ لَا يُسْقِطُ إِلَّا الثِّقَاتِ، فَهَذَا قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ تُقْبَلُ رِوَايَةُ الْمُرْسَلِ الَّذِي لَا يُرْسِلُ، وَلَا يُسْقِطُ إِلَّا الثِّقَاتِ، وَأُثِرَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَابُدَّ لَهُ مِنْ مُعَاضِدٍ آخَرَ، وَالْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَ بِعَدَمِ قَبُولِ الْمُرْسَلِ وَالْمُنْقَطِعِ مُطْلَقًا.
الْمُرْسَلُ هَلْ هُوَ مُفِيدٌ لِلْقَطْعِ؟ نَقُولُ لَا، لَيْسَ بِمُفِيدٍ لِلْقَطْعِ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ الظَّنَّ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِحُجِّيَّتِهِ، الْمُسْنَدُ الَّذِي لَهُ إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ هَلْ هُوَ مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ وَالْقَطْعِ؟ أَوْ مُفِيدٌ لِلظَّنِّ؟ مِثَالُ ذَلِكَ: جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». هَذَا مُرْسَلٌ، هَلْ هُوَ مُفِيدٌ لِلْعِلْمِ وَالْقَطْعِ؟ أَوْ يُفِيدُ الظَّنَّ؟ قَالَ طَائِفَةٌـ إِذَنِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ خَبَرِ وَاحِدٍ يُفِيدُ الْعِلْمِ، وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ أَخْبَارٌ تُفِيدُ الْعِلْمَ ـ فَقَالَ طَائِفَةٌ: نَعَمٌ، خُصُوصًا إِذَا كَانَ مَعَ الْخَبَرِ قَرَائِنُ مِنْ مِثْلِ رِوَايَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ لِلْخَبَرِ، وَمِنْ مِثْلِ كَوْنِ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. مَا حُكْمُ خَبَرِ الْوَاحِدِ؟ نَقُولُ: يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْفُرُوعِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتْرُكَ الْعَمَلَ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾(2) . وَمِنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ امْتِثَالُ أَمْرِهِ فِيمَا نُقِلَ إِلَيْكِ فِي الْآحَادِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾(3) . فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا جَاءَنَا آتٍ لَيْسَ بِفَاسِقٍ فَإِنَّنَا لَا نَحْتَاجُ إِلَى التَّبَيُّنِ، الصَّوَابُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الصَّحِيحَ الْخَالِيَ مِنَ الْمُعَارَضَةِ يُفِيدُ الْقَطْعَ، لِأَنَّنَا إِذَا نَظَرْنَا فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَجَدْنَا أَنَّهَا كَلَامُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي تَكَفَّلَ اللهُ بِحِفْظِهِ، وَوَجَدْنَا عَلَيْهِ مِنَ الْبَهَاءِ وَالنُّورِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ فَنَأْمَنُ الِاخْتِلَاطَ، ثُمَّ إِنَّ الْأُمَّةَ قَدْ بَذَلَتْ كُلَّ مَا تَسْتَطِيعُ فِي حِفْظِ السُّنَّةِ مِنْ خِلَالِ تَتَبُّعِ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ، وَالْحُكْمِ عَلَيْهِمْ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرْسِلُ آحَادَ النَّاسِ مَعَهُمْ مَبَاحِثُ عَقَدِيَّةٌ، وَأَخْبَارٌ عَقَدِيَّةٌ قَالَ: «يَا مُعَاذُ إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ»(4) . هَذَا أَمْرٌ عَقَدِيٌّ قَطْعِيٌّ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الصَّوَابَ أَنَّ أَخْبَارَ الْآحَادِ يُعْمَلُ بِهَا فِي الْأُصُولِ، سَوَاءٌ أُصُولُ الدِّينِ، أَوْ أُصُولُ الْفِقْهِ.