اللغة الإنجليزية في الماضي
ما الذي جعل اللغة الإنجليزية هي اللغة العالمية دون غيرها من اللغات؟ هناك سببان أحدهما تاريخي جغرافي والثاني اجتماعي ثقافي. وتعود العوامل التاريخية إلى أيام الحملات الرائدة إلى الأمريكتين وآسيا والقطبين. حيث استمر هذا التوسع في القرن التاسع عشر مع التوسعات الاستعمارية colonial developments في إفريقيا وجنوب المحيط الهادي تلاها خطوة أخرى هامة في منتصف القرن العشرين عندما تبنتها العديد من الدول المستقلة حديثا وجعلتها اللغة الرسمية. واللغة الإنجليزية ممثلة الآن في كل قارة وفي جزر أهم ثلاث محيطات هي: جزر سينت هلينا في المحيط الأطلسي، وجزر سيشل في المحيط الهندي، وجزر كثيرة في المحيط الهادي مثل فيجي وهاواي. وهذا التوسع في التمثيل جعل من تطبيق مصطلح اللغة العالمية على اللغة الإنجليزية حقيقة
أما الجانب الاجتماعي الثقافي فيظهر في الطريقة التي يعتمد فيها الناس في جميع أنحاء العالم على اختلاف مشاربهم وفئاتهم على اللغة الإنجليزية في رفاههم الاقتصادي والاجتماعي. حيث ترسخت جذور اللغة الإنجليزية على الصعيد الدولي في الحياة السياسية والتجارية والأمنية والاتصالات والترفيه والتواصل ووسائل الإعلام والتعليم. ويقدر الملايين من الناس وجود لغة مشتركة تسهل العلاقات والاحتياجات الإنسانية العالمية. حيث تعتمد عليها مجالات أخرى كثيرة مثل صناعة برمجيات الحاسب.
كيف نشأت اللغة الإنجليزية
منذ وصلت اللغة الإنجليزية إلى بريطانيا من شمال أوروبا في القرن الخامس الميلادي وهي في حالة حركة دائمة حيث بدأت في الانتشار حول الجزر البريطانية ودخلت أجزاء من ويلز وكورنوول وكامبريا وجنوب اسكتلندا. وبعد الغزو النورماندي عام 1066م، هرب الكثير من النبلاء إلى اسكتلندا، وانتشرت اللغة الإنجليزية في الأجزاء الجنوبية منها. وابتداء من القرن الثاني عشر، أرسل الفرسان الأنجلو نورمانيين عبر بحر ايرلندا وبذلك وقعت ايرلندا بالكامل تحت حكم الإنجليز بالتدريج. حدث هذا على الصعيد المحلي. ولم تبدأ اللغة الإنجليزية بالانتشار خارج الجزر البريطانية إلا بعد 300 عام أخرى. فمع نهاية القرن السادس عشر، بلغ عدد المتحدثين باللغة الإنجليزية بين 5-7 مليون عاش اغلبهم في الجزر البريطانية. وفي الفترة بين نهاية حكم الملكة إليزابيث الأولى عام 1603م، وبداية حكم الملكة إليزابيث الثانية عام 1952م، تضاعف عددهم إلى نحو 250 مليونا، عاش اغلبهم خارج الجزر البريطانية، وشكل الأمريكان غالبيتهم.
الولايات المتحدة:
بدأت الحملات (الهجرات) المتوجهة من انجلترا إلى العالم الجديد عام 1584م، ولم تكن في البداية ناجحة. ويعود تاريخ أول مستوطنة إنجليزية إلى عام 1607م، عندما وصلت إحدى البعثات إلى ChesapeakeBay. تبعها بعثات أخرى على طول الساحل وفي الجزر القريبة مثل برمودا. وفي عام 1620م، وصل مجموعة من ال Puritants على ظهر سفينة Mayflower وهبطوا في Cape Cod Bay ، حيث حالت الرياح دون وصولهم إلى فرجينيا، وأقاموا مستوطنة لهم في بليموث بماساتشوستس. وكانت تلك المجموعة مزيجا من الأطفال والراشدين قدموا من مناطق مختلفة، ومن خلفيات اجتماعية ومهنية مختلفة. وتميزت هاتان المستعمرتان - فرجينيا في الجنوب، ونيو انجلاند في الشمال - بتنوع خلفياتها اللغوية. حيث كان المستوطنون في فيرجينيا قد أتوا من أنحاء عديدة من غرب انجلترا وجلبوا معهم لهجتهم. كما احضر المستوطنون المقيمون في بليموث الذين قدموا من شرق انجلترا لهجتهم، التي تختلف عن لهجة المستوطنين في الجنوب، وأصبحت هذه اللهجة هي السائدة في هذه المنطقة.
وفي القرن الثامن عشر ، كان هناك موجات من المهاجرين القادمين من ايرلندا، حيث بدأ الايرلنديون بالهجرة إلى أمريكا عام 1600م، ولكن الموجات الرئيسة من المهاجرين كانت في العشرينات من القرن الثامن عشر، حين وصل إلى أمريكا نحو 50.000 من الايرلنديين والاسكتلنديين. ومع إعلان الاستقلال عام 1776م، شكل الايرلنديون والاسكتلنديون أغلبية المستعمرين. وفي عام 1790م، بلغ عدد سكان أمريكا 4 ملايين نسمة. وبعد قرن، وصل عدد السكان إلى خمسين مليونا، انتشروا في معظم أرجاء القارة، وانتشرت معهم اللكنة المعروفة باسم Sunbelt بين فرجينيا وكاليفورنيا.
لم تكن انجلترا وحدها هي التي حددت الاتجاهات التي انتشرت فيها اللغة الإنجليزية في أمريكا، بل احتل الأسبان الجزء الأكبر من الغرب والجنوب الغربي. وكان الفرنسيون متواجدين في المناطق الشمالية على جانبي نهر سينت لورانس عبر المناطق الوسطى حتى خليج المكسيك. واستقر الهولنديون في نيويورك والمناطق المجاورة. واستقرت أعداد كبيرة من الألمان في بنسلفانيا. وفي الوقت نفسه دخلت أعداد كبيرة من الإفريقيين الجنوب نتيجة لتجارة الرقيق، حيث ازداد عددهم من 2500 عام 1700م، وإلى 100.000 عام 1775م، متجاوزين بذلك عدد السكان البيض في الجنوب.
وشهد القرن التاسع عشر هجرات كبيرة إلى أمريكا، حيث هربت أعداد كبيرة من الايرلنديين والألمان والطليان نتيجة الثورة والفقر والمجاعة في أوروبا. وفي العقدين الأوليين من القرن العشرين، بلغ متوسط عدد المهاجرين القادمين إلى أمريكا ثلاثة أرباع مليون في العام. وفي عام 1900م بلغ عدد السكان 75 مليونا فقط، وتضاعف هذا العدد عام 1950م.
وخلال جيل أو جيلين أصبح أبناء عائلات المهاجرة يتحدثون اللغة الإنجليزية نتيجة الانصهار في المجتمع.وأصبح الأجداد والأحفاد يعيشون في عالمين منفصلين. كان نتيجته ازدياد عدد الناطقين باللغة الإنجليزية كلغة أم. ففي عام 1990م، بلغ عدد الناطقين باللغة الإنجليزية في المنزل ممن تزيد أعمارهم على خمس سنوات 198 مليونا ( أي نحو 86% من المجموع الكلي للسكان). وقفز هذا العدد إلى 215 مليونا عام 2000م.
كندا:
وفي الوقت نفسه كانت اللغة الإنجليزية تشق طريقها في الشمال. حيث كان أول اتصال للغة الإنجليزية في كندا عام 1497م، عندما وصل جون كابوت إلى نيوفوندلاند ولم تبدأ الهجرات الإنجليزية بالاستقرار على طول ساحل الأطلنطي إلا بعد قرن، عندما اجتذبت تجارة صيد السمك والفرو والزراعة المستوطنين الناطقين باللغة الإنجليزية. وكان هناك صراع قائم بينهم وبين الفرنسيين الذين قدموا إلى كندا مع استكشافات جاك كارتييه في العشرينات من القرن السادس عشر. ولكن انتهى الصراع باستسلام الفرنسيين في القرن الثامن عشر، بعد انهزامهم في حرب الملكة آن (1702- 1703م)، والحرب الفرنسية الهندية عام (1754-1763م).
وفي الخمسينات من القرن الثامن عشر، طرد الآلاف من المستوطنين الفرنسيين من آكاديا (نوفا سكوشيا)، وحل محلهم مستوطنون من نيوانجلاند. وازداد عدد القادمين من انجلترا وايرلندا واسكتلندا.
وبعد إعلان استقلال أمريكا عام 1776م، وجد المؤيدون لبريطانيا صعوبة في البقاء في الولايات المتحدة الجديدة، فغادر اغلبهم إلى شرق كندا، واستقروا في نوفا سكوشيا ونيو برونزويك. وبعد خمسين عاما، بلغ عدد سكان هذه المنطقة 100.000 نسمة. وبلغ عدد سكان كندا عام 2000 نحو 31 مليون نسمة. وبسبب نشأة اللغة الإنجليزية الكندية، هناك تشابه بينها وبين اللغة الإنجليزية الأمريكية. ومن يعش خارج كندا والولايات المتحدة، يصعب عليه التفريق بينهما.
جزر الكاريبي:
مع بدايات الاستيطان في أمريكا، كانت اللغة الإنجليزية تنتشر في الجنوب. وبدأت لكنة جديدة في الظهور في جزر الهند الغربية وفي الجزء الجنوبي من القارة يتحدث بها السود الوافدون، نتيجة لاستيراد الرقيق (العبيد) الإفريقيين للعمل في مزارع السكر. ومنذ بدايات القرن السابع عشر، كانت السفن تأتي من أوروبا، وتبحر إلى ساحل إفريقيا الغربي، حيث تستبدل البضائع الرخيصة بالرقيق. وكانت تنقل الرقيق إلى جزر الكاريبي والساحل الأمريكي، حيث كانوا يستبدلون بسلع مثل السكر والدبس. وكانت السفن تعود إلى انجلترا، مكملة بذلك مثلثا أطلسيا من الرحلات، ثم يبدأون الكرة من جديد. وفي عام 1719م، وصل عشرون من العبيد الأفارقة إلى ساحل فرجينيا في الولايات المتحدة. وأيام الثورة الأمريكية (1776م)، وصل عددهم إلى نصف مليون. وعندما صدر قانون تحرير العبيد عام 1865م، وصل عددهم إلى 4 ملايين نسمة.
كانت سياسة تجار الرقيق هي إحضار أناس يتحدثون لغات مختلفة على سفينة واحدة، منعا لحدوث العصيان. ونتيجة لذلك ظهر عدد من الأشكال المخلوطة من الاتصال pidgin خاصة بين العبيد والبحارة، الذين كان أغلبهم يتحدث اللغة الإنجليزية. وعندما وصلوا إلى جزر الكاريبي، استمرت هذه اللغة الإنجليزية المخلوطة وسيلة للاتصال بين السكان السود وملاك الأراضي، وبين السود أنفسهم. وعندما ولد أبناؤهم، أصبحت هذه اللغة المخلوطة هي اللغة الأم، منتجة بذلك أول لغة ممزوجة Creole للسود في المنطقة. وهذه هي English Creole التي أصبحت سائدة في المزارع الجنوبية، وفي كثير من المدن الساحلية في الجزيرة. وفي الوقت ذاته، أصبحت اللغة الإنجليزية البريطانية القياسية (الفصحى) دلالة على الرقي في جميع أنحاء المنطقة، بسبب النفوذ السياسي لبريطانيا. وظهرت أيضا Creole French, Spanish, Portugese في جميع أنحاء جزر الكاريبي وما حولها، وتفاعلت مع اللغة الإنجليزية القياسية واللغة الممزوجة CreoleEnglish. وبدأت جزر الكاريبي والمناطق التي تجاورها من أمريكا الوسطى والجنوبية تكون تشكيلة من اللهجات الإنجليزية تعكس كل منها تاريخها السياسي والثقافي. ولم تبق اللغة المحكية في جزر الهند الغربية داخل جزر الكاريبي، بل انتقلت مع المجموعات الكبيرة التي نزحت إلى كندا والولايات المتحدة وبريطانيا.
استراليا ونيوزيلندا:
مع نهاية القرن الثامن عشر، وضعت الحملات الاستكشافية المتتابعة للعالم التي أرسلتها بريطانيا أسس اللغة الإنجليزية في نصف الكرة الجنوبي. ومع أن عدد السكان الناطقين بها ليس كبيرا مقارنة بعددهم في نصف الكرة الشمالي، إلا أن اللهجات الإنجليزية التي ظهرت هناك ذات طابع مميز. فقد كانت الجزر البريطانية مصدرا للمستوطنين ومن ثم التأثير الرئيس في اللغة. حيث قدم الكثير من المهاجرين من بريطانيا وايرلندا، لذا نجد مسحة من لهجة لندن المسماة Cockney، واللكنة الايرلندية المسماة brogue في اللهجة الإنجليزية الاسترالية المستخدمة في الحديث اليوم. وفي اللهجة الإنجليزية الاسترالية تعبيرات كثيرة دخلت إليها من لغات السكان الأصليين. وفي السنوات القليلة الماضية، أصبح تأثير اللكنة الإنجليزية الأمريكية ولكنات المهاجرين واضحا على اللهجة الاسترالية. ونتيجة لهذا كله، نجد في استراليا اليوم مزيجا من السمات اللغوية.
أما في نيوزيلندا، فاللغة الإنجليزية بدأت متأخرة كثيرا عنها في استراليا. حيث استكشف كابتن كوك الجزيرة بين عامي 1769م - 1770م . وبدأ التجار وصيادو الحيتان من الاستقرار هناك في التسعينات من القرن الثامن عشر. كما بدأت الحملات التبشيرية عام 1814م. ولكن لم تتأسس المستعمرة إلا عام 1840م. بعدها توالت الهجرات من أوروبا بشكل سريع، وقفزت أعداد المهاجرين من 2000 مهاجر عام 1840م، إلى 25.000 مهاجر عام 1850م، والى ثلاثة أرباع المليون عام 1900م. وعام 2002م، بلغ عدد سكان نيوزيلندا 3.8 مليون نسمة.
وكان لتاريخ نيوزيلندا الاجتماعي في القرن العشرين نتائج لغوية خاصة. إذ كانت نيوزيلندا أكثر اتصالا من الناحية التاريخية ببريطانيا من استراليا، وأكثر تعاطفا مع القيم والمؤسسات البريطانية. والكثير من الناس يتحدثون اللغة الإنجليزية بلكنة يظهر فيها تأثير اللكنة البريطانية جليا. إضافة إلى الشعور المتزايد بالهوية القومية، وضرورة أن تكون نيوزيلندا مختلفة عن استراليا.
وهذا لفت الانتباه إلى الاختلافات الموجودة بين اللكنتين الاسترالية والنيوزيلاندية. ونظرا لرغبتهم في المحافظة على حقوق السكان الأصليين (الماوري) الذين تبلغ نسبتهم 10% من السكان، نجم عن هذا زيادة في استخدام كلمات الماوري في اللغة الإنجليزية النيوزيلندية.
جنوب إفريقيا:
على الرغم من وصول المستعمرين الهولنديين إلى رأس الرجاء الصالح عام 1652م، إلا أن تاريخ تدخل بريطانيا في المنطقة يعود إلى عام 1795م (أثناء حروب نابوليون عندما غزتها الحملات الاستكشافية). وبسطت بريطانيا سيطرتها عام 1806م، وبدأت سياسة الاستيطان عام 1820م عندما منح 5000 من المستوطنين البريطانيين أراض في شرق الرأس عام 1822م.
وكانت هناك محاولة لنجلزة السكان الناطقين باللغة الافريقانية. وأصبحت اللغة الإنجليزية لغة القانون والتعليم وباقي مناحي الحياة. تلتها حملات استيطانية أخرى في الأربعينات والخمسينات من القرن التاسع عشر خاصة في ناتال Natal، تبعها تدفق المهاجرين الأوربيين بعد تطوير مناطق الذهب والألماس في Witwatersrand في سبعينات القرن الثامن عشر. حيث وصل نحو نصف مليون من المهاجرين اغلبهم من الناطقين باللغة الإنجليزية، إلى البلاد، في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.
في البداية كان هناك عدد من اللهجات الإنجليزية بين الجماعات المختلفة من المستوطنين البريطانيين، وكانت اللهجة اللندنية هي السائدة في الرأس، وكانت لهجة وسط وشمال بريطانيا هي السائدة في ناتال. ولكن مع مرور الوقت، أصبح هناك لهجة متجانسة بها سمات تشبه إلى حد كبير سمات اللهجة الاسترالية، التي بدأت تستقر في الفترة نفسها. وفي الوقت نفسه كانت اللغة الإنجليزية تستخدم كلغة ثانية بين الناطقين باللغة الافريقانية والكثير من المستعمرين الهولنديين، الذين اخذوا معهم هذه اللهجة إلى الشمال، هربا من الحكم البريطاني. وظهرت لهجة جنوب افريقية من اللغة الإنجليزية بين السود الذين تعلموا اللغة في المدارس التبشيرية والتي تأثرت بالخلفية اللغوية للناطقين بها. كما استخدمت اللغة الإنجليزية من قبل الأقليات ذوي الخلفيات المختلطة والناطقين باللغات الأخرى، واستخدمها الكثير من المهاجرين الهنود الذين استقروا في البلاد نحو عام 1860م.
كانت اللغة الإنجليزية دائما هي لغة الأقلية في جنوب إفريقيا، حيث يتحدث بها نحو 3.7 مليون من بين 43.5 مليونا، وهو التعداد العام للسكان عام 2002م. حيث اعتبرت اللغة الافريقانية اللغة الرسمية عام 1925م، وكانت اللغة الأم لأغلبية السكان البيض والملونين، وكانت اللغة الإنجليزية هي لغة البقية الباقية من البيض، وعدد متزايد من السود (نحو 70%). وبهذا يظهر العنصر اللغوي للتجزئة السياسية التي ميزت المجتمع العنصري في جنوب أفريقيا: حيث اعتبرت الغالبية العظمى من السود اللغة الافريقانية لغة السلطة والقمع، واعتبرت السلطة الافريقانية اللغة الإنجليزية لغة الاحتجاج والإصرار وتقرير المصير. ونظر الكثير من السود إلى اللغة الإنجليزية على أنها أداة للحصول على صوت دولي ولتوحيد أنفسهم مع جماعات السود الأخرى.
إلا أن الوضع الراهن لاستخدام اللغة الإنجليزية أكثر تعقيدا مما يبدو. فأصحاب السلطة من البيض يرون في اللغة الإنجليزية وسيلة للتواصل العالمي. وأصبح الكثير من الافريقانيين مزدوجي اللغة، ويتحدثون اللغة الإنجليزية بطلاقة وبلكنة تشبه اللكنة البريطانية. وظهرت تشكيلة من اللكنات تتراوح بين اللكنة التي يغلب عليها تأثير اللغة الافريقانية، وأولئك الذين يتحدثون الإنجليزية بنطق بريطاني نموذجي (فصيح) British Received Pronunciation.
جنوب آسيا:
لشبه القارة الهندية (الهند، بنجلاديش، باكستان، سريلانكا، بوتان، نيبال) وضع خاص. إذ يفوق عدد المتحدثين باللغة الإنجليزية في شبه القارة الهندية عددهم في الولايات المتحدة وبريطانيا معا، وهذا يعكس مكانة اللغة الإنجليزية فيها. وهناك عدد من اللهجات عمرها أقل من مائتي عام.
وتعود نشأة اللهجة الإنجليزية في جنوب آسيا إلى بريطانيا. حيث حدث أول احتكاك لشبه القارة الهندية ببريطانيا عام 1600م، عند تأسيس شركة الهند الشرقية البريطانية، وهي شركة تتكون من عدد من تجار لندن منحتهم الملكة إليزابيث الأولى حق احتكار التجارة في هذه المنطقة. ومع ضعف أباطرة المغول، ازداد نفوذ الشركة. وفي عام 1765م، استولت على إدارة الدخل الحكومي في البنغال. وخلال فترة الهيمنة البريطانية بين عامي 1765م والاستقلال عام 1947م، أصبحت اللغة الإنجليزية بالتدريج لغة الإدارة والتعليم في جميع أرجاء شبه القارة الهندية. وفي أوائل القرن التاسع عشر، برزت مسألة اللغة، عندما كان المسئولون المستعمرون يفكرون في نوعية نظام التعليم الذي يريدون أن يتبنوه. وقبل اللورد ويليام بنتينك William Bentinck عام 1835م إدخال نظام التعليم الإنجليزي في الهند. وعندما أنشئت جامعات بومباي ومدراس وكالكوتا عام 1857م، كانت اللغة الإنجليزية هي لغة التعليم الرئيسة.
وفي الستينات من القرن العشرين، أدى الصراع بين أنصار اللغة الإنجليزية واللغة الهندية واللغات المحلية إلى وضع معادلة ثلاثية اللغة كانت اللغة الإنجليزية هي البديل الأول للغة الدولة الأولى وهي اللغة الهندية. بالنسبة لمكانة اللغة الإنجليزية الآن، فهي اللغة الرسمية الثانية إلى جانب اللغة الهندية، وهي اللغة الرسمية في أربع ولايات هي مانيبور وميغالايا وناجالاند وتريبورا، إلى جانب ثمان مناطق اتحادية أخرى. وبهذا حافظت اللغة الإنجليزية على مكانتها في المجتمع الهندي، واستمر استخدامها في النظام القانوني والإدارات الحكومية والتعليم الثانوي والجامعي والقوات المسلحة ووسائل الإعلام والتجارة والأعمال والسياحة. إنها قوة موحدة قوية. وفي باكستان تعتبر اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية الثانية، أما في بقية دول شبه القارة الهندية، فليس لها مكانة اللغة الرسمية، ولكنها لغة التواصل الدولي، وينظر إليها الشباب على أنها لغة التحديث الثقافي.
المستعمرات الإفريقية السابقة:
نجم عن الطموح الاستعماري لدى بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال وايطاليا وبلجيكا تقسيم قارة إفريقيا إلى مستعمرات (مناطق مستعمرة). وبعد الحربين العالميتين، قسمت المنطقة إلى دول وصودرت المناطق الخاصة بألمانيا وايطاليا. وحصلت معظم الدول التي نجمت عن هذا التقسيم على استقلالها في الستينات وما بعدها من القرن العشرين. وأخذت منظمة الوحدة الإفريقية على عاتقها الحفاظ على الحدود بين الدول.
وبدأ الإنجليز يزورون غرب إفريقيا منذ نهاية القرن الخامس عشر وبعدها بقليل بدأت اللغة الإنجليزية تستخدم كلغة مشتركة lingua franca في بعض المستوطنات على الساحل.ومع بدايات القرن التاسع عشر وتزايد التجارة والأنشطة المناهضة لتجارة الرقيق، جلب التجار معهم اللغة الإنجليزية إلى الساحل الغربي لإفريقيا بالكامل. وبسبب وجود عدد من اللغات المحلية المتصارعة، ظهر العديد من اللغات الممزوجة والمخلوطة creoles and pidgins المعتمدة على اللغة الإنجليزية تستخدم جنبا إلى جنب مع اللغة القياسية (الفصحى) للمسئولين المستعمرين والمبشرين والجنود والتجار. وظهرت اللهجة البريطانية في سيراليون وغانا وغامبيا ونيجيريا والكاميرون واللهجة الأمريكية في ليبيريا.
وعلى الرغم من أن السفن الإنجليزية كانت تزور شرق إفريقيا منذ نهاية القرن السادس عشر، إلا أن الاهتمام الحقيقي بدأ في منتصف القرن التاسع عشر مع الرحلات الاستكشافية لأدغال إفريقيا. وفي عام 1888م، أنشئت شركة شرق إفريقيا البريطانية.
وهناك العديد من الدول التي لها تاريخ مرتبط ببريطانيا جعلت اللغة الإنجليزية لغة رسمية لها بعد الاستقلال مثل بوتسوانا وكينيا وليسوثو وملاوي وناميبيا وتنزانيا وأوغندا وزامبيا وزيمبابوي. ولعبت اللهجة البريطانية دورا في تطور هذه الدول، حيث أنها واسعة الاستخدام في الأجهزة الحكومية والمحاكم والمدارس ووسائل الإعلام وغيرها من المجالات العامة.
جنوب شرق آسيا وجنوب المحيط الهادي:
يظهر في غرب وجنوب المحيط الهادي خليط من اللهجتين البريطانية والأمريكية. فنتيجة للحرب الأمريكية الأسبانية عام 1898م، حصلت الولايات المتحدة على جزية جوام وبرتوريكو وبسطت هيمنتها على الفلبين، وألحقت بها هواي. وفي الأربعينات من القرن العشرين، نجم عن غزو الولايات المتحدة لجزر المحيط الهادي التابعة لليابان والحرب العالمية الثانية التي جاءت بعده أن أصبح العديد من المناطق في عهدة الولايات المتحدة. وبرغم استقلال الفلبين عام 1946م، إلا أن تأثير اللغة الإنجليزية الأمريكية يبقى قويا. وفي الفلبين أكبر عدد من الناطقين باللغة الإنجليزية في جنوب غرب المحيط الهادي، إذ تجاوز عدد سكانها عام 2002م 80 مليون نسمة.
انتشرت اللغة الإنجليزية البريطانية في مناطق أخرى مثل هونج كونج وبينانج وسنغافورة نظرا للنفوذ البريطاني الناجم عن رحلات البحارة الإنجليز في نهاية القرن الثامن عشر أمثال كابتن كوك، إضافة إلى إرساليات الجمعية التبشيرية اللندنية. واتسعت رقعة المستعمرات البريطانية في جنوب شرق آسيا نتيجة لنشاط ستامفورد رافلزStamford Raffles احد المسئولين في شركة شرق الهند البريطانية. حيث أسست مراكز في عدد من المواقع منها بينانج عام 1786م، وسنغافورة عام 1819م، وملقا عام 1824م. وبعد اشهر، أصبح عدد سكان سنغافورة 5000 نسمة، وعندما أصبح اتحاد ماليزيا الفدرالي إحدى المستعمرات التابعة للتاج البريطاني عام 1867م، كانت اللغة الإنجليزية قد ترسخت كلغة للإدارات الحكومية والقانون في جميع أنحاء المنطقة. وأصبحت اللغة الإنجليزية لغة القوة في المناطق البريطانية في جنوب شرق آسيا. وكان لإدخال نظام التعليم البريطاني أثر في تعلم الطلاب للهجة البريطانية القياسية. وأنشئت المدارس التي تستخدم اللغة الإنجليزية لغة للتعليم في بينانج عام 1816م، وكان المدرسون الأوائل من بريطانيا. وازداد عدد الطلاب الملتحقين بها مع تزايد أعداد المهاجرين الوافدين من الصين والهند. وأصبحت اللغة الإنجليزية هي لغة التقدم المهني (الاحترافي) ولغة الأدب. ومع بدايات القرن العشرين، أصبحت اللغة الإنجليزية هي لغة التعليم الجامعي. وأصبحت اللغة الإنجليزية لغة مشتركة ودليلا على الرقي بين الذين تلقوا تعليمهم باللغة الإنجليزية، والذين دخلوا مجتمع الاحترافيين.
التطورات السياسية:
قبل القرن العشرين، كانت الإمبراطورية البريطانية تغطي نحو ثلث الكرة الأرضية، وشكل أتباعها نحو ربع سكان العالم. وكان لبريطانيا هدف حضاري، وكانت اللغة الإنجليزية الأداة التي حققت ذلك. ولقد اختار الكثير من الدول المستقلة حديثا (التي يغلب على سكانها التعددية اللغوية) خاصة في إفريقيا اللغة الإنجليزية لغة رسمية ليتمكن الناطقون بها في مجتمعاتها من الاستمرار في التواصل مع بعضهم البعض على المستوى القومي.
الوصول إلى المعرفة:
مع بداية القرن التاسع عشر، كانت بريطانيا هي رائدة التجارة والصناعة في العالم. وبلغ عدد سكانها عام 1700م خمسة ملايين نسمة. وتضاعف هذا العدد عام 1800م. وخلال هذا القرن لم تتمتع أية دولة في العالم بمثل نموها الاقتصادي. فقد كانت أغلب اختراعات الثورة الصناعية في بريطانيا مثل: تسخير الفحم الحجري والماء والبخار لتشغيل الآلات الضخمة، تطوير مواد وطرق وآلات جديدة في كثير من الصناعات، وظهور وسائل مواصلات جديدة. وكانت النتائج اللغوية لهذه الإنجازات بعيدة المدى. فقد كان للمصطلحات العلمية الخاصة بهذه الإنجازات العلمية والتكنولوجية أثر مباشر في اللغة. حيث أضيفت ألاف الكلمات إلى اللغة الإنجليزية. وأصبحت بريطانيا وجهة للاستفسارات من كثير من الدول في القارات المختلفة. وانتدب الكثير من العمال إلى المصانع البريطانية، وأرسل الكثير من البريطانيين إلى الخارج لتدريس الطرق الحديثة في الإنتاج الصناعي. واجتذبت فرص العمل في بريطانيا العديد من المستثمرين من جميع أنحاء القارة، الذين أصبحوا فيما بعد روادا في مجالهم.
وحدثت التطورات ذاتها في الولايات المتحدة التي حلت محل بريطانيا، وأصبح لها مكان الصدارة في النمو الاقتصادي في أواخر القرن التاسع عشر. وأصبحت الولايات المتحدة مغناطيسا يجتذب العلماء الأوروبيين. فإذا وضعنا الأبحاث البريطانية والأمريكية معا لوجدنا أن نصف الإنتاج العلمي والتكنولوجي المؤثر في الفترة بين عامي 1750م -1900م قد كتب باللغة الإنجليزية. وعمل نحو 45% من الناس في بيئة تغلب عليها اللغة الإنجليزية، إضافة إلى عدد آخر كان يتعاون مع علماء ناطقين باللغة الإنجليزية. ومع الأثر الكبير الذي حققته هذه الاكتشافات في أمريكا، ازداد المادة العلمية المكتوبة باللغة الإنجليزية زيادة ملحوظة.
وساعد التطور في وسائل المواصلات الذي حدث في النصف الأول من القرن التاسع عشر في الوصول إلى المعرفة. كما ساهم التطور في وسائل المواصلات مثل السفن البخارية والقطارات في التقريب بين الناس. وساهم التطور في وسائل الاتصال مثل التلغراف والتلفون في جعل التواصل بين الناس فوريا. ففي عام 1815م، كانت أخبار معركة واترلو تصل لندن خلال أربعة أيام، أما في عام 1915م فكانت أخبار حملة جاليبوليGallipoli في الدردنيل تصل في غضون ساعة. كما ساهمت وسائل المواصلات السريعة في توفير منتوجات الثورة الصناعية. فقد كانت طرق الإنتاج واسعة النطاق الجديدة بحاجة إلى طرق جديدة في المواصلات. فتوزيع الصحف على نطاق واسع لم يكن ليتحقق بدون نظام للسكك الحديدية وشبكة من الطرق يمكن أن تنقل المعدات الثقيلة. وكان هناك عامل آخر هو اكتشاف مصادر جديدة للطاقة. فقد حفر أول بئر بترول في بنسلفانيا عام 1859م، وكانت شركة ستاندارد للزيت تسيطر على 90% من النفط في الولايات المتحدة. ومن الإنجازات إمبراطورية الصحافة التي أنشأها William Randolf Hearst. إضافة إلى إمبراطورية الصناعة والبنوك والمواصلات التي أنشاها John Pierpont Morgan. وأصبح مصرفه أحد أكثر المؤسسات المالية في العالم. وشهد أول القرن التاسع عشر نموا سريعا لأنظمة البنوك الدولية خاصة في بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة. وكانت الدول الأقل غنى في العالم تريد اجتذاب الاستثمارات الأجنبية. وفي عام 1914م كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تستثمران أكثر من 4.000 ألف مليون جنيه إسترليني في الخارج. وجلبت الإمبريالية الاقتصادية أبعادا جديدة للقوة اللغوية. وأصبح الوصول إلى المعرفة هو الوصول إلى معرفة كيفية الحصول على الدعم المالي.
لقد كانت رحلة اللغة الإنجليزية خلال هذه الفترة هي رحلة توسع وتنوع. حيث شهدت هذه الحقبة اكتشافا تلو اكتشاف يتطلب استخدام اللغة كوسيلة وحيدة أو وسيلة رئيسة في التعبير. وظهرت تطورات كثيرة في الوقت نفسه هيأت الجو للغة الإنجليزية لتكون الاختيار الطبيعي للتقدم.
اللغة الإنجليزية في الحاضر
إن المكانة التي تتمتع بها اللغة الإنجليزية هذا اليوم ناجمة عن عاملين: الأول: التوسع في القوة الاستعمارية البريطانية التي بلغت أوجها مع نهاية القرن التاسع عشر وظهور الولايات المتحدة كقوة اقتصادية الأولى في القرن العشرين. والعامل الثاني هو الذي يفسر لنا سر بقاء اللغة الإنجليزية لغة عالمية في الوقت الحاضر. ففي الولايات المتحدة 70% من الناطقين باللغة الإنجليزية (كلغة أم). إضافة إلى الهيمنة الاقتصادية والسياسية التي تجعل الطريق الذي ستسير فيه اللغة الإنجليزية في المستقبل بيد الولايات المتحدة.