المشاكل والاضطرابات الشـخصية التي تجابه أبناءنا
حامد الحمداني
ليس من السهل التعرف على الأطفال الذين يعانون من الاضطرابات الشخصية، ذلك لأن معاناتهم تحدث في العادة بصمت بحيث لا يبدو عليهم أنهم مختلفون أو مزعجون بالنسبة لمعلميهم، وإدارة مدرستهم، كما أنهم لا يمارسون أية سلوكيات خطيرة ومضر للآخرين، بل نجدهم ميالين للهدوء والبساطة، وتجنب التوتر والإزعاج، وربما نجدهم في بعض الأحيان ميالين للاستبداد البسيط من أجل الحفاظ على الهدوء والسكينة في البيت.
وقد يستثارون في أحيان أخرى إذا تغيرت الأحوال من حولهم، ويشعرون بالانزعاج إذا ما كلفهم المعلم بوجبات بيتية صعبة، كما أنهم يخشون العلاقة مع زملائهم الأطفال، ويميلون إلى الحذر من المخاطر مهما كانت بسيطة.
إن المربي يستطيع من خلال خبرته وتجربته أن يتلمس المشكلات التي يعاني منها هؤلاء الأطفال والمراهقين من خلال الملاحظات التالية:
1 ـ انخفاض مستواهم الدراسي بصورة كبيرة لا تتناسب مع قدراتهم العقلية.
2 ـ ظهور علامات الانزعاج لأتفه الأسباب.
3 ـ ظهور علامات الخجل والانكماش والابتعاد عن المشاركة في الأنشطة العامة وحتى الدراسة.
4 ـ القلق وعدم الشعور بالأمان، أو المرض العصبي.
5 ـ الاكتئاب والانطواء، وقد يعقبها حالة من الثورة والبكاء.
ويعتقد الكثير من الآباء والأمهات أن ظهور هذه المؤشرات لدى أطفالهم لا يعدو عن كونه مجرد مشاكل بسيطة تتعلق بمراحل النمو، وأنها ستزول عند الكبر.
كما أن بعض المربين ربما يحاولون تجنب مثل هؤلاء الأطفال الذين لا يتميزون بمواهب ملحوظة، ولا يثيرون المشاكل في الصف أو المدرسة غير مدركين حقيقية ما يعانونه من اضطرابات نفسية.
قد ينتاب هؤلاء الأطفال والمراهقين أحياناً نوبة من الغضب والثورة ويعقبهما نوبة بكاء، وقد يلجئون إلى الفرار من المدرسة، وفي الغالب يبدو عليهم [الجبن] في تعاملهم مع الآخرين،ويتسمون [بالخجل]، و[عدم الثقة بالنفس] و[الحساسية الزائدة] حيال أي تغير مهما كان طفيفاً في تفاعلاتهم العادية مع زملائهم، وتنتابهم مشاعر الضيق،والابتعاد عن التعامل مع الآخرين بسبب إخفاقهم في إظهار قدرتهم على المواجهة،أو تكوين علاقات عادية مقبولة مع زملائهم .
كما تؤدي الحساسية إزاء ردود أفعال الآخرين في الغالب إلى شعور هؤلاء الأطفال ب[الخجل] غير الطبيعي والارتباك وتجنب عمل أي شيء مفضلين الانزواء داخل الصف خشية الوقوع في الخطأ عندما يوجه لهم المعلم أي سوأل،أو خشية سماع تعليقات غير لائقة من زملائهم.
.ويعاني الأطفال ذوي المشكلات الشخصية من التشاؤم وفقدان الأمل في إشباع حاجاتهم، والإحباط، وتجنب الإقدام والمثابرة الإيجابية، ولا يسعون إلى تحقيق أهدافهم، وقد يدعم هذا شعورهم بأنه لا يوجد شيء في الحياة يستحق البقاء، وتنتابهم نوبات الحزن، ولوم النفس واليأس الذي قد يجعلهم يفكرون بالانتحار إذا ما ساءت أحوالهم، ولم تجري معالجتهم في الوقت المناسب.
إن هذه السمات والخصائص التي ذكرناها لدى الأطفال ذوي المشاكل الشخصية ليست خاصة بهؤلاء فقط، فقد تظهر هذه السمات أو بعضها لدى الآخرين من غير ذوي المشكلات الشخصية، ولكن عندما تبدأ هذه الخصائص في التأثير على عادات الطفل العادية، وقدرته على الشعور بالراحة وإقامة علاقات عادية مع الآخرين، وهبوط مستواه الدراسي دون مستوى قدراته العقلية، عند ذلك يمكن القول أن الطفل يتعرض للمشاكل الشخصية، ويتطلب من المربين من ذوي المؤهلات المتخصصين في العلاج النفسي التدخل لعلاجه.
إما العوامل المسببة للمشاكل والاضطرابات الشخصية فهي:
1 ـ العوامل الوراثية .
2 ـ العوامل النفسية .
3 ـ المؤثرات الأسرية.
أولاً: العوامل الوراثية:
تشير الدراسات التي أجراها العلماء والباحثون في مجالي التربية وعلم النفس أن العوامل الوراثية تلعب دوراً خطيراً في ظهور الاضطرابات الشخصية، فقد أوضحت الدراسات التي أجراها العالم [ديفيد روزنثال] رئيس معمل علم النفس بالمعهد الوطني للصحة النفسية في الولايات المتحدة أن أقرباء الدرجة الأولى [الوالدين والأخوة والأبناء] يمكن أن تظهر بينهم اضطرابات الشخصية بمعدل الضعف بالمقارنة مع أقرباء الدرجة الثانية [الأجداد والأعمام والأحفاد] حيث تزداد احتمالية تعرض الأفراد لتلك المشكلات كلما زادت درجة القرابة بينهم.
وهناك العديد من العلماء الذين يمزجون بين عوامل الوراثة وعوامل البيئة كعوامل مترابطة ومتلازمة في كل مرحلة من مراحل نمو الفرد، وهناك من يعتقد أن البيئة لا يمكن أن تؤثر إلا على الإنسان الذي يحمل خصائص وراثية معينة.
كما أوضحت الدراسات التي أجراها كل من الباحثون بكلية الطب [بجامعة بيل] الأمريكية [ليكمان ووايزمان ومريكانجر وبوليس وبروسوف] أن أقارب الدرجة الأولى لأفراد مصابين باضطرابات الاكتئاب أو الهلع هم أكثر عرضة للإصابة بتلك الاضطرابات.
كما اتضح من تلك الدراسات أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين[5 ـ17] سنة،والتي تنتشر تلك الاضطرابات بين والديهم هم أكثر عرضة أيضاً للإصابة باضطرابات القلق والاكتئاب والهلع مثل الوالدين تماماً، وأن هناك علاقة وثيقة بين اضطرابات القلق والاكتئاب لدرجة أن حدوث أحدهما يزيد احتمالية حدوث الآخر كما أجرى العالم [أزنك وبريل] دراسات على التوائم [أحادي البيضة] و[ثنائي البيضة]، وقد أوضحت تلك الدراسات تزايد معدل حدوث تلك المشكلات الشخصية بين زوجي التوائم المتماثلة بحيث إذا أصيب أحدهما بمشكلة ما فغالباً ما يصاب الآخر بها.
وعليه فقد أصبح واضحاً أن العوامل الوراثية تلعب دوراً أساسياً كمسببات للمشكلات الشخصية لدى الأطفال والمراهقين، ورغم صعوبة تحديد مدى تأثير العوامل الوراثية، فإن هناك بعض الأفراد قد تظهر لديهم استعدادات للإصابة بالقلق والاكتئاب كرد فعل للنظام البيئي الذي يعيشون فيه، ومن المهم أن نأخذ في اعتبارنا أن الأطفال والمراهقين يحملون معهم خصائص واستعدادات وميولا معينة إلى النظام البيئي الذي يعيشون فيه، وينبغي عدم اعتبارهم مجرد متلقين سلبيين لتأثير العوامل البيئية عليهم، فهم يتأثرون بالبيئة ويؤثرون فيها.
إن معالجة هذه الحالات لدى الأطفال والمراهقين تتطلب دراسة شاملة لأحوالهم الأسرية بغية التعرف على مسببات تلك المشاكل وعلاجها.
ثانياً: العوامل النفسية:
يعتقد العديد من العلماء والمفكرين التربويين، وفي المقدمة منهم العالم [فرويد] أن القلق يعتبر عاملاً أساسياً في حدوث المشكلات النفسية لدى الطفل خلال مراحل النمو، ابتداءً من الميلاد وحتى الطفولة المبكرة، حيث يواجه الطفل ضغوطاً مستمرة من الوالدين وغيرهم من أفراد الأسرة
المحيطين به، لكي يستطيع التكيف مع العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية وهم يسعون إلى كفّ غرائزه الأولية ومنع إشباعها الفوري.
أما الطفل فيحاول نتيجة تلك الضغوط كبت الغرائز غير المقبولة لدى الأسرة، والتي غالباً ما تنطوي على رغبات جنسية وعدوانية، بسبب تلك الضغوط المسلطة عليه أثناء عملية تدريبه وتنشئته الاجتماعية من قبل أسرته، غير أن شدة تأثير وسيطرة تلك الغرائز على الطفل تحول دون كبتها بصورة تامة، حيث تبقى ضاغطة على الطفل طلباً للإشباع، وهذا ما يؤدي إلى أن تصبح الغرائز مصدراً للتهديد بالظهور والإفصاح عن نفسها من وقت إلى آخر.
ويسود الاعتقاد لدى العلماء أن تهديد الغرائز بالظهور إلى منطقة الشعور، ومحاولة الطفل إشباعها تعتبر السبب الأساسي لحدوث [القلق] لدى الطفل، حيث يُجبر على بذل أقصى الجهد لمنع ظهور تلك الغرائز إلى الشعور، وقد يؤدي إخفاقه في كبت غرائزه إلى التعرض إلى [القلق الحاد]، وربما إلى [الهلع] لدى البعض الآخر، وقد يتسبب ذلك في حدوث أعراض جانبية أخرى كالمخاوف المرضية، والشكوى من بعض الأشياء البيتة، والشكوى من بعض الآلام الجسمية دون سبب عضوي واضح، وقد يوجه الطفل دوافعه العدوانية إلى نفسه، حيث يظهر ذلك في صورة أعراض [الاكتئاب]، [والخوف] من الانفصال عن الوالدين، أو من المدرسة، كما يمكن أن يحدث الاكتئاب نتيجة محاولة الطفل التحكم في الغضب، والحزن، لا شعورياً، وذلك بتوجيه تلك المشاعر نحو الذات.
ويرى العالم [أريكسن] أن خبرة الطفل في اكتساب الثقة بدلاً من الشكوك تعد مرحلة مهمة في حياته، والتي سوف يبني بموجبها علاقاته مع الآخرين، ومع العالم من حوله مستقبلاً، فإذا أخفقت تلك الخبرات المبكرة في توفير مشاعر الأمن والارتباط بالآخرين فإنه سوف ينظر للعالم من حوله باعتباره عالماً مخيفاً لا يوفر الأمن الكافي والتقبل به، وهذا يقود بدوره إلى أن يصبح القلق أمرٌ حقيقي في وجوده، وقد يتعرض في المراحل التالية من حياته إلى نتائج مدمرة تسبب له القلق واليأس وتشمل تلك المراحل في نظر [أريكسن] الاستقلال في مقابل الخجل والريبة، والمبادأة مقابل الشعور بالإثم والذنب، والمثابرة مقابل الشعور بالعدوانية، والشعور بالهوية مقابل تشويه الهوية.
وبسبب عدم قدرة الطفل على التعامل مع العالم المحيط به بثقة، فإنه يتعرض للشعور المزمن بالقلق، والميول الدفاعية، والانطواء، وكل ذلك يؤدي في النهاية إلى نشوء مشكلات نفسية شديدة، وقد تتخذ صور الجبن، والعزلة الاجتماعية والاكتئاب.
ولابد أن أشير في النهاية إلى أن أساليب التخويف الذي تمارسها الأسرة تجاه الأطفال يمكن أن تتحول إلى محفز أساسي للقلق، ثم أن الخوف يتحول إلى حالة مرضية لدى الطفل من خلال المعايشة والمواجهات الاجتماعية، فعندما يرى الطفل والده يواجه متطلبات الحياة باستمرار بحالة خوف، أو يتحدث أمامه بأسلوب يعبر عن اليأس والاكتئاب والقلق من المستقبل فإنه يمكن أن ينقل تلك المشاعر والأفكار المؤذية لطفله، حيث ينتاب الطفل شعور بأن العالم من حوله مكان مخيف، ويدفعه إلى الانكماش والانعزاال والجبن، والخجل الشديد، والتخوف من النقد.
إن على الآباء والأمهات أن يدركوا أن أبناؤهم يراقبونهم دائماً في كل حركاتهم وتصرفاتهم ويقلدونهم ويتعلمون منهم، ولذلك يتوجب عليهم أن يكونوا قدوة مثالية لأبنائهم، ويمدونهم بكل ما هو جيد ومفيد، ويبعدوا عنهم أي شعور بالخوف أو القلق، ويوضحوا لهم أن الحياة شيء جميل ورائع مهما واجه الإنسان من مصاعب، وأن السعادة كل السعادة في أن يواجه الإنسان الصعاب ويتغلب عليها بجده وجهاده، ولا شك في أنه قادر على تحقيق ذلك إذا شاء.
3 ـ المؤثرات الأسرية:
ذكرنا فيما سبق أن الأطفال يتشبهون دائماً بآبائهم وأمهاتهم، ويقلدونهم في حركاتهم وتصرفاتهم، ويأخذون منهم الكثير من الصفات والعادات، وقد اتضح من الدراسات التي أجراها العديد من العلماء أن الأطفال ذوي المشكلات الشخصية هم في الغالب ينتمون إلى أسرٍ يعاني فيها أحد الوالدين،وربما كلاهما من نفس المشكلات.
فقد أوضحت الدراسات التي أجريت على العديد من أسر الأطفال المراهقين ذوي المشكلات الشخصية وجود العديد من الخصائص التي تجمع بين الوالدين والأبناء، ومن بينها التسلط والقسوة، والتحكم الزائد، فالوالدان يعلّمان أطفالهما، سواء عن قصد أو دون قصد، أن العالم من حولهم مخيف، وأن الفرد الذي يعيش فيه يتعرض تلقائيا للتوتر والقلق، ويحذرونهم باستمرار من أن أي أخطاء يرتكبونها تعرضهم للنبذ والرفض من الآخرين.
إن هذه الأساليب تسبب للطفل الشعور المستمر بالخجل مما يجعله يتجنب لقاء الآخرين، أو جلب انتباههم لكي لا يتعرض للنقد أو الرفض، وبالتالي يسيطر عليه الجبن والعزلة الاجتماعية.
وقد تلجأ بعض الأسر إلى توجيه النقد لأطفالهم باستمرار من أي عمل أو تصرف تأتوا به، فهم ينتقدونهم على مظهرهم أو ملابسهم أو عاداتهم أو خصائصهم الشخصية أو أصدقائهم أو قدراتهم وإنجازاتهم الدراسية، وقد يوجهون لهم صفات سيئة جداً، كأن يصفونهم بالغباء أو القبح أو التفاهة وغيرها من الصفات السيئة التي تؤثر بالغ التأثير على حالتهم النفسية.
كما أن بعض الأسر تغالي في حرصها الشديد على أطفالها، وتسعى لتوفير الحماية الزائدة لهم من المخاطر المحتملة، وتحذرهم باستمرار من الآخرين، أو من الكلاب أو غيرها من الحيوانات ويحاولون أن يصوروا لهم صورة مفزعة عما يمكن أن يحدث لهم إن هم ابتعدوا عنهم، وهكذا يخلقون لدى أطفالهم شعوراً بأن ذويهم يحاولون فعلاً تجنب المواقف والناس لشعورهم بالخطر.
وفي أحوال أخرى تحاول بعض الأسر تشجيع أطفالها على تأكيد ذاتهم، واستقلاليتهم، وقد يوجهون لهم العقوبة إذا ما مارسوا أموراً تعبر عن عدم الاستقلالية بتوجيه الاتهامات لهم بعدم الكفاءة والقدرة، وفي أحيان كثيرة يشجعون أطفالهم على اتخاذ القرارات بأنفسهم، لكنهم يعاقبونهم إذا أخطأوا، وقد نجد البعض يشجعون أطفالهم على التحدث وفي الوقت نفسه يخبرون الآخرين الجالسين معهم بأن طفلهم يشعر بالخجل، وغير ذلك من الصفات التي تعبر عن عدم الكفاءة، وهذه الازدواجية في التعامل مع أطفالهم يمكن أن تعرضهم إلى الكثير من المشاكل النفسية كالارتباك والقلق، والغضب، والجمود.
ينبغي على الوالدين وعلى المربين أن يحرصوا على عدم توجيه أي عبارات تنم عن الاستهانة بالأطفال، أو تحط من قدرهم أو قابليتهم، أو إشعارهم بالإحباط إذا ما أخطأوا في عمل ما، فالذي لا يعمل هو فقط الذي لا يخطئ. إن الواجب يقتضي منا تقويم أخطائهم إن حدثت بروح من التفهم والاحترام لمشاعرهم، وتنمية شعورهم بالثقة بالنفس، وبعث الشجاعة الأدبية لديهم لكي نمكنهم من مواجهة المجتمع والعالم المحيط بهم بكل همة ونشاط وهم على أكمل استعداد.
حامد الحمداني
ليس من السهل التعرف على الأطفال الذين يعانون من الاضطرابات الشخصية، ذلك لأن معاناتهم تحدث في العادة بصمت بحيث لا يبدو عليهم أنهم مختلفون أو مزعجون بالنسبة لمعلميهم، وإدارة مدرستهم، كما أنهم لا يمارسون أية سلوكيات خطيرة ومضر للآخرين، بل نجدهم ميالين للهدوء والبساطة، وتجنب التوتر والإزعاج، وربما نجدهم في بعض الأحيان ميالين للاستبداد البسيط من أجل الحفاظ على الهدوء والسكينة في البيت.
وقد يستثارون في أحيان أخرى إذا تغيرت الأحوال من حولهم، ويشعرون بالانزعاج إذا ما كلفهم المعلم بوجبات بيتية صعبة، كما أنهم يخشون العلاقة مع زملائهم الأطفال، ويميلون إلى الحذر من المخاطر مهما كانت بسيطة.
إن المربي يستطيع من خلال خبرته وتجربته أن يتلمس المشكلات التي يعاني منها هؤلاء الأطفال والمراهقين من خلال الملاحظات التالية:
1 ـ انخفاض مستواهم الدراسي بصورة كبيرة لا تتناسب مع قدراتهم العقلية.
2 ـ ظهور علامات الانزعاج لأتفه الأسباب.
3 ـ ظهور علامات الخجل والانكماش والابتعاد عن المشاركة في الأنشطة العامة وحتى الدراسة.
4 ـ القلق وعدم الشعور بالأمان، أو المرض العصبي.
5 ـ الاكتئاب والانطواء، وقد يعقبها حالة من الثورة والبكاء.
ويعتقد الكثير من الآباء والأمهات أن ظهور هذه المؤشرات لدى أطفالهم لا يعدو عن كونه مجرد مشاكل بسيطة تتعلق بمراحل النمو، وأنها ستزول عند الكبر.
كما أن بعض المربين ربما يحاولون تجنب مثل هؤلاء الأطفال الذين لا يتميزون بمواهب ملحوظة، ولا يثيرون المشاكل في الصف أو المدرسة غير مدركين حقيقية ما يعانونه من اضطرابات نفسية.
قد ينتاب هؤلاء الأطفال والمراهقين أحياناً نوبة من الغضب والثورة ويعقبهما نوبة بكاء، وقد يلجئون إلى الفرار من المدرسة، وفي الغالب يبدو عليهم [الجبن] في تعاملهم مع الآخرين،ويتسمون [بالخجل]، و[عدم الثقة بالنفس] و[الحساسية الزائدة] حيال أي تغير مهما كان طفيفاً في تفاعلاتهم العادية مع زملائهم، وتنتابهم مشاعر الضيق،والابتعاد عن التعامل مع الآخرين بسبب إخفاقهم في إظهار قدرتهم على المواجهة،أو تكوين علاقات عادية مقبولة مع زملائهم .
كما تؤدي الحساسية إزاء ردود أفعال الآخرين في الغالب إلى شعور هؤلاء الأطفال ب[الخجل] غير الطبيعي والارتباك وتجنب عمل أي شيء مفضلين الانزواء داخل الصف خشية الوقوع في الخطأ عندما يوجه لهم المعلم أي سوأل،أو خشية سماع تعليقات غير لائقة من زملائهم.
.ويعاني الأطفال ذوي المشكلات الشخصية من التشاؤم وفقدان الأمل في إشباع حاجاتهم، والإحباط، وتجنب الإقدام والمثابرة الإيجابية، ولا يسعون إلى تحقيق أهدافهم، وقد يدعم هذا شعورهم بأنه لا يوجد شيء في الحياة يستحق البقاء، وتنتابهم نوبات الحزن، ولوم النفس واليأس الذي قد يجعلهم يفكرون بالانتحار إذا ما ساءت أحوالهم، ولم تجري معالجتهم في الوقت المناسب.
إن هذه السمات والخصائص التي ذكرناها لدى الأطفال ذوي المشاكل الشخصية ليست خاصة بهؤلاء فقط، فقد تظهر هذه السمات أو بعضها لدى الآخرين من غير ذوي المشكلات الشخصية، ولكن عندما تبدأ هذه الخصائص في التأثير على عادات الطفل العادية، وقدرته على الشعور بالراحة وإقامة علاقات عادية مع الآخرين، وهبوط مستواه الدراسي دون مستوى قدراته العقلية، عند ذلك يمكن القول أن الطفل يتعرض للمشاكل الشخصية، ويتطلب من المربين من ذوي المؤهلات المتخصصين في العلاج النفسي التدخل لعلاجه.
إما العوامل المسببة للمشاكل والاضطرابات الشخصية فهي:
1 ـ العوامل الوراثية .
2 ـ العوامل النفسية .
3 ـ المؤثرات الأسرية.
أولاً: العوامل الوراثية:
تشير الدراسات التي أجراها العلماء والباحثون في مجالي التربية وعلم النفس أن العوامل الوراثية تلعب دوراً خطيراً في ظهور الاضطرابات الشخصية، فقد أوضحت الدراسات التي أجراها العالم [ديفيد روزنثال] رئيس معمل علم النفس بالمعهد الوطني للصحة النفسية في الولايات المتحدة أن أقرباء الدرجة الأولى [الوالدين والأخوة والأبناء] يمكن أن تظهر بينهم اضطرابات الشخصية بمعدل الضعف بالمقارنة مع أقرباء الدرجة الثانية [الأجداد والأعمام والأحفاد] حيث تزداد احتمالية تعرض الأفراد لتلك المشكلات كلما زادت درجة القرابة بينهم.
وهناك العديد من العلماء الذين يمزجون بين عوامل الوراثة وعوامل البيئة كعوامل مترابطة ومتلازمة في كل مرحلة من مراحل نمو الفرد، وهناك من يعتقد أن البيئة لا يمكن أن تؤثر إلا على الإنسان الذي يحمل خصائص وراثية معينة.
كما أوضحت الدراسات التي أجراها كل من الباحثون بكلية الطب [بجامعة بيل] الأمريكية [ليكمان ووايزمان ومريكانجر وبوليس وبروسوف] أن أقارب الدرجة الأولى لأفراد مصابين باضطرابات الاكتئاب أو الهلع هم أكثر عرضة للإصابة بتلك الاضطرابات.
كما اتضح من تلك الدراسات أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين[5 ـ17] سنة،والتي تنتشر تلك الاضطرابات بين والديهم هم أكثر عرضة أيضاً للإصابة باضطرابات القلق والاكتئاب والهلع مثل الوالدين تماماً، وأن هناك علاقة وثيقة بين اضطرابات القلق والاكتئاب لدرجة أن حدوث أحدهما يزيد احتمالية حدوث الآخر كما أجرى العالم [أزنك وبريل] دراسات على التوائم [أحادي البيضة] و[ثنائي البيضة]، وقد أوضحت تلك الدراسات تزايد معدل حدوث تلك المشكلات الشخصية بين زوجي التوائم المتماثلة بحيث إذا أصيب أحدهما بمشكلة ما فغالباً ما يصاب الآخر بها.
وعليه فقد أصبح واضحاً أن العوامل الوراثية تلعب دوراً أساسياً كمسببات للمشكلات الشخصية لدى الأطفال والمراهقين، ورغم صعوبة تحديد مدى تأثير العوامل الوراثية، فإن هناك بعض الأفراد قد تظهر لديهم استعدادات للإصابة بالقلق والاكتئاب كرد فعل للنظام البيئي الذي يعيشون فيه، ومن المهم أن نأخذ في اعتبارنا أن الأطفال والمراهقين يحملون معهم خصائص واستعدادات وميولا معينة إلى النظام البيئي الذي يعيشون فيه، وينبغي عدم اعتبارهم مجرد متلقين سلبيين لتأثير العوامل البيئية عليهم، فهم يتأثرون بالبيئة ويؤثرون فيها.
إن معالجة هذه الحالات لدى الأطفال والمراهقين تتطلب دراسة شاملة لأحوالهم الأسرية بغية التعرف على مسببات تلك المشاكل وعلاجها.
ثانياً: العوامل النفسية:
يعتقد العديد من العلماء والمفكرين التربويين، وفي المقدمة منهم العالم [فرويد] أن القلق يعتبر عاملاً أساسياً في حدوث المشكلات النفسية لدى الطفل خلال مراحل النمو، ابتداءً من الميلاد وحتى الطفولة المبكرة، حيث يواجه الطفل ضغوطاً مستمرة من الوالدين وغيرهم من أفراد الأسرة
المحيطين به، لكي يستطيع التكيف مع العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية وهم يسعون إلى كفّ غرائزه الأولية ومنع إشباعها الفوري.
أما الطفل فيحاول نتيجة تلك الضغوط كبت الغرائز غير المقبولة لدى الأسرة، والتي غالباً ما تنطوي على رغبات جنسية وعدوانية، بسبب تلك الضغوط المسلطة عليه أثناء عملية تدريبه وتنشئته الاجتماعية من قبل أسرته، غير أن شدة تأثير وسيطرة تلك الغرائز على الطفل تحول دون كبتها بصورة تامة، حيث تبقى ضاغطة على الطفل طلباً للإشباع، وهذا ما يؤدي إلى أن تصبح الغرائز مصدراً للتهديد بالظهور والإفصاح عن نفسها من وقت إلى آخر.
ويسود الاعتقاد لدى العلماء أن تهديد الغرائز بالظهور إلى منطقة الشعور، ومحاولة الطفل إشباعها تعتبر السبب الأساسي لحدوث [القلق] لدى الطفل، حيث يُجبر على بذل أقصى الجهد لمنع ظهور تلك الغرائز إلى الشعور، وقد يؤدي إخفاقه في كبت غرائزه إلى التعرض إلى [القلق الحاد]، وربما إلى [الهلع] لدى البعض الآخر، وقد يتسبب ذلك في حدوث أعراض جانبية أخرى كالمخاوف المرضية، والشكوى من بعض الأشياء البيتة، والشكوى من بعض الآلام الجسمية دون سبب عضوي واضح، وقد يوجه الطفل دوافعه العدوانية إلى نفسه، حيث يظهر ذلك في صورة أعراض [الاكتئاب]، [والخوف] من الانفصال عن الوالدين، أو من المدرسة، كما يمكن أن يحدث الاكتئاب نتيجة محاولة الطفل التحكم في الغضب، والحزن، لا شعورياً، وذلك بتوجيه تلك المشاعر نحو الذات.
ويرى العالم [أريكسن] أن خبرة الطفل في اكتساب الثقة بدلاً من الشكوك تعد مرحلة مهمة في حياته، والتي سوف يبني بموجبها علاقاته مع الآخرين، ومع العالم من حوله مستقبلاً، فإذا أخفقت تلك الخبرات المبكرة في توفير مشاعر الأمن والارتباط بالآخرين فإنه سوف ينظر للعالم من حوله باعتباره عالماً مخيفاً لا يوفر الأمن الكافي والتقبل به، وهذا يقود بدوره إلى أن يصبح القلق أمرٌ حقيقي في وجوده، وقد يتعرض في المراحل التالية من حياته إلى نتائج مدمرة تسبب له القلق واليأس وتشمل تلك المراحل في نظر [أريكسن] الاستقلال في مقابل الخجل والريبة، والمبادأة مقابل الشعور بالإثم والذنب، والمثابرة مقابل الشعور بالعدوانية، والشعور بالهوية مقابل تشويه الهوية.
وبسبب عدم قدرة الطفل على التعامل مع العالم المحيط به بثقة، فإنه يتعرض للشعور المزمن بالقلق، والميول الدفاعية، والانطواء، وكل ذلك يؤدي في النهاية إلى نشوء مشكلات نفسية شديدة، وقد تتخذ صور الجبن، والعزلة الاجتماعية والاكتئاب.
ولابد أن أشير في النهاية إلى أن أساليب التخويف الذي تمارسها الأسرة تجاه الأطفال يمكن أن تتحول إلى محفز أساسي للقلق، ثم أن الخوف يتحول إلى حالة مرضية لدى الطفل من خلال المعايشة والمواجهات الاجتماعية، فعندما يرى الطفل والده يواجه متطلبات الحياة باستمرار بحالة خوف، أو يتحدث أمامه بأسلوب يعبر عن اليأس والاكتئاب والقلق من المستقبل فإنه يمكن أن ينقل تلك المشاعر والأفكار المؤذية لطفله، حيث ينتاب الطفل شعور بأن العالم من حوله مكان مخيف، ويدفعه إلى الانكماش والانعزاال والجبن، والخجل الشديد، والتخوف من النقد.
إن على الآباء والأمهات أن يدركوا أن أبناؤهم يراقبونهم دائماً في كل حركاتهم وتصرفاتهم ويقلدونهم ويتعلمون منهم، ولذلك يتوجب عليهم أن يكونوا قدوة مثالية لأبنائهم، ويمدونهم بكل ما هو جيد ومفيد، ويبعدوا عنهم أي شعور بالخوف أو القلق، ويوضحوا لهم أن الحياة شيء جميل ورائع مهما واجه الإنسان من مصاعب، وأن السعادة كل السعادة في أن يواجه الإنسان الصعاب ويتغلب عليها بجده وجهاده، ولا شك في أنه قادر على تحقيق ذلك إذا شاء.
3 ـ المؤثرات الأسرية:
ذكرنا فيما سبق أن الأطفال يتشبهون دائماً بآبائهم وأمهاتهم، ويقلدونهم في حركاتهم وتصرفاتهم، ويأخذون منهم الكثير من الصفات والعادات، وقد اتضح من الدراسات التي أجراها العديد من العلماء أن الأطفال ذوي المشكلات الشخصية هم في الغالب ينتمون إلى أسرٍ يعاني فيها أحد الوالدين،وربما كلاهما من نفس المشكلات.
فقد أوضحت الدراسات التي أجريت على العديد من أسر الأطفال المراهقين ذوي المشكلات الشخصية وجود العديد من الخصائص التي تجمع بين الوالدين والأبناء، ومن بينها التسلط والقسوة، والتحكم الزائد، فالوالدان يعلّمان أطفالهما، سواء عن قصد أو دون قصد، أن العالم من حولهم مخيف، وأن الفرد الذي يعيش فيه يتعرض تلقائيا للتوتر والقلق، ويحذرونهم باستمرار من أن أي أخطاء يرتكبونها تعرضهم للنبذ والرفض من الآخرين.
إن هذه الأساليب تسبب للطفل الشعور المستمر بالخجل مما يجعله يتجنب لقاء الآخرين، أو جلب انتباههم لكي لا يتعرض للنقد أو الرفض، وبالتالي يسيطر عليه الجبن والعزلة الاجتماعية.
وقد تلجأ بعض الأسر إلى توجيه النقد لأطفالهم باستمرار من أي عمل أو تصرف تأتوا به، فهم ينتقدونهم على مظهرهم أو ملابسهم أو عاداتهم أو خصائصهم الشخصية أو أصدقائهم أو قدراتهم وإنجازاتهم الدراسية، وقد يوجهون لهم صفات سيئة جداً، كأن يصفونهم بالغباء أو القبح أو التفاهة وغيرها من الصفات السيئة التي تؤثر بالغ التأثير على حالتهم النفسية.
كما أن بعض الأسر تغالي في حرصها الشديد على أطفالها، وتسعى لتوفير الحماية الزائدة لهم من المخاطر المحتملة، وتحذرهم باستمرار من الآخرين، أو من الكلاب أو غيرها من الحيوانات ويحاولون أن يصوروا لهم صورة مفزعة عما يمكن أن يحدث لهم إن هم ابتعدوا عنهم، وهكذا يخلقون لدى أطفالهم شعوراً بأن ذويهم يحاولون فعلاً تجنب المواقف والناس لشعورهم بالخطر.
وفي أحوال أخرى تحاول بعض الأسر تشجيع أطفالها على تأكيد ذاتهم، واستقلاليتهم، وقد يوجهون لهم العقوبة إذا ما مارسوا أموراً تعبر عن عدم الاستقلالية بتوجيه الاتهامات لهم بعدم الكفاءة والقدرة، وفي أحيان كثيرة يشجعون أطفالهم على اتخاذ القرارات بأنفسهم، لكنهم يعاقبونهم إذا أخطأوا، وقد نجد البعض يشجعون أطفالهم على التحدث وفي الوقت نفسه يخبرون الآخرين الجالسين معهم بأن طفلهم يشعر بالخجل، وغير ذلك من الصفات التي تعبر عن عدم الكفاءة، وهذه الازدواجية في التعامل مع أطفالهم يمكن أن تعرضهم إلى الكثير من المشاكل النفسية كالارتباك والقلق، والغضب، والجمود.
ينبغي على الوالدين وعلى المربين أن يحرصوا على عدم توجيه أي عبارات تنم عن الاستهانة بالأطفال، أو تحط من قدرهم أو قابليتهم، أو إشعارهم بالإحباط إذا ما أخطأوا في عمل ما، فالذي لا يعمل هو فقط الذي لا يخطئ. إن الواجب يقتضي منا تقويم أخطائهم إن حدثت بروح من التفهم والاحترام لمشاعرهم، وتنمية شعورهم بالثقة بالنفس، وبعث الشجاعة الأدبية لديهم لكي نمكنهم من مواجهة المجتمع والعالم المحيط بهم بكل همة ونشاط وهم على أكمل استعداد.