لمقدرة على الإصغاء والاستماع
أ. نشأت نزهة
هل هي فن يتقنه المرء أم موهبة تولد مع الإنسان وتنمو معه، المقدرة على الإصغاء إلى شخص يطلق الكلام من فمه رشاً ودراكاً ودون توقف أو السماح لك بلحظة هدوء لتلملم ذاتك وهروب أفكارك ودون أن تعرف سبباً لذلك،
وما أكثر الأشخاص الذين حباهم الله لساناً لا يهدأ ولا يستكين، حيث يبدأ بفكرة لينتقل إلى أخرى وهكذا دواليك حتى لتضيع بين الأفكار ولا تعرف أين كنت وأين أصبحت، والبعض الآخر إذا ما أرادوا أن يخبروك عن أمر جرى معهم خلال اليوم، بدؤوا من وقت خروجهم من البيت ومن صادفوا في الطريق وما هي الأحاديث التي تناولوها معهم، ويمر الوقت دون أن يصلوا إلى الخبر المراد الحديث عنه وعلى السامع المسكين متابعتهم في كل ما يقولونه، وإذا سهى عنهم قليلاً أتاه التنبيه القسري "انتبهت عليّ شلون" ثم يتابع سرد الحديث بالتفصيل الممل ذاته.
الكثير من الناس ليس لهم القدرة على الاستماع والإصغاء لفترة طويلة إلى مثل هذه الأحاديث فيختلقون الأعذار لتغيير الحديث أو الانسحاب من الجلسة والنجاة بأنفسهم من هذا الكابوس الثقيل، لكن البعض الآخر يتمتعون بطول بال يستطيعون من خلاله مسايرة كلام الشخص الآخر ومتابعته والتعليق عليه بين الفينة والأخرى إما بهز الرأس أو بارتسام علامات التعجب أو الاستنكار أو البسمة أو الغضب على وجوههم، وذلك حسب ما يتطلبه الموقف من هذا الحديث.
ومن زاوية أخرى فبعض الأشخاص هم بحاجة لمن يصغي ويستمع إليهم، لأن لديهم من المشاكل والمآسي ما يجعلهم برغبة جامحة لمن يشاركهم بها ولو مشاركة وجدانية، أو هم أشخاص يعيشون الوحدة القاتلة فلا يجدون من يتكلمون معه لأيام وأيام، لذلك يغتنمون فرصة تواجدهم مع شخص ما ليفجروا طاقة الكلام الكامنة فيهم ويصبوها في أذن هذا الشخص دون أن يتركوا له مجالاً للكلام أو الرد. وأحياناً يأتي الكلام على لسان الأطفال، فالطفل الذي بدأ يتعرف على العالم المحيط به شيئاً فشيئاً تتوارد إلى ذهنه الغض تساؤلات كثيرة لتفسير كل ما يحيط به، فيبدأ بالتساؤل المتكرر والذي لا يتحمله الكبار أحياناً، فيُقابَل بالزجر أو بالعبارة المعهودة "مازلت صغيراً على معرفة ذلك".
إن من كان لديهم المقدرة على الإصغاء والاستماع هم في مأمن من كل ذلك بسبب طول بالهم، لكنني أخص بالذكر الشريحة الكبرى من الناس والتي لا تستطيع الصبر على الشرح الطويل أو الكلام الذي لا ينقطع. أوافقكم الرأي بأن الزمن الحالي وإيقاع الحياة بات سريعاً جداً بحيث يتطلب منا أن نقول للآخر "اختصر، أو اعطني زبدة الكلام" ولكن عندما نلتقي بشخص تعرض لضربات الحياة وقساوتها ويريد توضيح مكنونات صدره، حبذا لو نصغي له ونسمعه فقد يكون ذلك سبباً لطمأنينته، أو مصادفتنا لشخص طاعن في السن يعيش وحيداً ويشعر بأنه نسي الكلام وأصبح خارج الحياة، فجميل منا أن نستمع له ونتحمل ما يقول وحتى أن نجامله، لأن ذلك قد يكون بمثابة بلسم يحسّن من نفسيته واستمراريته في الحياة. أما عندما يوجه لنا طفل ما أسئلة كثيرة، من اللطف أن نتجاوب معه ونحاول مجاراته في تفسير ما يراه وتقويمه دون أن نصده أو نزجره أو نوبخه لأن ذلك قد ينعكس على حياته مستقبلاً وعلى تعامله مع الناس وتجاوبه معهم.
لابد لي من القول أخيراً أن هذه المقدرة التي يتمتع بها بعض الأشخاص هي في جزء منها فن وجزؤها الآخر موهبة. فهل أنت معي في ذلك؟ عزيزي القارئ أرجو أن أكون قد وفقت في إيصال الفكرة دون الوقوع في مستنقع الإطالة.
أ. نشأت نزهة
هل هي فن يتقنه المرء أم موهبة تولد مع الإنسان وتنمو معه، المقدرة على الإصغاء إلى شخص يطلق الكلام من فمه رشاً ودراكاً ودون توقف أو السماح لك بلحظة هدوء لتلملم ذاتك وهروب أفكارك ودون أن تعرف سبباً لذلك،
وما أكثر الأشخاص الذين حباهم الله لساناً لا يهدأ ولا يستكين، حيث يبدأ بفكرة لينتقل إلى أخرى وهكذا دواليك حتى لتضيع بين الأفكار ولا تعرف أين كنت وأين أصبحت، والبعض الآخر إذا ما أرادوا أن يخبروك عن أمر جرى معهم خلال اليوم، بدؤوا من وقت خروجهم من البيت ومن صادفوا في الطريق وما هي الأحاديث التي تناولوها معهم، ويمر الوقت دون أن يصلوا إلى الخبر المراد الحديث عنه وعلى السامع المسكين متابعتهم في كل ما يقولونه، وإذا سهى عنهم قليلاً أتاه التنبيه القسري "انتبهت عليّ شلون" ثم يتابع سرد الحديث بالتفصيل الممل ذاته.
الكثير من الناس ليس لهم القدرة على الاستماع والإصغاء لفترة طويلة إلى مثل هذه الأحاديث فيختلقون الأعذار لتغيير الحديث أو الانسحاب من الجلسة والنجاة بأنفسهم من هذا الكابوس الثقيل، لكن البعض الآخر يتمتعون بطول بال يستطيعون من خلاله مسايرة كلام الشخص الآخر ومتابعته والتعليق عليه بين الفينة والأخرى إما بهز الرأس أو بارتسام علامات التعجب أو الاستنكار أو البسمة أو الغضب على وجوههم، وذلك حسب ما يتطلبه الموقف من هذا الحديث.
ومن زاوية أخرى فبعض الأشخاص هم بحاجة لمن يصغي ويستمع إليهم، لأن لديهم من المشاكل والمآسي ما يجعلهم برغبة جامحة لمن يشاركهم بها ولو مشاركة وجدانية، أو هم أشخاص يعيشون الوحدة القاتلة فلا يجدون من يتكلمون معه لأيام وأيام، لذلك يغتنمون فرصة تواجدهم مع شخص ما ليفجروا طاقة الكلام الكامنة فيهم ويصبوها في أذن هذا الشخص دون أن يتركوا له مجالاً للكلام أو الرد. وأحياناً يأتي الكلام على لسان الأطفال، فالطفل الذي بدأ يتعرف على العالم المحيط به شيئاً فشيئاً تتوارد إلى ذهنه الغض تساؤلات كثيرة لتفسير كل ما يحيط به، فيبدأ بالتساؤل المتكرر والذي لا يتحمله الكبار أحياناً، فيُقابَل بالزجر أو بالعبارة المعهودة "مازلت صغيراً على معرفة ذلك".
إن من كان لديهم المقدرة على الإصغاء والاستماع هم في مأمن من كل ذلك بسبب طول بالهم، لكنني أخص بالذكر الشريحة الكبرى من الناس والتي لا تستطيع الصبر على الشرح الطويل أو الكلام الذي لا ينقطع. أوافقكم الرأي بأن الزمن الحالي وإيقاع الحياة بات سريعاً جداً بحيث يتطلب منا أن نقول للآخر "اختصر، أو اعطني زبدة الكلام" ولكن عندما نلتقي بشخص تعرض لضربات الحياة وقساوتها ويريد توضيح مكنونات صدره، حبذا لو نصغي له ونسمعه فقد يكون ذلك سبباً لطمأنينته، أو مصادفتنا لشخص طاعن في السن يعيش وحيداً ويشعر بأنه نسي الكلام وأصبح خارج الحياة، فجميل منا أن نستمع له ونتحمل ما يقول وحتى أن نجامله، لأن ذلك قد يكون بمثابة بلسم يحسّن من نفسيته واستمراريته في الحياة. أما عندما يوجه لنا طفل ما أسئلة كثيرة، من اللطف أن نتجاوب معه ونحاول مجاراته في تفسير ما يراه وتقويمه دون أن نصده أو نزجره أو نوبخه لأن ذلك قد ينعكس على حياته مستقبلاً وعلى تعامله مع الناس وتجاوبه معهم.
لابد لي من القول أخيراً أن هذه المقدرة التي يتمتع بها بعض الأشخاص هي في جزء منها فن وجزؤها الآخر موهبة. فهل أنت معي في ذلك؟ عزيزي القارئ أرجو أن أكون قد وفقت في إيصال الفكرة دون الوقوع في مستنقع الإطالة.