نشأة الفلسفة
إن رصد ميلاد الفلسفة، يستدعي الإجابة عن جملة من الأسئلة من قبيل
أين ظهرت الفلسفة؟
ومتى ظهرت؟
وما الشروط التي ساهمت في ظهور هذا النمط من التفكير وفي انتشاره؟
دأب قطاع واسع من مؤرخي الفلسفة على اختزال تأريخ الفلسفة الممتد عبر الزمان والمكان باليونان فقط، واعتبروا المنحى المعرفي في الحضارة اليونانية هو البادرة الأولى للمعرفة الفلسفية.
لكن ما هي المبررات التي تدفعنا إلى قبول اليونان والفكر اليوناني كموطن أول للفلسفة؟
لقد حصل هناك إجماع من قبل المؤرخين على أن الفلسفة نشأت في إطار العقلانية اليونانية، هذا الإجماع يتجنب الحديث عن أهمية الحضارات الشرقية القديمة، كالحضارة السومرية والبابلية والآشورية والمصرية...
لكن ما مصير الفكر الذي بلورته هذه الحضارات القديمة؟من الناحية التاريخية نستطيع القول بان التراث الفلسفي الوحيد والقديم الذي حفظه التاريخ بصورة كبيرة هو التراث اليوناني وبالأخص تراث أفلاطون وأرسطو، في حين أن تراث الحضارات الشرقية القديمة لم يبق منه إلا القليل، وما تبقى لا يكشف على أن النظريات التي تحملها أنها ترقى إلى درجة الفكر اليوناني وهي تتوفر على مجموعة ميادين فكرية ( علوم – حكم- دين- هندسة- حساب...).
إذن لا يمكن الحديث تاريخيا عن وجود فلسفة سابقة للفلسفة اليونانية، فقط يمكننا أن نطرح افتراضات لا نستطيع فحصها وتحليلها خاصة وان هنالك الكثير من الصلات بين الفلسفة اليونانية ومعطيات الحضارة الشرقية القديمة.
وما دمنا نسلم بأن ميلاد الفلسفة كان في ميلاد اليونان، فهذا لا يعني امتياز الفكر اليوناني عن باقي الحضارات من الناحية العقلانية، لكن القول بيونانية الفلسفة هو قول مشروط بجملة من الشروط التي ساهمت في ظهور هذا النمط من التفكير في هذه البلاد، أهي سياسية أم ثقافية أم اقتصادية أم هي جميعها؟
في البدء، كان أهم ما يميز التفكير اليوناني الذي سبق الفلسفة، أنه تفكير أسطوري، يعتمد على الملحمة الشعرية بالدرجة الأولى، إذ شكلت الأسطورة اليونانية القديمة مجموع اعتقادات وتصورات الإنسان لذاته، وللطبيعة وللكون، في شكل طقوسي يعتمد على حكي القصة الخيالية، ذات مضمون المعاناة والمغامرات والصراع بين الإنسان والقوى الإلهية وغيرها...
فخطاب الميثوس (الأسطورة) إذن، يتميز بكونه خطاب شفوي بالدرجة الأولى يؤثر في المستمع بطريقة سحرية مصدره الخيال، خال من كل معقولية برهانية سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون.
ونذكر من أهم مخلفات الأسطورة اليونانية " أصل الآلهة " ل"هِزْيُود" و "الإليادة والأُوديسَّا" للشاعر الملحمي " هُوميروس".
إلا أن بلاد اليونان تفاعلت فيها مجموعة من الشروط أحدثت قطائع وتوترات داخلية في العالم الذهني للإغريق حسب تعبير "جون بيير فيرنان" إذ حدث هناك انتقال هام في التفكير من التقليد الشفوي إلى أنواع متعددة من الخطابات.
ومن ضمن هذه الشروط ظهور الرياضيات، حيث تأثر الفكر الفلسفي بهذا التفكير إضافة إلى تأثره بمجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية.
فمن أبرز التحولات التي عرفتها بلاد اليونان والتي كانت من بين العوامل المؤثرة في إحداث قطيعة بين فكر الميتوس (الأسطورة)، وفكر اللوغوس (العقل)، مثلا ظهور العملة بدل المقايضة والتطور الملاحي والتجاري، ففي القرن: 6 (ق م) ظهرت أولى بوادر الحكمة مع طاليس، وفي القرن 7 (ق م) ظهر حدث هام تجلى في إصلاحات "كليستين- clisten" الذي ارتكز على أسس هامة، فبعدما كان المجتمع اليوناني " قبليا " مقسما على أربع قبائل رئيسية كبرى، لكل قبيلة جدرها الدموي (أصلها) قسم كليستين هذا المجتمع إلى مدن ومناطق تقسيما إداريا مما ساهم في ظهور مصالح مشتركة بدل اهتمام كل قبيلة بمصالحها الداخلية، ولهذه المصالح أبعاد سياسية واجتماعية، وأسس هذا الإصلاح حسابات إدارية وظيفية، وعمل كليستين على تعليق القانون العام الذي يحكم المدينة ليصبح علنيا ووضع الآلهة في الساحات العمومية بدل الأديرة ، كل هذه الإصلاحات ساهمت في ابتكار المؤسسات السياسية التي سميت بالمدينة الدولة(Polis) ونظمت الحياة الاجتماعية وبالتالي انتقلت المدينة إلى ما هو تجريدي عوض ما هو محسوس.
إن رصد ميلاد الفلسفة، يستدعي الإجابة عن جملة من الأسئلة من قبيل
أين ظهرت الفلسفة؟
ومتى ظهرت؟
وما الشروط التي ساهمت في ظهور هذا النمط من التفكير وفي انتشاره؟
دأب قطاع واسع من مؤرخي الفلسفة على اختزال تأريخ الفلسفة الممتد عبر الزمان والمكان باليونان فقط، واعتبروا المنحى المعرفي في الحضارة اليونانية هو البادرة الأولى للمعرفة الفلسفية.
لكن ما هي المبررات التي تدفعنا إلى قبول اليونان والفكر اليوناني كموطن أول للفلسفة؟
لقد حصل هناك إجماع من قبل المؤرخين على أن الفلسفة نشأت في إطار العقلانية اليونانية، هذا الإجماع يتجنب الحديث عن أهمية الحضارات الشرقية القديمة، كالحضارة السومرية والبابلية والآشورية والمصرية...
لكن ما مصير الفكر الذي بلورته هذه الحضارات القديمة؟من الناحية التاريخية نستطيع القول بان التراث الفلسفي الوحيد والقديم الذي حفظه التاريخ بصورة كبيرة هو التراث اليوناني وبالأخص تراث أفلاطون وأرسطو، في حين أن تراث الحضارات الشرقية القديمة لم يبق منه إلا القليل، وما تبقى لا يكشف على أن النظريات التي تحملها أنها ترقى إلى درجة الفكر اليوناني وهي تتوفر على مجموعة ميادين فكرية ( علوم – حكم- دين- هندسة- حساب...).
إذن لا يمكن الحديث تاريخيا عن وجود فلسفة سابقة للفلسفة اليونانية، فقط يمكننا أن نطرح افتراضات لا نستطيع فحصها وتحليلها خاصة وان هنالك الكثير من الصلات بين الفلسفة اليونانية ومعطيات الحضارة الشرقية القديمة.
وما دمنا نسلم بأن ميلاد الفلسفة كان في ميلاد اليونان، فهذا لا يعني امتياز الفكر اليوناني عن باقي الحضارات من الناحية العقلانية، لكن القول بيونانية الفلسفة هو قول مشروط بجملة من الشروط التي ساهمت في ظهور هذا النمط من التفكير في هذه البلاد، أهي سياسية أم ثقافية أم اقتصادية أم هي جميعها؟
في البدء، كان أهم ما يميز التفكير اليوناني الذي سبق الفلسفة، أنه تفكير أسطوري، يعتمد على الملحمة الشعرية بالدرجة الأولى، إذ شكلت الأسطورة اليونانية القديمة مجموع اعتقادات وتصورات الإنسان لذاته، وللطبيعة وللكون، في شكل طقوسي يعتمد على حكي القصة الخيالية، ذات مضمون المعاناة والمغامرات والصراع بين الإنسان والقوى الإلهية وغيرها...
فخطاب الميثوس (الأسطورة) إذن، يتميز بكونه خطاب شفوي بالدرجة الأولى يؤثر في المستمع بطريقة سحرية مصدره الخيال، خال من كل معقولية برهانية سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون.
ونذكر من أهم مخلفات الأسطورة اليونانية " أصل الآلهة " ل"هِزْيُود" و "الإليادة والأُوديسَّا" للشاعر الملحمي " هُوميروس".
إلا أن بلاد اليونان تفاعلت فيها مجموعة من الشروط أحدثت قطائع وتوترات داخلية في العالم الذهني للإغريق حسب تعبير "جون بيير فيرنان" إذ حدث هناك انتقال هام في التفكير من التقليد الشفوي إلى أنواع متعددة من الخطابات.
ومن ضمن هذه الشروط ظهور الرياضيات، حيث تأثر الفكر الفلسفي بهذا التفكير إضافة إلى تأثره بمجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية.
فمن أبرز التحولات التي عرفتها بلاد اليونان والتي كانت من بين العوامل المؤثرة في إحداث قطيعة بين فكر الميتوس (الأسطورة)، وفكر اللوغوس (العقل)، مثلا ظهور العملة بدل المقايضة والتطور الملاحي والتجاري، ففي القرن: 6 (ق م) ظهرت أولى بوادر الحكمة مع طاليس، وفي القرن 7 (ق م) ظهر حدث هام تجلى في إصلاحات "كليستين- clisten" الذي ارتكز على أسس هامة، فبعدما كان المجتمع اليوناني " قبليا " مقسما على أربع قبائل رئيسية كبرى، لكل قبيلة جدرها الدموي (أصلها) قسم كليستين هذا المجتمع إلى مدن ومناطق تقسيما إداريا مما ساهم في ظهور مصالح مشتركة بدل اهتمام كل قبيلة بمصالحها الداخلية، ولهذه المصالح أبعاد سياسية واجتماعية، وأسس هذا الإصلاح حسابات إدارية وظيفية، وعمل كليستين على تعليق القانون العام الذي يحكم المدينة ليصبح علنيا ووضع الآلهة في الساحات العمومية بدل الأديرة ، كل هذه الإصلاحات ساهمت في ابتكار المؤسسات السياسية التي سميت بالمدينة الدولة(Polis) ونظمت الحياة الاجتماعية وبالتالي انتقلت المدينة إلى ما هو تجريدي عوض ما هو محسوس.