بين الانانية والانسانية ( مقال )
من ثنايا زفرات السنين، وبين عبارات الحنين والأنين، والعتاب الحزين بدأ رسالته لي قائلاً: "أعجب أنكم ما زلتم تتحدثون عن المثل في واقع ما زال يصدمنا بنكباته، ويتقاذفنا بآلامه، والأعجب أنكم يا كُتّاب الفضيلة تتكلمون عنها، وهي التي تحرجنا بأظفارها الناعمة، وترقبنا بأعينها المجهرية الساخرة".
وبهدوء.... أدركت أن الأحرف الهائجة لا تزال تخنقها الآهات في فؤاد المنهكين الذين ما زالوا يشعرون بالتصادم بين الواقع والمثل؛ فحركة الحياة المتشابكة والمتناقضة ربما - في أعين البعض- جعلتهم يدركون أن الاحتكام للواقع المادي ضربة مؤلمة للروح! لماذا؟ لأن حقيقة الواقع له وجوه متعددة ومتلونة؛ فالدنيا كما يراها الإنسان بعينه واقع، وهي في الميكروسكوب واقع واسع ومغاير.
ولعل من يقرأ رواية (جوستين) أو "محنة الفضيلة" لمؤلفها الفيلسوف الفرنسي (المركيز دو ساد) يجد أنه ترجم خيالاته وانفعالاته المحمومة عن الألم إلى صبغة من الأدب، والتي أنذرت كتاباته عرض صور من الشر الذي يراه من أصل طبيعة الإنسان وكينونته التي تحيطه، وما الفضيلة إلاّ كائن مستأجر عندها.
والمتأمل في فلسفة (دو ساد) يجد أن فكرته عن فلسفة الشر تتمحور حول فكرة طائشة هي أن الإنسان يعيش بأنانيته لا بإنسانيته، وأن النهايات السعيدة مهما كانت فهي متملقة؛ فهي لا تحدث في هيوليود أو التلفاز بل هي أحداث يزاولها البشر مهما كانوا!
ورواية (دو ساد) وإن كانت غريبة الأطوار، إلاّ أنها تكشف نموذجاً يعيش في داخلنا يعرض الرذيلة والشر بكل ألوانها، جاعلاً الفضيلة ضحية قرابينها.
فمن بين جنبات مجتمعنا بكل أنواع ثقافاته وأطيافه أناس يوافون الأعراف الاجتماعية المعهودة، ويصادفون مع ذلك فقط أشواك ورد الحياة، بينما يحصد روّاد الشر الورد ذاته.
من هنا تبدو لك أحاسيس الذين ما زالوا يتألمون من مظاهر الجشع والأنانية، وكأن الأنانية (selfishness ) هي أول قوانين الحياة.
فواقعنا في بعض جنباته يعرض لك منظر الذئب الذي يفترس الشاة..... ولو سألنا الشاة: لماذا يفترسك الذئب؟ لقالت: لا أدري!! ولكن السؤال نفسه إذا وُجّه للذئب: لماذا تفترس الشاة قال: لأنها تغذيني؛ فالذئاب خُلقت لتأكل الشياه، كما أن الضعفاء هم ضحايا الأقوياء.
من هذه الفلسفة التي يتطاير منها غبار الشر رأى (دو ساد) -ومثله الكثير- أن الفضيلة رهينة للرذيلة، ولو أُلبست ثوباً غير ثوبها. لذا صارت الأنانية هي أن نبحث عن السعادة، ولو دفع ثمنها من حولنا ممن نحب، أو أن نصل لسلم النجاح بجهد الآخرين . .. أو أن أكتشف بعد سنين حقيقة كانت غائبة... أنها كانت مجرد سراب!
أو أن يحترق أحدهم في سبيل ابتسامة يراها في من حوله... ولا يهدونه سوى نيران حب الذات!
أو أن نسيء لمن حولنا في سبيل مصالحنا... وقد خسرنا الأهم وهو احترامنا لذواتنا!
فالأنانية (selfishness ) والإنسانية (humanitarian )... هما طرفان نقيضان يجتمعان في قلب واحد، وجسد واحد... وأهداف متضادة.
فكم هم الذين جعلوا الحب مجزرة لذبح الإنسانية!! وكم هم الذين جعلوها تجارة لقتل الحرية!!
إننا بحاجة إلى أن نسلط الضوء على نفوسنا التي ربما يهبط عليها داء الأنانية فتغيّر من طبيعتها.
فالأنانية مصيدة حقيقية للعالم والمتعلم، وللطالب والمدرس، وللرئيس والمرؤوس، ولعل القوة التي تحمل النَّفَس الأناني المدعمة بشهوة حب الذات قادرة دائماً على قلب الحقائق أو إخفائها، وما دامت هي التي تحكم البعض فلا يمكن للفضيلة أن تعيش في سلام حقيقي.
فمجتمعنا ما زال ينفض بقوة ضحايا من الذين يتكبدون مصائب الأنانية التي قلبت لنا بعض الموازين، ونكّست لنا بعض الفطر، وأظهرت وجوهاً تبتسم وهي تعيش لذواتها فقط، فهل اختفت معاني الإنسانية في ماديات الحياة، أم أننا نتمحور في الدائرة التي تصرخ منذ زمن لإحياء ما تبقّى من الضمير الإنساني؟
من ثنايا زفرات السنين، وبين عبارات الحنين والأنين، والعتاب الحزين بدأ رسالته لي قائلاً: "أعجب أنكم ما زلتم تتحدثون عن المثل في واقع ما زال يصدمنا بنكباته، ويتقاذفنا بآلامه، والأعجب أنكم يا كُتّاب الفضيلة تتكلمون عنها، وهي التي تحرجنا بأظفارها الناعمة، وترقبنا بأعينها المجهرية الساخرة".
وبهدوء.... أدركت أن الأحرف الهائجة لا تزال تخنقها الآهات في فؤاد المنهكين الذين ما زالوا يشعرون بالتصادم بين الواقع والمثل؛ فحركة الحياة المتشابكة والمتناقضة ربما - في أعين البعض- جعلتهم يدركون أن الاحتكام للواقع المادي ضربة مؤلمة للروح! لماذا؟ لأن حقيقة الواقع له وجوه متعددة ومتلونة؛ فالدنيا كما يراها الإنسان بعينه واقع، وهي في الميكروسكوب واقع واسع ومغاير.
ولعل من يقرأ رواية (جوستين) أو "محنة الفضيلة" لمؤلفها الفيلسوف الفرنسي (المركيز دو ساد) يجد أنه ترجم خيالاته وانفعالاته المحمومة عن الألم إلى صبغة من الأدب، والتي أنذرت كتاباته عرض صور من الشر الذي يراه من أصل طبيعة الإنسان وكينونته التي تحيطه، وما الفضيلة إلاّ كائن مستأجر عندها.
والمتأمل في فلسفة (دو ساد) يجد أن فكرته عن فلسفة الشر تتمحور حول فكرة طائشة هي أن الإنسان يعيش بأنانيته لا بإنسانيته، وأن النهايات السعيدة مهما كانت فهي متملقة؛ فهي لا تحدث في هيوليود أو التلفاز بل هي أحداث يزاولها البشر مهما كانوا!
ورواية (دو ساد) وإن كانت غريبة الأطوار، إلاّ أنها تكشف نموذجاً يعيش في داخلنا يعرض الرذيلة والشر بكل ألوانها، جاعلاً الفضيلة ضحية قرابينها.
فمن بين جنبات مجتمعنا بكل أنواع ثقافاته وأطيافه أناس يوافون الأعراف الاجتماعية المعهودة، ويصادفون مع ذلك فقط أشواك ورد الحياة، بينما يحصد روّاد الشر الورد ذاته.
من هنا تبدو لك أحاسيس الذين ما زالوا يتألمون من مظاهر الجشع والأنانية، وكأن الأنانية (selfishness ) هي أول قوانين الحياة.
فواقعنا في بعض جنباته يعرض لك منظر الذئب الذي يفترس الشاة..... ولو سألنا الشاة: لماذا يفترسك الذئب؟ لقالت: لا أدري!! ولكن السؤال نفسه إذا وُجّه للذئب: لماذا تفترس الشاة قال: لأنها تغذيني؛ فالذئاب خُلقت لتأكل الشياه، كما أن الضعفاء هم ضحايا الأقوياء.
من هذه الفلسفة التي يتطاير منها غبار الشر رأى (دو ساد) -ومثله الكثير- أن الفضيلة رهينة للرذيلة، ولو أُلبست ثوباً غير ثوبها. لذا صارت الأنانية هي أن نبحث عن السعادة، ولو دفع ثمنها من حولنا ممن نحب، أو أن نصل لسلم النجاح بجهد الآخرين . .. أو أن أكتشف بعد سنين حقيقة كانت غائبة... أنها كانت مجرد سراب!
أو أن يحترق أحدهم في سبيل ابتسامة يراها في من حوله... ولا يهدونه سوى نيران حب الذات!
أو أن نسيء لمن حولنا في سبيل مصالحنا... وقد خسرنا الأهم وهو احترامنا لذواتنا!
فالأنانية (selfishness ) والإنسانية (humanitarian )... هما طرفان نقيضان يجتمعان في قلب واحد، وجسد واحد... وأهداف متضادة.
فكم هم الذين جعلوا الحب مجزرة لذبح الإنسانية!! وكم هم الذين جعلوها تجارة لقتل الحرية!!
إننا بحاجة إلى أن نسلط الضوء على نفوسنا التي ربما يهبط عليها داء الأنانية فتغيّر من طبيعتها.
فالأنانية مصيدة حقيقية للعالم والمتعلم، وللطالب والمدرس، وللرئيس والمرؤوس، ولعل القوة التي تحمل النَّفَس الأناني المدعمة بشهوة حب الذات قادرة دائماً على قلب الحقائق أو إخفائها، وما دامت هي التي تحكم البعض فلا يمكن للفضيلة أن تعيش في سلام حقيقي.
فمجتمعنا ما زال ينفض بقوة ضحايا من الذين يتكبدون مصائب الأنانية التي قلبت لنا بعض الموازين، ونكّست لنا بعض الفطر، وأظهرت وجوهاً تبتسم وهي تعيش لذواتها فقط، فهل اختفت معاني الإنسانية في ماديات الحياة، أم أننا نتمحور في الدائرة التي تصرخ منذ زمن لإحياء ما تبقّى من الضمير الإنساني؟