"إياكم والإيمان بوحدة الإنسان" ــ دوستويفسكي
هذه الروسيا، روسيا منتصف القرن التاسع عشر، لا ندرى إلى أين تذهب، فتورجينيف يدفع بها إلى الأمام، وتولستوى يردها إلى الوراء. وكل شيء مضطرب. القيصرية تواجه بصورة مباشرة تحديا شيوعياً، والأرثوذكسية، المتوارثة منذ عهد بعيد تواجه إلحادا تعصبيا جنونيا، بيد أن شخصيات دوستويفسكى لهى شخصيات روس أصلاء باعتبارها مجتثة الجذور من تقاليد كبيرة، من يريد ذلك من شخصيات دوستويفسكي؟ لا أحد فالسعادة شيء لا يؤبه له عندهم، والاكتفاء شيء لا يؤبه له عندهم، والغنى محتقر عندهم أكثر مما هو مرغوب فيه. إن هؤلاء الغرباء لا يريدون شيئا من كل ذلك الذى يريده أفراد جنسنا البشرى قاطبة، إنهم يمتازون بالحس غير المألوف وهم لا يريدون شيئا من هذا العالم.
إن هذه الأرض لتبدو كما يقول إيفان كرامازوف حانقاً غرقى بالدموع حتى أعمق نواة فيها!" ذلك أن فى هذه الشخصيات شيئا يقابل المتعة، متعة السعادة بين الألم بمتعة العذاب مقابلة عميقة المعني، فألمها فى الوقت نفسه سعادتها، وهى تتشبث به بأسنانها، تدفئه على صدرها، تداعبه بأيديها، وتحبه بكل روحها، ولو أنها لم تحبه لكانت أكثر الخلق تعاسة! ولأنهم يعرفون أن "المرء لا يستطيع على هذه الأرض أن يحب حبا حقيقياً إلا عن طريق الألم، فبدلا من مبدأ أنا أفكر، إذن أنا موجود، تطرح شخصيات دوستويفسكى هذا المبدأ "أنا أتألم إذن أنا موجود!".
إنهم يصوغون جميعا أفكارهم فى فكرة ثابتة وحيدة يفكرون فيها إلى نهايتها القصوي، ويحولونها إلى خنجر حاد مدبب يتجه فى أيديهم أنفسهم فكيريللوف وشاتوف وراسكولنيكوف وإيفان كرامازوف، كل هؤلاء الغرباء لهم فكرتهم الخاصة فكرتهم العدمية، فكرتهم الخيرية، فكرة الجنون النابليونى بالعالم، وقد أنضجوا جميعا هذه الفكرة فى هذه العزلة المرضية، فكوليا، مثلا يلقى بنفسه تحت القطار "ليبرهن" لنفسه أنه شجاع، وراسكولنيكوف يقتل المرأة العجوز ليبرهن على نظريته النابليونية، وكيريللوف رجل لا بد له أن يقتل نفسه ليستطيع أن يظل إنسانا أصيلا كل الأصالة، وشاتوف رجل يقتل ليثبت أصالته!
لا يكاد إليوشا يتميز عن ستاربتس وكرامازوف وراسكولنيكوف كما يظهرون فى ضوء الحياة الجديدة من جرائمهم بوجوه غسلتها الدموع. ففى نهاية كل روايات دوستويفسكى توجد عملية تطهير العواطف المعروفة فى التراجيديا الإغريقية ألا وهى الغفران العظيم.
لقد تبين الإنسان العارى الخالد نفسه فيهم، وإن سر التآخى الشامل هذا فى المعرفة الأخوية، هذه الأنشودة الأورفية من أناشيد الموت، لهى الموسيقى الغنائية فى عمل دوستويفسكى القاتم.
هذه الروسيا، روسيا منتصف القرن التاسع عشر، لا ندرى إلى أين تذهب، فتورجينيف يدفع بها إلى الأمام، وتولستوى يردها إلى الوراء. وكل شيء مضطرب. القيصرية تواجه بصورة مباشرة تحديا شيوعياً، والأرثوذكسية، المتوارثة منذ عهد بعيد تواجه إلحادا تعصبيا جنونيا، بيد أن شخصيات دوستويفسكى لهى شخصيات روس أصلاء باعتبارها مجتثة الجذور من تقاليد كبيرة، من يريد ذلك من شخصيات دوستويفسكي؟ لا أحد فالسعادة شيء لا يؤبه له عندهم، والاكتفاء شيء لا يؤبه له عندهم، والغنى محتقر عندهم أكثر مما هو مرغوب فيه. إن هؤلاء الغرباء لا يريدون شيئا من كل ذلك الذى يريده أفراد جنسنا البشرى قاطبة، إنهم يمتازون بالحس غير المألوف وهم لا يريدون شيئا من هذا العالم.
إن هذه الأرض لتبدو كما يقول إيفان كرامازوف حانقاً غرقى بالدموع حتى أعمق نواة فيها!" ذلك أن فى هذه الشخصيات شيئا يقابل المتعة، متعة السعادة بين الألم بمتعة العذاب مقابلة عميقة المعني، فألمها فى الوقت نفسه سعادتها، وهى تتشبث به بأسنانها، تدفئه على صدرها، تداعبه بأيديها، وتحبه بكل روحها، ولو أنها لم تحبه لكانت أكثر الخلق تعاسة! ولأنهم يعرفون أن "المرء لا يستطيع على هذه الأرض أن يحب حبا حقيقياً إلا عن طريق الألم، فبدلا من مبدأ أنا أفكر، إذن أنا موجود، تطرح شخصيات دوستويفسكى هذا المبدأ "أنا أتألم إذن أنا موجود!".
إنهم يصوغون جميعا أفكارهم فى فكرة ثابتة وحيدة يفكرون فيها إلى نهايتها القصوي، ويحولونها إلى خنجر حاد مدبب يتجه فى أيديهم أنفسهم فكيريللوف وشاتوف وراسكولنيكوف وإيفان كرامازوف، كل هؤلاء الغرباء لهم فكرتهم الخاصة فكرتهم العدمية، فكرتهم الخيرية، فكرة الجنون النابليونى بالعالم، وقد أنضجوا جميعا هذه الفكرة فى هذه العزلة المرضية، فكوليا، مثلا يلقى بنفسه تحت القطار "ليبرهن" لنفسه أنه شجاع، وراسكولنيكوف يقتل المرأة العجوز ليبرهن على نظريته النابليونية، وكيريللوف رجل لا بد له أن يقتل نفسه ليستطيع أن يظل إنسانا أصيلا كل الأصالة، وشاتوف رجل يقتل ليثبت أصالته!
لا يكاد إليوشا يتميز عن ستاربتس وكرامازوف وراسكولنيكوف كما يظهرون فى ضوء الحياة الجديدة من جرائمهم بوجوه غسلتها الدموع. ففى نهاية كل روايات دوستويفسكى توجد عملية تطهير العواطف المعروفة فى التراجيديا الإغريقية ألا وهى الغفران العظيم.
لقد تبين الإنسان العارى الخالد نفسه فيهم، وإن سر التآخى الشامل هذا فى المعرفة الأخوية، هذه الأنشودة الأورفية من أناشيد الموت، لهى الموسيقى الغنائية فى عمل دوستويفسكى القاتم.