يوغرطة
تمهيـــــد:
يعد يوغرطة من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية الذين وقفوا في وجه الحكومة الرومانية الجشعة التي أرادت إذلال نوميديا وتقسيمها، بعد أن وحدها الملك ماسينيسا ووسع نفوذها شرقا وغربا وجنوبا. وقد استطاع الملك يوغرطة بحنكته العسكرية أن ينظم جيشا أمازيغيا مدربا، وأن يقوم بإصلاحات اقتصادية واجتماعية قصد التصدي للمحتل الروماني الذي أعد سدا أمنيا عتيدا لحماية المركزية الرومانية في إفريقيا الشمالية ضد الثورات التحررية الأمازيغية المقاتلة. ولكن مقاومة يوغرطة ستؤثر بشكل سلبي على سياسة روما بعد أن ذاقت القوات الرومانية الغازية مرارة الهزائم المتكررة على أبواب نوميديا ، لكن مقاومة يوغرطة لن تدوم طويلا لكي يقتل هذا الملك الأمازيغي الشهم خيانة وغدرا على يد الرومان سنة 106 قبل الميلاد.
وسنحاول في هذه الدراسة التعريف بيوغرطة وبأهم منجزاته الإصلاحية داخل مملكته مع ذكر أهم المراحل التي عرفتها مقاومته ونتائجها المباشرة وغير المباشرة.
من هو يوغرطــــة أو يوغرثن ؟ تعني كلمة يوغرطة أو يوگرتن أو يوجيرتن Jugurtha في المعجم الأمازيغي أكبر القوم سنا، وقد تعني أيضا الملك أو كبير الأسرة أو القوم أو العشيرة أو القبيلة أو الجد الأكبر أو الرجل الكبير المحترم.
هذا، وقد ولد يوغرطة المازيلي بنوميديا سنة 118 قبل الميلاد ، وهو سليل أسرة ماسينيسا الحاكمة، ومن ملوك قبائل نوميديا، تولى الحكم بعد وفاة ميسبسا(148-118قبل الميلاد) الذي وسّع التجارة الداخلية والخارجية بين مملكة نوميديا ودول حوض البحر الأبيض المتوسط .
وهناك من يذهب إلى أن يوغرطة " ابن غير شرعي لماستانابعل بن ماسينيسا، ألحقه عمه الملك" ميكيوسا" بابنيه" أذربعل" و"هيمسعال " وجعله شريكا لهما في عرشه. وبعد وفاة" ميكيوسا" حارب يوغرطة ابني عمه وتخلص منهما بالقتل على التوالي، وانفرد بالملك".1
وقد اشتهر يوغرطة بين أقرانه بالشجاعة والهيبة والوقار والذكاء وحب العمل وممارسة الصيد والفروسية حتى امتلك موهبة في مجال الحرب والتنظيم العسكري. وكان معروفا بتفوقه في مجال السباق داخل حلبات الفروسية والمبارزة العسكرية، وأصبح بعد ذلك قائدا عسكريا محنكا وكون جيشا أمازيغيا ليدافع عن سيادة نوميديا مذكرا جيشه دائما بالهوية الأمازيغية وبضرورة الدفاع عن راية الوطن والوقوف بكل شراسة في وجه الرومان المتوحشين الذين لايريدون من الأمازيغيين سوى استغلالهم واستلابهم ونهب ثرواتهم وممتلكاتهم وإخضاعهم رقا وذلا.
ويعترف المؤرخ الروماني سالوست Salluste في كتابه" حرب يوغرطة" بعظمة هذا الملك الشاب الذي أظهر مقاومة بطولية في مقاتلة الرومان. يقول سالوست:" أثار يوغرطة انتباه الناس منذ أول شبابه، بفعل نشاطه وهيبته ووقاره وذكائه. ولم يكن من الذين ينخدعون بمظهر التبرج ويستلمون للراحة، ولكنه كان (...) يمارس الفروسية ويتدرب على الرمي بالرمح وينافس أقرانه للإحراز على جائزة أسرع سباق...وكان يصرف جزءا كبيرا من وقته في الصيد...ولم يكن أحد يشتغل، أكثر منه، ولم يكن أحد يتحدث عن أعماله أقل منه.
... وأمر بأن تستعرض أمامه الكوكبات والرايات ( الأمازيغية) واحدة بعد واحدة. فصار يرغبها في تذكير ماضيها المجيد وفي انتصارها....على الأعداء، وفي الدفاع عن حوزة الوطن والملك، ويحذرها من شر الرومان وجشعهم... لقد عمل كل ما يمكن أن يعمله قائد جيش ليهيئ لنفسه أحسن الظروف في ميدان القتال....وعندما يعرف جنديا سبق له أن جازاه على إقدامه وشجاعته، فإنه يقدمه كمثال للآخرين. وكان يعد ويوعد ويرغب ويرهب، ويستعمل كل الوسائل لحث جيوشه على الإقدام...."2
ومن جهة أخرى، قام يوغرطة بإصلاحات اقتصادية واجتماعية وإدارية وعسكرية من أجل بناء مملكة أمازيغية قوية على غرار السياسة الإصلاحية التي قام بها عمه ماسينيسا. وفعلا، استطاعت قوات يوغرطة أن تقف في وجه ثلاثة قواد رومانيين كبار أرسلتهم المشيخة الرومانية للقضاء على ثورة يوغرطة النوميدية، وهم: ميتيلوس وماريوس وسيلاّ.
وخير من تحدث ومازال يتحدث عن تاريخ يوغرطة وحروبه القاسية ضد الرومان المؤرخ الروماني سالوست في كتابه" حروب يوغرطة"، إلا أن مدونات سالوست التاريخية كانت تعبر" عن تناقضات الجمهورية الرومانية بقدر ماتروي قصة ثورة يوغرطة. فقد يكون هذا الأخير قد خطط فعلا لتوحيد البربر وطرد الرومان، لكن يستحيل أن نجد لهذا الهدف صدى عند المؤرخ الروماني الذي يذكر أعمال يوغرطة لغرض واحد هو إصدار أحكام قاسية على زعماء روما وهي في دور الانحطاط.
لا نقول: إن سكوت سالوست- يقول عبد الله العروي - يدل على عدم وجود أي مشروع توحيدي وتحريري في ذهن يوغرطة، بل نقول إن الوثيقة المكتوبة، هي وثيقة رومانية، لا يمكن أن تسوق الأخبار من وجهة نظر مغربية. وهذا أمر بديهي". "3
ويبين لنا هذا التوجه النقدي للوثيقة التاريخية للمؤرخ سالوست أن المؤرخين الرومان كانوا غير موضوعيين في أحكامهم القاسية التي يصدرونها في حق أبناء تامازغا، وكانوا يعتبرون الأبطال الأمازيغيين إرهابيين ومنشقين عن الحكم الروماني، وبمثابة زعماء العصابات ورؤساء جماعات اللصوص الذين يثيرون الهلع والذعر والخوف والفزع في نفوس المواطنين الذين يسكنون في القرى والمدن النوميدية وخاصة الجالية الرومانية التي كانت تسيطر على مراكز القرار ودواليب الاقتصاد و التجارة والخدمات.
تمهيـــــد:
يعد يوغرطة من أهم أبطال المقاومة الأمازيغية الذين وقفوا في وجه الحكومة الرومانية الجشعة التي أرادت إذلال نوميديا وتقسيمها، بعد أن وحدها الملك ماسينيسا ووسع نفوذها شرقا وغربا وجنوبا. وقد استطاع الملك يوغرطة بحنكته العسكرية أن ينظم جيشا أمازيغيا مدربا، وأن يقوم بإصلاحات اقتصادية واجتماعية قصد التصدي للمحتل الروماني الذي أعد سدا أمنيا عتيدا لحماية المركزية الرومانية في إفريقيا الشمالية ضد الثورات التحررية الأمازيغية المقاتلة. ولكن مقاومة يوغرطة ستؤثر بشكل سلبي على سياسة روما بعد أن ذاقت القوات الرومانية الغازية مرارة الهزائم المتكررة على أبواب نوميديا ، لكن مقاومة يوغرطة لن تدوم طويلا لكي يقتل هذا الملك الأمازيغي الشهم خيانة وغدرا على يد الرومان سنة 106 قبل الميلاد.
وسنحاول في هذه الدراسة التعريف بيوغرطة وبأهم منجزاته الإصلاحية داخل مملكته مع ذكر أهم المراحل التي عرفتها مقاومته ونتائجها المباشرة وغير المباشرة.
من هو يوغرطــــة أو يوغرثن ؟ تعني كلمة يوغرطة أو يوگرتن أو يوجيرتن Jugurtha في المعجم الأمازيغي أكبر القوم سنا، وقد تعني أيضا الملك أو كبير الأسرة أو القوم أو العشيرة أو القبيلة أو الجد الأكبر أو الرجل الكبير المحترم.
هذا، وقد ولد يوغرطة المازيلي بنوميديا سنة 118 قبل الميلاد ، وهو سليل أسرة ماسينيسا الحاكمة، ومن ملوك قبائل نوميديا، تولى الحكم بعد وفاة ميسبسا(148-118قبل الميلاد) الذي وسّع التجارة الداخلية والخارجية بين مملكة نوميديا ودول حوض البحر الأبيض المتوسط .
وهناك من يذهب إلى أن يوغرطة " ابن غير شرعي لماستانابعل بن ماسينيسا، ألحقه عمه الملك" ميكيوسا" بابنيه" أذربعل" و"هيمسعال " وجعله شريكا لهما في عرشه. وبعد وفاة" ميكيوسا" حارب يوغرطة ابني عمه وتخلص منهما بالقتل على التوالي، وانفرد بالملك".1
وقد اشتهر يوغرطة بين أقرانه بالشجاعة والهيبة والوقار والذكاء وحب العمل وممارسة الصيد والفروسية حتى امتلك موهبة في مجال الحرب والتنظيم العسكري. وكان معروفا بتفوقه في مجال السباق داخل حلبات الفروسية والمبارزة العسكرية، وأصبح بعد ذلك قائدا عسكريا محنكا وكون جيشا أمازيغيا ليدافع عن سيادة نوميديا مذكرا جيشه دائما بالهوية الأمازيغية وبضرورة الدفاع عن راية الوطن والوقوف بكل شراسة في وجه الرومان المتوحشين الذين لايريدون من الأمازيغيين سوى استغلالهم واستلابهم ونهب ثرواتهم وممتلكاتهم وإخضاعهم رقا وذلا.
ويعترف المؤرخ الروماني سالوست Salluste في كتابه" حرب يوغرطة" بعظمة هذا الملك الشاب الذي أظهر مقاومة بطولية في مقاتلة الرومان. يقول سالوست:" أثار يوغرطة انتباه الناس منذ أول شبابه، بفعل نشاطه وهيبته ووقاره وذكائه. ولم يكن من الذين ينخدعون بمظهر التبرج ويستلمون للراحة، ولكنه كان (...) يمارس الفروسية ويتدرب على الرمي بالرمح وينافس أقرانه للإحراز على جائزة أسرع سباق...وكان يصرف جزءا كبيرا من وقته في الصيد...ولم يكن أحد يشتغل، أكثر منه، ولم يكن أحد يتحدث عن أعماله أقل منه.
... وأمر بأن تستعرض أمامه الكوكبات والرايات ( الأمازيغية) واحدة بعد واحدة. فصار يرغبها في تذكير ماضيها المجيد وفي انتصارها....على الأعداء، وفي الدفاع عن حوزة الوطن والملك، ويحذرها من شر الرومان وجشعهم... لقد عمل كل ما يمكن أن يعمله قائد جيش ليهيئ لنفسه أحسن الظروف في ميدان القتال....وعندما يعرف جنديا سبق له أن جازاه على إقدامه وشجاعته، فإنه يقدمه كمثال للآخرين. وكان يعد ويوعد ويرغب ويرهب، ويستعمل كل الوسائل لحث جيوشه على الإقدام...."2
ومن جهة أخرى، قام يوغرطة بإصلاحات اقتصادية واجتماعية وإدارية وعسكرية من أجل بناء مملكة أمازيغية قوية على غرار السياسة الإصلاحية التي قام بها عمه ماسينيسا. وفعلا، استطاعت قوات يوغرطة أن تقف في وجه ثلاثة قواد رومانيين كبار أرسلتهم المشيخة الرومانية للقضاء على ثورة يوغرطة النوميدية، وهم: ميتيلوس وماريوس وسيلاّ.
وخير من تحدث ومازال يتحدث عن تاريخ يوغرطة وحروبه القاسية ضد الرومان المؤرخ الروماني سالوست في كتابه" حروب يوغرطة"، إلا أن مدونات سالوست التاريخية كانت تعبر" عن تناقضات الجمهورية الرومانية بقدر ماتروي قصة ثورة يوغرطة. فقد يكون هذا الأخير قد خطط فعلا لتوحيد البربر وطرد الرومان، لكن يستحيل أن نجد لهذا الهدف صدى عند المؤرخ الروماني الذي يذكر أعمال يوغرطة لغرض واحد هو إصدار أحكام قاسية على زعماء روما وهي في دور الانحطاط.
لا نقول: إن سكوت سالوست- يقول عبد الله العروي - يدل على عدم وجود أي مشروع توحيدي وتحريري في ذهن يوغرطة، بل نقول إن الوثيقة المكتوبة، هي وثيقة رومانية، لا يمكن أن تسوق الأخبار من وجهة نظر مغربية. وهذا أمر بديهي". "3
ويبين لنا هذا التوجه النقدي للوثيقة التاريخية للمؤرخ سالوست أن المؤرخين الرومان كانوا غير موضوعيين في أحكامهم القاسية التي يصدرونها في حق أبناء تامازغا، وكانوا يعتبرون الأبطال الأمازيغيين إرهابيين ومنشقين عن الحكم الروماني، وبمثابة زعماء العصابات ورؤساء جماعات اللصوص الذين يثيرون الهلع والذعر والخوف والفزع في نفوس المواطنين الذين يسكنون في القرى والمدن النوميدية وخاصة الجالية الرومانية التي كانت تسيطر على مراكز القرار ودواليب الاقتصاد و التجارة والخدمات.