نظرية التناصّ في النقد الأدبي المعاصر
أحمد أنيس حسونمنقول عن مقالة للكاتب
التناص مصطلح يرادفه (التفاعل النصي – المتعاليات النصية) وقد شاب هذا المفهوم إشكالية في المصطلح، قدّمت له المدارس النقدية في نشاطها نظرياً وتطبيقياً. يعتبر رولان بارت حامل لواء النقد الجديد، ذلك أن كتابه "عن راسين" كان حدثاً مهماً لاكتشاف النقد الجديد بعدما دار حوله نقاشات وسجالات عديدة. وهناك جماعة اسمها "تيل –كل" باسم المجلة التي التفوا حولها، وقد كان لها مكان مرموق في النقد أثارت فيه جدلاً في النقد المعاصر، حيث استقطبت عدداً من المفكرين.
ونشرت مجلتها التي أصدرها فيليب سولرز 1960 م في باريس، وكانت السمة العامة لهذه المجلة رفض المناهج التقليدية، والإيمان بخلق نقد علمي يتخطى الحرفي والشكلي والبنيويي، وتخلّى كتّابها عن المفهوم المهيمن بإظهارشخصية المبدع وإبراز عالمه الواقعي، لأن الكتابة في وظيفتها الإبداعية ليست تمثيلاً. فاللغة على حدّ تعبير جوليا كريستيفا ذات طابع غير قواعدي.
يرجع السبق والأولوية في ولادة مصطلح (التناصّ) إلى جوليا كريستيفا 1969 م. وقد استنبطته من باختين في دراسته لدوستيوفسكي 1963م ورابليه 1965م. ومن ثم احتضنت هذا المصطلح البنيوية الفرنسية وما بعدها من اتجاهات سيميائية وتفكيكية في كتابات كريستيفا ورولان بارت وتودوروف...إلخ وجاء القول بالتناصية بعد تراكمات نقدية أثارها نقاد أفادوا أن دراسة الأدباء لا يمكنها أن تفي بالغرض في إطارهم وحدهم، فمعرفة الجديد مرتبطة بمعرفة القديم، وأكثر المبدعين أصالةً من كان في تكوينه رواسب من الأجيال السابقة. فأتت الدراسة التناصية لمعرفة الماضي الممتد في النص والحاضر المتسرّب إليه. ففي الحدث الأدبي ثلاثة عناصر: (الفاعل –الكاتب والفاعل –المتلقي والنصوص السابقة التي تحدّد الفضاء المنتمي ٍإلى نص ما) فكل خطاب يكرر آخر، ويشير أن الفضل في بزوغ هذه الظاهرة يعود إلى الشكلانيين الروس، ويعتبر تودروف أن الخطاب الذي لا يستحضر شيئاً ممن سبقه هو خطاب أحادي القيمة، والخطاب الذي يستحضر شيئاً في بنائه من نماذج سابقة هو خطاب متعدد القيمة.
يأتي التناص صوتاً لنصوص سابقة، بحيث يكون النصّ المتناصّ خلاصته نصوص تنمي الحدود بينها، ويتم صياغتها بشكل جديد. فهو علاقة تفاعل بين نصوص سالفة أو معاصرة ونصّ ماثل.أو هو تعالق نصوص مع نص. يقول تودوروف: إن كلّ نص هو امتصاص وتحويل لكثير من النصوص، والنصّ الجديد إعادة إنتاج لنصوص وأشلاء نصوص معروفة، سابقة أو معاصرة قابعة في الوعي واللاوعي الفردي والجماعي. إن علاقة النص بما سبقه تضاعف العلاقة بين الكاتب والقارئ بحيث يهتم القارئ بالحوار الذي بدأه المؤلف مع أعمال معاصريه أو سابقيه، وعندما يبدو صوت المؤلف المصدر الوحيد لما يقوله فإن النص ينتصر، فلم يبق من النص السابق إلا المادة وغاب الأصل الذي لا يدركه إلا ذوو الخبرة والمران في قراءة النصوص. يقول ليتشر: إن النص ليس ذاتاً مستقلة، إنما سلسلة من العلاقات مع نصوص أخرى، فشجرة نسب النص غير تامة من المقتطفات المستعارة شعورياً ولا شعورياً. من قول ليتش السابق نلاحظ أن النص هو تداخله مع نصوص أخرى فلا حدود للنص، ولا حدود بين نص وآخر –فالكاتب يكتب نصّه- على حد تعبير هارولد بلوم- تحت تأثير الهوس الذي يمارسه النصّ السابق كعقدة أوديبية تدفع الكاتب إلى السير على منوال النص الأول والتمرّد عليه في آن.
ويطرح التناصّ مسألة استقلالية النص أو تبعيته، وقد ركّز النقد الغربي على تبعية النص لسياقه النفسي والتاريخي والاجتماعي، فجاء النقد المعاصر ليؤكد عدم استقلال النص الأدبي، لكنه لا يمارس التبعية بالمعنى التقليدي، فالنص له صلة بنصوص سابقة، لكنه لا يسعى إلى كشفها. ويتحدد التناص في الشكل والمضمون معاً. وهو نوعان: داخلي وخارجي، فالداخلي هو حوار النص في تناسله، ففيه المنطلقات والأهداف والحوار المباشر وغير المباشر.
أما التناص الخارجي فهو حوار بين نص ونصوص أخرى متعددة المصادر والوظائف. لقد اعتبرت البنيوية النص بنية مغلقة، وجاء التناص ليقرَّ بالبنية المفتوحة والمتحركة والمتجددة، وتحطيم بنية النص ونظمه اللذين قالت بهما البنيوية، فقد ركّزت البنيوية على ثنائية (القارئ/الكاتب) والكاتب الفعلي للنص هو القارئ. لكن التناصّ فكّ هذه الاشتباكات وحدد الأصوات المترددة في جنبات النص وتراكيبه، وأعادها لأصحابها السابقين أو المعاصرين. لكنّ هذا لا يعني أن البنيويين تمسكوا بالمغلق تماماً.
فمنهم من تخطّى هذه الممارسة النقدية إلى مجال أرحب مثل تودروف، رولان بارت، ريفاتير...وغيرهم مثل آريفيي الذي تبنّى مقولات الشكلانيين الروس والبنيويين بعدم مرجعية النص، وقال بتعديل هذه الحقيقة، لأن النصّ يملك دليلاً مرجعياً وهناك علاقات مع الواقع الخارجي. فالنص يحمل في طياته نصاً آخر. وتبنّى تودوروف التناصَّ كمرتبةٍ من مراتب التأويل.
ويرى رولان بارت أن كل نصّ هو تناصّ، فكل نص نسيجٌ من استشهادات سابقة والتناصية هي قَدَرُ كل نص مهما كان جنسه. أشرنا أن كريستيفا كان لها السبق في ولادة مصطلح التناص على الرغم من أنه ورد لدى باختين الذي يسميه "التفاعل السوسيولفظي"، لكنها (كريستيفا) أعطت لهذا المصطلح بُعده النقدي والأدبي في كتاباتها التي نشرتها مجلة (تيل – كل) وأعيدت في كتابيها: (السيمياء – نص الرواية) معتمدة على دراسة باختين لدوستيوفسكي ورابليه، ففي النص تناص يمارسه الكاتب بوعي أولا وعي، كما أن القراءة تثير لدى المتلقي خبراته وذكرياته السابقة، وهذا الحوار بين النص وكاتبه والنص ومتلقيه (الديالوج) والبيشخصية (ما يدور بين شخصين أو أكثر) تسميه كريستيفا بـ (التناصّ أو التناصيّة).
لقد أفادت كريستيفا من دراسات (باختين) الذي ميّز بين محورين (الحوار – التضاد) اللا مميّزين لها بدقّة، فالتناص كما أشارت هو تلاقي النصوص وكل نص هو قطعة فسيفسائية من الاقتباسات والاستشهادات، وكل نص هو امتصاص وتحويل لنصوص ٍ أخرى.
كما أفادت كريستيفا من دي سوسور في البحث عن النص الغائب في فضاء اللغة الشعرية وقد أسماه: (القلب المكاني أو البراغرام).
واعتبرت أن الملفوظ الشعري مجموعة ثانوية من بين مجموعة أكبر هي فضاء النص،والمدلول الشعري تلتقي فيه أنماط متعددة، وقد مثّلتْ للتناص الشعري بلوتريامون مشيرةً إلى أن اللغة الشعرية لا نهائية الشيفرة بخلاف الكاتب الذي هو نهائي ومغلق، والنص الأدبي مزدوج (كتابة/قراءة).فالمكتوب مقروء، ثم يتحوّل المقروء إلى مكتوب، ويتشكّل التحاور النصي بين الاثنين معاً مما ينتج نصوصاً جديدة. وقد اعتنى (جيرار جينيت) بالتعالي النصي. كنوع من المعرفة الذي يرصد العلاقات الخفية والواضحة لنص مع نصوص أخرى. وهذا التعالي النصي يعني عنده الوجود اللغوي ويضّمن المحاكاة وعلاقة التغيير والمعارضة والمحاكاة الساخرة.
وينحصر التناصّ عنده في نمطين: الأول عفوي، والثاني يعتمد على الوعي والقصد، فتأتي الإشارة إلى النص الآخر إشارة واضحة تصل إلى درجة التنصيص. وقد حدّد جينيت التعالي النصي في خمسة أنماط: 1-التناص: العلاقة بين نصين أو أكثر. 2- الميتا نص: ما وراء النص، وفيه يتم الحديث عن نص آخر دون ذكره 3- النص الأعلى: علاقة تحويل ومحاكاة بين نص أعلى ونص أسفل 4- المناصّ: في العنوانين والمقدمات، وكلمات الناشر والصور.. 5- جامع النصّ: يتضمن مجموعة الخصائص التي ينتمي إليها كل نص (رواية، قصة، شعر..). وقد أفرد كتاباً مستقلاً لكلّ نمط من الأنماط السابقة، فالنمط الأول-مثلاً- في كتاب (معمارية النص) 1986م..
لقد عنيت الدراسة الأدبية والنقدية بمصطلح التناص، وهاجر في بداية السبعينيات إلى أمريكا. وتبنّى المنتدى الدولي للبويطيقيا بإسهام (ريفاتير) 1979م مصطلح التناص، إلا أن كريستيفا قد انصرفت عن الاهتمام بالواقع التاريخي للخطاب وتخلّت عن مصطلح التناص 1985م واستخدمت مصطلحاً بديلاً أسمته: (المناقلة أو التنقليّة) تقول: بما أنّ هذا المصطلح (التناص) استخدم في المعنى المبتذل (نقد مصادر نص ما) فإننا نفضّل عليه مصطلح المناقلة. وقد وردت عدة مفاهيم لمصطلح التناص نوردها كما يلي:
1-التناص:ولد على يد كريستيفا في مجلة (تيل- كل)
2-التفاعل النصي:يتم بين بنية النص والبنيات النصية، وقد يكون ضمنياً.
3-المناص:يوجد في العنوانين، وكلمات الناشر، والصور، والمقدمات..
4-التناصّية:تنبني العلاقات على أمور تتعلق بالبنية والفضاء الإبداعي.
5-البنيات النصية:يأتي النص ضمن بنية نصية سابقة أو معاصرة للكاتب.
6- التعالق النصي:النص اللاحق يكتب السابق بطريقة جديدة.
7-المتناصّ:يستوعب النص عدداً من النصوص سواء كانت في ذاكرة الكاتب أو القارئ.
8-المصاحبات الأدبية:استشهادات تدخل في بنية النص.
9-المتعاليات النصية:ما يجعل نصاً يتعالق مع نصوص أخرى بشكل مباشر أو ضمني.
المراجع:
1- النقد والدلالة، محمد عزام
2- النص الغائب، محمد عزام
3- مفهومات في بنية النص، ترجمة د. وائل بركات.
4- العلاماتية وعلم النص، ترجمة الدكتور منذر عياشي.
أحمد أنيس حسونمنقول عن مقالة للكاتب
التناص مصطلح يرادفه (التفاعل النصي – المتعاليات النصية) وقد شاب هذا المفهوم إشكالية في المصطلح، قدّمت له المدارس النقدية في نشاطها نظرياً وتطبيقياً. يعتبر رولان بارت حامل لواء النقد الجديد، ذلك أن كتابه "عن راسين" كان حدثاً مهماً لاكتشاف النقد الجديد بعدما دار حوله نقاشات وسجالات عديدة. وهناك جماعة اسمها "تيل –كل" باسم المجلة التي التفوا حولها، وقد كان لها مكان مرموق في النقد أثارت فيه جدلاً في النقد المعاصر، حيث استقطبت عدداً من المفكرين.
ونشرت مجلتها التي أصدرها فيليب سولرز 1960 م في باريس، وكانت السمة العامة لهذه المجلة رفض المناهج التقليدية، والإيمان بخلق نقد علمي يتخطى الحرفي والشكلي والبنيويي، وتخلّى كتّابها عن المفهوم المهيمن بإظهارشخصية المبدع وإبراز عالمه الواقعي، لأن الكتابة في وظيفتها الإبداعية ليست تمثيلاً. فاللغة على حدّ تعبير جوليا كريستيفا ذات طابع غير قواعدي.
يرجع السبق والأولوية في ولادة مصطلح (التناصّ) إلى جوليا كريستيفا 1969 م. وقد استنبطته من باختين في دراسته لدوستيوفسكي 1963م ورابليه 1965م. ومن ثم احتضنت هذا المصطلح البنيوية الفرنسية وما بعدها من اتجاهات سيميائية وتفكيكية في كتابات كريستيفا ورولان بارت وتودوروف...إلخ وجاء القول بالتناصية بعد تراكمات نقدية أثارها نقاد أفادوا أن دراسة الأدباء لا يمكنها أن تفي بالغرض في إطارهم وحدهم، فمعرفة الجديد مرتبطة بمعرفة القديم، وأكثر المبدعين أصالةً من كان في تكوينه رواسب من الأجيال السابقة. فأتت الدراسة التناصية لمعرفة الماضي الممتد في النص والحاضر المتسرّب إليه. ففي الحدث الأدبي ثلاثة عناصر: (الفاعل –الكاتب والفاعل –المتلقي والنصوص السابقة التي تحدّد الفضاء المنتمي ٍإلى نص ما) فكل خطاب يكرر آخر، ويشير أن الفضل في بزوغ هذه الظاهرة يعود إلى الشكلانيين الروس، ويعتبر تودروف أن الخطاب الذي لا يستحضر شيئاً ممن سبقه هو خطاب أحادي القيمة، والخطاب الذي يستحضر شيئاً في بنائه من نماذج سابقة هو خطاب متعدد القيمة.
يأتي التناص صوتاً لنصوص سابقة، بحيث يكون النصّ المتناصّ خلاصته نصوص تنمي الحدود بينها، ويتم صياغتها بشكل جديد. فهو علاقة تفاعل بين نصوص سالفة أو معاصرة ونصّ ماثل.أو هو تعالق نصوص مع نص. يقول تودوروف: إن كلّ نص هو امتصاص وتحويل لكثير من النصوص، والنصّ الجديد إعادة إنتاج لنصوص وأشلاء نصوص معروفة، سابقة أو معاصرة قابعة في الوعي واللاوعي الفردي والجماعي. إن علاقة النص بما سبقه تضاعف العلاقة بين الكاتب والقارئ بحيث يهتم القارئ بالحوار الذي بدأه المؤلف مع أعمال معاصريه أو سابقيه، وعندما يبدو صوت المؤلف المصدر الوحيد لما يقوله فإن النص ينتصر، فلم يبق من النص السابق إلا المادة وغاب الأصل الذي لا يدركه إلا ذوو الخبرة والمران في قراءة النصوص. يقول ليتشر: إن النص ليس ذاتاً مستقلة، إنما سلسلة من العلاقات مع نصوص أخرى، فشجرة نسب النص غير تامة من المقتطفات المستعارة شعورياً ولا شعورياً. من قول ليتش السابق نلاحظ أن النص هو تداخله مع نصوص أخرى فلا حدود للنص، ولا حدود بين نص وآخر –فالكاتب يكتب نصّه- على حد تعبير هارولد بلوم- تحت تأثير الهوس الذي يمارسه النصّ السابق كعقدة أوديبية تدفع الكاتب إلى السير على منوال النص الأول والتمرّد عليه في آن.
ويطرح التناصّ مسألة استقلالية النص أو تبعيته، وقد ركّز النقد الغربي على تبعية النص لسياقه النفسي والتاريخي والاجتماعي، فجاء النقد المعاصر ليؤكد عدم استقلال النص الأدبي، لكنه لا يمارس التبعية بالمعنى التقليدي، فالنص له صلة بنصوص سابقة، لكنه لا يسعى إلى كشفها. ويتحدد التناص في الشكل والمضمون معاً. وهو نوعان: داخلي وخارجي، فالداخلي هو حوار النص في تناسله، ففيه المنطلقات والأهداف والحوار المباشر وغير المباشر.
أما التناص الخارجي فهو حوار بين نص ونصوص أخرى متعددة المصادر والوظائف. لقد اعتبرت البنيوية النص بنية مغلقة، وجاء التناص ليقرَّ بالبنية المفتوحة والمتحركة والمتجددة، وتحطيم بنية النص ونظمه اللذين قالت بهما البنيوية، فقد ركّزت البنيوية على ثنائية (القارئ/الكاتب) والكاتب الفعلي للنص هو القارئ. لكن التناصّ فكّ هذه الاشتباكات وحدد الأصوات المترددة في جنبات النص وتراكيبه، وأعادها لأصحابها السابقين أو المعاصرين. لكنّ هذا لا يعني أن البنيويين تمسكوا بالمغلق تماماً.
فمنهم من تخطّى هذه الممارسة النقدية إلى مجال أرحب مثل تودروف، رولان بارت، ريفاتير...وغيرهم مثل آريفيي الذي تبنّى مقولات الشكلانيين الروس والبنيويين بعدم مرجعية النص، وقال بتعديل هذه الحقيقة، لأن النصّ يملك دليلاً مرجعياً وهناك علاقات مع الواقع الخارجي. فالنص يحمل في طياته نصاً آخر. وتبنّى تودوروف التناصَّ كمرتبةٍ من مراتب التأويل.
ويرى رولان بارت أن كل نصّ هو تناصّ، فكل نص نسيجٌ من استشهادات سابقة والتناصية هي قَدَرُ كل نص مهما كان جنسه. أشرنا أن كريستيفا كان لها السبق في ولادة مصطلح التناص على الرغم من أنه ورد لدى باختين الذي يسميه "التفاعل السوسيولفظي"، لكنها (كريستيفا) أعطت لهذا المصطلح بُعده النقدي والأدبي في كتاباتها التي نشرتها مجلة (تيل – كل) وأعيدت في كتابيها: (السيمياء – نص الرواية) معتمدة على دراسة باختين لدوستيوفسكي ورابليه، ففي النص تناص يمارسه الكاتب بوعي أولا وعي، كما أن القراءة تثير لدى المتلقي خبراته وذكرياته السابقة، وهذا الحوار بين النص وكاتبه والنص ومتلقيه (الديالوج) والبيشخصية (ما يدور بين شخصين أو أكثر) تسميه كريستيفا بـ (التناصّ أو التناصيّة).
لقد أفادت كريستيفا من دراسات (باختين) الذي ميّز بين محورين (الحوار – التضاد) اللا مميّزين لها بدقّة، فالتناص كما أشارت هو تلاقي النصوص وكل نص هو قطعة فسيفسائية من الاقتباسات والاستشهادات، وكل نص هو امتصاص وتحويل لنصوص ٍ أخرى.
كما أفادت كريستيفا من دي سوسور في البحث عن النص الغائب في فضاء اللغة الشعرية وقد أسماه: (القلب المكاني أو البراغرام).
واعتبرت أن الملفوظ الشعري مجموعة ثانوية من بين مجموعة أكبر هي فضاء النص،والمدلول الشعري تلتقي فيه أنماط متعددة، وقد مثّلتْ للتناص الشعري بلوتريامون مشيرةً إلى أن اللغة الشعرية لا نهائية الشيفرة بخلاف الكاتب الذي هو نهائي ومغلق، والنص الأدبي مزدوج (كتابة/قراءة).فالمكتوب مقروء، ثم يتحوّل المقروء إلى مكتوب، ويتشكّل التحاور النصي بين الاثنين معاً مما ينتج نصوصاً جديدة. وقد اعتنى (جيرار جينيت) بالتعالي النصي. كنوع من المعرفة الذي يرصد العلاقات الخفية والواضحة لنص مع نصوص أخرى. وهذا التعالي النصي يعني عنده الوجود اللغوي ويضّمن المحاكاة وعلاقة التغيير والمعارضة والمحاكاة الساخرة.
وينحصر التناصّ عنده في نمطين: الأول عفوي، والثاني يعتمد على الوعي والقصد، فتأتي الإشارة إلى النص الآخر إشارة واضحة تصل إلى درجة التنصيص. وقد حدّد جينيت التعالي النصي في خمسة أنماط: 1-التناص: العلاقة بين نصين أو أكثر. 2- الميتا نص: ما وراء النص، وفيه يتم الحديث عن نص آخر دون ذكره 3- النص الأعلى: علاقة تحويل ومحاكاة بين نص أعلى ونص أسفل 4- المناصّ: في العنوانين والمقدمات، وكلمات الناشر والصور.. 5- جامع النصّ: يتضمن مجموعة الخصائص التي ينتمي إليها كل نص (رواية، قصة، شعر..). وقد أفرد كتاباً مستقلاً لكلّ نمط من الأنماط السابقة، فالنمط الأول-مثلاً- في كتاب (معمارية النص) 1986م..
لقد عنيت الدراسة الأدبية والنقدية بمصطلح التناص، وهاجر في بداية السبعينيات إلى أمريكا. وتبنّى المنتدى الدولي للبويطيقيا بإسهام (ريفاتير) 1979م مصطلح التناص، إلا أن كريستيفا قد انصرفت عن الاهتمام بالواقع التاريخي للخطاب وتخلّت عن مصطلح التناص 1985م واستخدمت مصطلحاً بديلاً أسمته: (المناقلة أو التنقليّة) تقول: بما أنّ هذا المصطلح (التناص) استخدم في المعنى المبتذل (نقد مصادر نص ما) فإننا نفضّل عليه مصطلح المناقلة. وقد وردت عدة مفاهيم لمصطلح التناص نوردها كما يلي:
1-التناص:ولد على يد كريستيفا في مجلة (تيل- كل)
2-التفاعل النصي:يتم بين بنية النص والبنيات النصية، وقد يكون ضمنياً.
3-المناص:يوجد في العنوانين، وكلمات الناشر، والصور، والمقدمات..
4-التناصّية:تنبني العلاقات على أمور تتعلق بالبنية والفضاء الإبداعي.
5-البنيات النصية:يأتي النص ضمن بنية نصية سابقة أو معاصرة للكاتب.
6- التعالق النصي:النص اللاحق يكتب السابق بطريقة جديدة.
7-المتناصّ:يستوعب النص عدداً من النصوص سواء كانت في ذاكرة الكاتب أو القارئ.
8-المصاحبات الأدبية:استشهادات تدخل في بنية النص.
9-المتعاليات النصية:ما يجعل نصاً يتعالق مع نصوص أخرى بشكل مباشر أو ضمني.
المراجع:
1- النقد والدلالة، محمد عزام
2- النص الغائب، محمد عزام
3- مفهومات في بنية النص، ترجمة د. وائل بركات.
4- العلاماتية وعلم النص، ترجمة الدكتور منذر عياشي.