:6_166: أى مشكلة، ينبغي وقبل كل شيء، وصف هذه المشكلة أو الظاهرة، كما هي عليه، وتقديم الحلول الممكنة واقعياً، وفي هذا الإطار ينبغي معالجة واقع الإعلام العربي، من خلال الكشف عن مشاكله والصعوبات التي يواجهها، ومن ثم تقديم الاقتراحات الملموسة والممكنة لمعالجته، للوصول إلى إعلام عربي قادر على الارتقاء بأداء رسالته الإعلامية إلى مستوى متطلبات المعرفة والوعي والاجتماعي، واحتياجات الثورة العلمية التقنية وعصر المعلوماتية والفضائيات. قد يكون من الصعوبة بمكان الإحاطة باحتمالات تطوير وتحديث الإعلام العربي، وفق المفاهيم والمعتقدات التي كانت سائدة وما زالت مستمرة بهذا الشكل أو ذاك، ولكن في حال توفر حوار الإرادات وظهور الأفكار المتبانية وفسح المجال واسعاً لحرية التعبير، سنصل بالضرورة إلى صياغات جديدة وأساليب إقناعية أكثر تأثيراً وفعالية، مما سيساعد في دفع الإعلام العربي في الاتجاهات التطويرية المطلوبة، سواء من حيث شكل الأداء أو من حيث تقديم المادة الإعلامية. وأغلب الظن أن الخطوة الأولى بهذا الاتجاه، يجب أن تكون في إيجاد علاقة متكافئة وموضوعية بين قطبي العملية الإعلامية، المسؤولين عن وضع السياسة الإعلامية والمكلفين بمتابعتها من جهة، ومنفذي هذه السياسة عبر وسائل الإعلام المختلفة من جهة ثانية، بحيث يتاح للإعلام وللإعلامي طرح جميع القضايا والمشاكل بصدق وشفافية دون تمويه للأخطاء ومخالفة القوانين أو 19_210  التستر على مرتكبي جرائم الفساد والتسيب والهدر غير المبرر، وتقديم المادة الإعلامية دون مبالغات ومزايدات مجانية أو مزيفة، وبكلمة واضحة، أن ما نلاحظه أحياناً من قصور في الإعلام العربي في تأدية مهامه بالشكل المقنع والجذاب، لا يتحمل مسؤوليته الإعلاميون أنفسهم وحسب، بل ومن يسمون بحق الوصائيين على العملية الإعلامية في جانبها السياسي والتنفيذي، فمعظم هؤلاء، لا يكتفون بوضع السياسة الإعلامية العامة، المكلفين بها ، بل أخذوا يتدخلون، في بعض وسائل الإعلام العربية، بأدق التفاصيل بما فيها الصياغات والكلمات والجمل، وهذا التدخل الذي يتخذ طابعاً فظاً، أفقد الإعلامي الثقة بإمكانية أن تصل مادته إلى النشر بالشكل الذي تمت صياغتها من قبله، وهذا ما دفع المسؤولية عنه، وعمق روح الاتكالية على الآخرين، والمشكلة أن بعض هؤلاء الأوصياء لم يكونوا في غالب الأحيان، على قدر كافٍ من الثقافة الإعلامية لأداء جيد، وهذا ما جعل الإعلامي يشعر بأنه تابع، وليس بالضرورة أن يفكر ويعمل وفق قناعاته لأن الوصائيين يفكرون عنه ويوحون بأنهم يعملون لمصلحة الوطن أكثر من الجميع، والمشكلة أن فهمهم لهذه المصلحة مرتبط في غالب الأحيان بمصلحتهم الخاصة، لذلك فإن تجاوز هذه الإشكاليات الكابحة لعملية تطوير الإعلام العربي تتطلب تتغير معادلة العلاقة بين الوصائيين الإعلاميين ومنفذي السياسة الإعلامية، بحيث تتاح للإعلاميين مجالات أرحب وفسحة واسعة من حرية التعبير، وإيجاد الكوادر المؤهلة أو تهيئة الكوادر الموجودة، بحيث يصبح الإعلامي الحر قادراً على التأقلم والتكيف مع عصر ثورة الاتصالات والفضائيات، والإنسان بطبيعته يملك استعداداً للتأقلم السريع مع كل ما هو أكثر تقدماً ورقياً وحضارة