قيـــام دَولَة الممَاليك
كان الترك الذين يؤسرون في الحروب يشكلون أكبر نسبة للرقيق وكانوا يجلبون من بلاد ما وراء النهر إذ كانت تلك الجهات مسرحاً دائماً للقتال وتمتد بلاد الترك إلى ما بعد تلك المناطق كثيراً حيث تتوغل إلى منغوليا وغيرها من بلدان أواسط آسيا، وتصل إلى بلاد الأفغان اليوم ونواحي واسعة من سيبيريا، وتتجه تلك الأقوام باستمرار نحو الغرب وتصطدم مع المسلمين، وتكون أعداد من الأسرى كبيرة، وإن كانت جموع أخرى تدخل ديار الإسلام ثم لا تلبث أن تدين بديانة أهل البلاد، وتعمل بعدئذٍ على نشر الإسلام ومحاربة أبناء جلدتها أيضاً، ومن هؤلاء السلاجقة والتركمان العز ثم العثمانيون و....
ثم غدا الصقالبة مصدراً آخر للرقيق، وكان يؤتى بهم من شرقي أوروبا إلى ألمانيا وفرنسا وايطاليا والأندلس حيث يباعون، وعمل اليهود في تجارة الرقيق وحصلوا على أموال وفيرة من وراء هذه التجارة، وغدت بعض الأسواق في أوروبا لهذا الرقيق الذاهب إلى البلدان الإسلامية وبيزنطة. "فإذا قدم بالمملوك تاجره، عرضه على السلطان فيشتريه ويجعله في طبقة جنسه، ويسلّمه إلى المختص برسم الكتابة، فأول ما يبدأ به تعليمه ما يحتاج إليه من القرآن الكريم. ولكل طائفة فقيه يأتيها كل يوم، ويأخذ في تعليمها القرآن، ومعرفة الخط والتمرين بآداب الشريعة الإسلامية، وملازمة الصلوات والأذكار. وصار الرسم إذ ذاك ألا تجلب التجار إلا المماليك الصغار، فإذا شبّ الواحد من المماليك، علّمه الفقيه شيئاً من الفقه، وأقرأه فيه مقدمة، فإذا صار إلى سن البلوغ أخذ في تعليمه فنون الحرب من رمي السهام ولعب الرمح ونحو ذلك، فيتسلّم كل طائفةٍ معلم حتى يبلغ الغاية في معرفة ما يحتاج إليه. وإذا ركبوا إلى لعب الرمح أو رمي النشاب، لا يجسر جندي ولا أمير أن يحدّثهم أن يدنو منهم، عند ذلك ينقل إلى الخدمة، وينتقل في أطوارها رتبةً بعد رتبةٍ إلى أن يصير من الأمراء، فلا يبلغ هذه إلا وقد تهذّبت أخلاقه، وكثرت آدابه، وامتزج تعظيم الإسلام وأهله بقلبه، واشتدّ ساعده في رماية النشاب، وحسن لعبه بالرمح، ومرن على ركوب الخيل. وقد كان لهم خدام وأكابر من النواب يفحصون الواحد منهم فحصاً شافياً ويؤاخذونه أشد المؤاخذة، ويناقشونه على حركاته وسكناته، فإن عثر أحد مؤدبيه الذي يعلمه القرآن، أو رأس النوبة الذي هو حاكم عليه، على أنه اقترف ذنباً، أو أخلّ برسم، أو ترك أدباً من آداب الدين أو الدنيا قابله على ذلك بعقوبةٍ شديدةٍ بقدر جرمه. فلذلك كانوا سادةً يدبّرون الممالك، وقادةً يجاهدون في سبيل الله، وأهل سياسةٍ يبالغون في إظهار الجميل ويردعون من جار أو تعدّى".
كان الترك الذين يؤسرون في الحروب يشكلون أكبر نسبة للرقيق وكانوا يجلبون من بلاد ما وراء النهر إذ كانت تلك الجهات مسرحاً دائماً للقتال وتمتد بلاد الترك إلى ما بعد تلك المناطق كثيراً حيث تتوغل إلى منغوليا وغيرها من بلدان أواسط آسيا، وتصل إلى بلاد الأفغان اليوم ونواحي واسعة من سيبيريا، وتتجه تلك الأقوام باستمرار نحو الغرب وتصطدم مع المسلمين، وتكون أعداد من الأسرى كبيرة، وإن كانت جموع أخرى تدخل ديار الإسلام ثم لا تلبث أن تدين بديانة أهل البلاد، وتعمل بعدئذٍ على نشر الإسلام ومحاربة أبناء جلدتها أيضاً، ومن هؤلاء السلاجقة والتركمان العز ثم العثمانيون و....
ثم غدا الصقالبة مصدراً آخر للرقيق، وكان يؤتى بهم من شرقي أوروبا إلى ألمانيا وفرنسا وايطاليا والأندلس حيث يباعون، وعمل اليهود في تجارة الرقيق وحصلوا على أموال وفيرة من وراء هذه التجارة، وغدت بعض الأسواق في أوروبا لهذا الرقيق الذاهب إلى البلدان الإسلامية وبيزنطة. "فإذا قدم بالمملوك تاجره، عرضه على السلطان فيشتريه ويجعله في طبقة جنسه، ويسلّمه إلى المختص برسم الكتابة، فأول ما يبدأ به تعليمه ما يحتاج إليه من القرآن الكريم. ولكل طائفة فقيه يأتيها كل يوم، ويأخذ في تعليمها القرآن، ومعرفة الخط والتمرين بآداب الشريعة الإسلامية، وملازمة الصلوات والأذكار. وصار الرسم إذ ذاك ألا تجلب التجار إلا المماليك الصغار، فإذا شبّ الواحد من المماليك، علّمه الفقيه شيئاً من الفقه، وأقرأه فيه مقدمة، فإذا صار إلى سن البلوغ أخذ في تعليمه فنون الحرب من رمي السهام ولعب الرمح ونحو ذلك، فيتسلّم كل طائفةٍ معلم حتى يبلغ الغاية في معرفة ما يحتاج إليه. وإذا ركبوا إلى لعب الرمح أو رمي النشاب، لا يجسر جندي ولا أمير أن يحدّثهم أن يدنو منهم، عند ذلك ينقل إلى الخدمة، وينتقل في أطوارها رتبةً بعد رتبةٍ إلى أن يصير من الأمراء، فلا يبلغ هذه إلا وقد تهذّبت أخلاقه، وكثرت آدابه، وامتزج تعظيم الإسلام وأهله بقلبه، واشتدّ ساعده في رماية النشاب، وحسن لعبه بالرمح، ومرن على ركوب الخيل. وقد كان لهم خدام وأكابر من النواب يفحصون الواحد منهم فحصاً شافياً ويؤاخذونه أشد المؤاخذة، ويناقشونه على حركاته وسكناته، فإن عثر أحد مؤدبيه الذي يعلمه القرآن، أو رأس النوبة الذي هو حاكم عليه، على أنه اقترف ذنباً، أو أخلّ برسم، أو ترك أدباً من آداب الدين أو الدنيا قابله على ذلك بعقوبةٍ شديدةٍ بقدر جرمه. فلذلك كانوا سادةً يدبّرون الممالك، وقادةً يجاهدون في سبيل الله، وأهل سياسةٍ يبالغون في إظهار الجميل ويردعون من جار أو تعدّى".