الغجر التونسيون يغزون حي الرملي ويزرعون الرعب
الجزائر في السنوات الأخيرة قبلة العديد من المهاجرين بمختلف جنسياتهم ولغاتهم وأصولهم، ولكن لوحظ في الآونة الأخيرة أنها أصبحت جنة الكثير من الأفارقة الذين دفعتهم الظروف السياسة والاجتماعية إلى مغادرة أوطانهم، لكن ما شد انتباهنا هو تواجد غجر تونسيين في حي الرملي الفوضوي بالجزائر العاصمة، الذين يطالبون بترحيلهم إلى سكنات اجتماعية جديدة·

عتيقة مغوفل

قامت أخبار اليوم في أحد الأعداد الصادرة الأسبوع الفارط بنشر موضوع حول وضعية سكان أحد أكبر الأحياء القصديرية، ألا وهو حي الرملي الواقع ببلدية جسر قسنطينة بقلب العاصمة الجزائرية، وهناك وبعد أن تقربنا من السكان لنقل معاناتهم ومأساتهم التي دامت سنينا طويلة بتلك المنطقة، لفت انتباهنا الحضور القوي للأسر التونسية التي تعيش منذ مدة بأحد الأجزاء بحي الرملي الكبير والشاسع، وهو الأمر الذي دفعنا للرجوع إلى هناك من أجل التحقيق في الأمر من أين جاء هؤلاء ولماذا اختاروا الجزائر بذات وكيف يجتاز هؤلاء يومياتهم·

السيوف والخناجر منطق التوانسة بحي الرملي
في حدود الحادية عشرة صباحا عقدنا العزم وتوجهنا نحو حي الرملي القصديري ببلدية جسر قسنطينة بالجزائر العاصمة، وصلنا إلى هناك وكالعادة فور نزولنا من السيارة وطأت أقدمنا الوحل عوض الأرض، تغلغلنا داخل الحي وطرقنا باب السيد(موسى·م) أحد سكان الحي الذي ساعدنا في المرة السابقة في إنجاز الروبورتاج المتعلق بمعاناة سكان القصدير عله يساعدنا في التقرب من الجالية التونسية المقيمة بذات الحي·
وكعادته استضافنا السيد موسى داخل بيته وسط عائلته المتكونة من والدته، شقيقته، زوجته وأبناؤه، وبعد أن تبادلنا أطراف الحديث طلبنا من السيد موسى أن يأخذنا إلى الجهة التي تقطن بها الجالية التونسية المقيمة هناك، إلى أنه أبى ورفض الأمر جملة وتفصيلا، كانت حجته في ذلك أن هؤلاء البشر عدوانيون جدا ولا يمكن التقرب منهم البتة خصوصا إذا أدركوا أننا إعلاميون، وهو الأمر الذي رفضته أيضا والدة السيد موسى خصوصا أننا لم نكن مرفوقين برجال الأمن، ليواصل موسى حديثه عنهم أنه وفي أحد المرات مرت إحدى لجان الإحصاء وحاولت التقرب منهم من أجلوا إحصائهم، إلا أنهم رفضوا الموضوع وقاموا بطرد هذه اللجنة شر طردة مستعملين في ذلك السيوف والخناجر من أجل ترهيبهم ومن ثمة عدم الرجوع إليهم·
إلا أن ذلك لم يثن عزيمتنا في إنجاز موضوعنا فقد قمنا بالبحث والتقصي حول حقيقة هذه الفئة من الجالية التونسية المقيمة وبطريقة غير شرعية بالجزائر·

الغجرية كساندرا في حلة تونسية تحل ضيفة على الجزائر

بدأ السيد موسى حديثه إلينا فقال (أنا من مواليد سنة 1970 بهذا الحي أعرف كل أكواخه كوخا كوخا، وكل سكانه فردا فردا، كنت أبلغ من العمر حينها 5 سنوات بالضبط سنة 1975 عندما سمعت أبي يتحدث عن قدوم مجموعة من الأسر التونسية التي استقرت بالحي، ولكن رغم صغري سني انتابني الفضول من معرفة هؤلاء الناس، شكلها، كيف يتكلمون وكيف يتصرفون، في اليوم الموالي خرجت أنا و شقيقي الأكبر إلى الحي بعد أن سمحت لنا أمي على أساس أننا سنقف أمام باب الدار من أجل اللعب، ولكن فضولي دفع بي أن أقنع أخي أن نذهب ونتفرج على الوافدين الجدد إلى الحي، أقنعت أخي وذهبنا إلى هناك وبقينا نتفرج عليهم من بعيد كانوا غجرا يشبهون أولئك الغجر الذين عهدنا مشاهدتهم في الأفلام المكسيكية على غرار كساندرا التي ملكت قلوب الملايين من الجزائريين في وقت من الأوقات، أتذكر منظرهم وكأني أعاود رؤيته من جديد في هاته اللحظة، كانوا ناصبين خياما مثل خيم البدو الرحل الجزائريين يلبسون ثيابا مزركشة بالعديد من الألوان جلها عبارة عن مجموعة من الأقمشة كانوا يلفونها على أجسادهم، وكانت كل واحدة من نسائهم تحمل طفلا على ظهرها يخال الناظر إليها أنها تحمل حقيبة على ظهرها، وقد قامت هذه الفئة بعزل نفسها عن باقي السكان من خلال بناء جدار يفصلهم عن غيرهم من السكان، فقد كانوا يحبون الترحال كثيرا واختاروا الجزائر مستقرا لهم)·

التسوّل والتنجيم مهنتهم
بدأت هذه الفئة من الوافدين الجدد تخرج من خيمها لتبحث عن لقمة عيشها خصوصا عندما أبى سكان الحي مساعدتهم، لأنهم حادوا الطباع وعدائيو التعامل واختاروا التسول حرفة لهم، فبدءوا يتسولون في الشوارع مستعملين أبناءهم كطعم يستعطفون به قلوب المارة فيضعون أيديهم في جيوبهم ويتصدقون على الأطفال بثمن كيس من الحليب أو خبزة تسكت جوعهم، وهم مايزالون يحترفون هذه الصنعة ليومنا هذا، فالزائر محطة السمار للسكك الحديدية خصوصا في الساعات الأولى من الصباح، يلمح هؤلاء متجمعين على رصيف المحطة ينتظرون القطار الذي يركبون فيه ويبقون فيه طيلة الرحلة حتى يصل إلى آخر محطة من سفره يتسولون داخل مقطوراته، يصطادون الركاب مابين الصاعد والنازل عسى أحدهم يجود عليهم بقطعة نقدية·
في حين اختارت العجائز من الغجر التونسيين مهنة أخرى وهي التنجيم أو قراءة الكف، مستغلين في ذلك سذاجة بعض النسوة علهن يتمكن معرفة المستقبل الذي لا يمكن أن يعرفه غير الخالق عزوجل، فقد كن يتجولن في الأحياء السكنية ويطرقن أبواب الشقق حينها يتلاعبن بعواطف ربات البيوت ويستدرجهن بالحديث حتى تبسط الزبون راحة كفها، ومن ثمة تخدعها الغجرية بكلمة أو بعبارة أصح بكذبة تسر قلبها وخاطرها، ومن ثمة تنال الغجرية مرادها وتحظى بمبلغ من المال·

يرفضون الخروج من العاصمة
سنة 1983 زار القنصل التونسي حي الرملي وبالضبط مكان إقامة الغجر وبما أنهم يعدون من البدو الرحل وفضلوا الإقامة بالجزائر، قام هذا الأخير بمساعدتهم من خلال ترحيلهم إلى منطقة واد عيسى الواقعة بولاية تيزي وزو، أين جهزت القنصلية التونسية لهؤلاء مكانا للإقامة بعيدا عن قاذورات حي الرملي، إلا أن هؤلاء الغجر رفضوا عملية الترحيل، فبعد مدة من ترحيلهم عادوا إلى الحي وإلى أكواخهم القديمة، فالحياة لم ترقهم بولاية تيزي وزو لأن الكثافة السكانية هناك قليلة مقارنة بالكثافة السكانية الموجودة بالجزائر العاصمة وبالتالي فإن التسول هناك لن يوفر لهم الربح المعتاد·
وبعد مرور السنين كبروا أبناء هذه الفئة من الغجر واندمجوا وسط المجتمع الجزائري، بالإضافة إلى هذا فقد ولد العديد من أبنائهم بأرض هذا الوطن الحبيب مما جعلهم يلبسون الثوب الجزائري، وبذلك أصبحت حياتهم مثل حيلة أي مواطن جزائري، وهو الأمر الذي دفع بالعديد منهم طلب سكن اجتماعي مثلهم مثل أي مقيم بالحي، وهو الأمر الذي اختلف بشأنه الكثيرون فهمنهم من يقول إن لهم الحق في الحصول على سكن لأن أبناءهم ولدوا بالجزائر وهذا يثبت أقدمية وجودهم هنا، بينما يرجح آخرون أنهم لن يستفدوا من السكن الاجتماعي لأن القنصلية التونسية هي المخولة للتكفل بهم، وللتحقق في الموضوع أكثر ربطت أخبار اليوم اتصالا هاتفيا بالسيد عز الدين بوغرة رئيس بلدية جسر قسنطينة لكن لم يجبنا ولم يوضح الانشغال·