تنشر "بوابة الوفد" نص كلمة المستشار ماهر سامى, نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا, أُثناء أداء الرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسي لليمن الدستورية اليوم الأحد أمام الجمعية العامة للمحكمة.

وجاءت الكلمة كالتالي:
باسم الإله الواحد ـ الذى نعبده جمعياً ـ وهو حق وعدل، وخير وسلام، ورحمة ومحبة.

باسم هذا الوطن العظيم ـ مصرَنا الغالية ـ الذى لا نكاد نحس قداسته إلا بعد أن يضيع منا، فنُفيقَ من غفوتنا، ونبدأَ نرتاع ونلتاع، وتتوه خطانا، نركض فى كل اتجاه بحثاً عن الوطن المفقود، ونكتشفُ أن الوطن تسرب من بين أيدينا، انسياب الماء من بين الأصابع، وأن أديمها قد تشقق من لفحات الهجير، وصفرت راحاتُنا من أثر لوطن، ما عاد هنالك وطن، حتى أعلن البعضُ وفاته ـ لكن مصرَ أبداً لا تموت.

باسم الشعب المصرى ـ الذى لم يدرك البعضُ قدرَه بحق فأسقطه من حسابه زمناً طويلاً، وظنه غافلاً أو غافياً أو عاجزاً أو يائساً، بعد أن طال صبرُه، وصمتُه، فإذ بالمارد ينتفض ثائراً هادراً تتفجر عروقُه بالغضب والتمرد والرفض متوهجاً بالعزيمة والإصرار أن يسترد الوطن الغائب ويستعيدَ له كرامتَه وكبرياءَه وكيانَه.

باسم أرواح الشهداء التى تُطلِ علينا فى هذه اللحظة من عليائها فى السماء، وتحلق فوقنا تصوب عيونها نحونا بنظرات وادعة تسكنها الغبطة والرضا بما قدمته لمصر ـ هذه التى امتزجت دماؤها الذكية بتراب أرضها الطاهرة فمات أصحابُها كى تحيا مصر، ونعيشُ نحن، بعد أن حفروا لنا فى الزمن الآتى يوماً مشهوداً جئنا اليوم لنحتفلَ بهِ معاً.

أيها السادة:
تشهد المحكمة الدستورية العليا يوماً خالداً فى تاريخها تَجرى فيه مراسمُ أداء اليمين الدستورية للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسي الذى حظي بإجماع الشعب المصرى، وحاز ثقتَه واجتمعت إرادتُه على اختياره رئيساً للبلاد.

"يقول المستشار الجليل الراحل الدكتور عوض المرّ، رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق، الذى تحمل القاعة التى نجلس فيها الآن اسمه، فى إحدى مدوناته الرفيعة عن ثوابت المبادئ الدستورية: إذا لم تُوِفّق الثورةُ أوضاعَها مع المفاهيم والقيم الدستورية، وظل نشاطُها ومناهجُها فى العمل تعبيراً عن توحِشها من خلال السلطة التى تستبد بها، وبنقضها ما توقعه الشعب منها، فإن طاعتها لا تكون واجبةً عليه، وإنما يكون له الحقُ فى التمرد عليها، وعصيانها، وإزاحتها عن مقاعد السلطة لضمان حقوقه التى تكفلها النظمُ الديمقراطية" وتلك هى "الثورة على الثورة".

إن الذى وقع فى 30 يونيه نموذجُ حى يُجسّد ما تحدَّثَ عنه شيخ القضاء الدستورى الراحل، ذلك أن الشعوب لا تمنح بيعة أبدية، ولا شرعية أبدية لحكامها ولا تفويضاً مفتوحاً لأحد منهم.

لقد استطاعت ثورة 25 يناير المجيدة أن تهِزَّ أركانَ النظام السابق وتدك عروشه، وقلاعه المتصدعة المتهاوية وترسم ملامح جديدة لوجه الحياة فى مصر، لكن أصحابها لم يمكثوا طويلاً فى الميدان فرحلوا عنه بعد أن تفرقت بهم السبل، وقبل أن يحققوا ما ثاروا من أجله فوقعت الثورة أسيرة فى قبضة جماعة انقضت عليها، وفتكت بها ومزقتها أشلاء مثل ما مزقت الوطنَ كلَّه.

لم تكن ثورة 30 يونيه مغامرة أوحت بها دَفقة انفعالات وطنية جارفة، ولا هى انقلاب عسكري، كما روج بعض المرجفين، ولكنها ثورةُ شعب ضاق بما حلّ به من خراب، وتعرض له من غدر وظلم وحكم جائر ـ حتى لم يبق فى قوس الصبر منزع.

فى لحظة الخطر الداهم الذى ألمّ بالوطن وهدده بالسقوط ينذر بدماره بعد أن تطايرت إليه شراراتُ لهيب الفتنة وشرورُ أعداء الوطن احتضن الجيش الشعب مصغياً لدقات قلوب المصريين التى احترقت بزفرات الغضب والألم، فخفق قلب القائد وجنوده متوحداً مع نبض الجماهير، وانصهر الشعب والجيش فى سبيكة واقية تزيح أمامها القهر والاستبداد.

هذا هو 30 يونيه الذى نقطف اليوم إحدى ثماره فى هذا الاحَتفال.

أيها السادة ـ يعود إلينا فى أوبة ظافرة سالمة القاضى الجليل عدلى منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا، وإلى مقعده على المنصة العالية الشامخة التى وهبها سنواتِ عمرهِ كلَّها، تحف به أنبلُ مشاعرِ الحب، والعرفان، والتقدير التى يحملها المصريون لهذا الرجل المحترم بكل ما تُشيعه هذه الكلمة من معانٍ.

وهذا القاضى الفاضل العادل الذى افتقدته المحكمة ـ فقد أوحشتنا بحق ـ بعد غياب ما يربو على العام لم تضن به المحكمة الدستورية على الوطن حين منحه ثقته، واختصه بمهمة تاريخية مقدسة فى فترة من أصعب فترات نضاله، وكلفه بأدائها، فى وقت كانت المحكمة فى أشد الحاجة إلى وجوده فيها، لكن حاجةَ الوطن إليه كانت مصيرية، ولا أريد أن يسرقنى الحديث فأَزيد حتى لا أقع فى دائرة المحاذير الشائكة، خصوصاً عندما يكون الكلام عن زميل عزيز، وأخ كريم، وصديق نبيل نعتز بصداقته جميعاً.

سيدى رئيس الجمهورية

أيها الجندى الثائر، ابنَ مصرَ البار، فقد اخترت الوقوف إلى جانب شعبك عندما لاذ بك، تصد عنه غائلة العدوان الغادر، متحملاً مخاطر ومهالك هذا الاختيار المصيرى فى سبيل إنقاذ الوطن ونجاة شعبه.

وحفظ لك هذا الشعبُ بامتنان موقفكَ الجسورَ الفدائى والتف حولك، واحتمى بك، وتوسم فيك الأمل فى ميلاد جديد للوطن، وأعطاك ثقته الغالية بمشيئة حرة، وإرادة مستقلة، واختيار طليق كى تمضىَ معه تستكمل تحقيق حلمه فى مستقبل أوفرَ حرية وأعز كرامة وأكثر عدلاً وأمناً ورخاءً.

تحيةُ شكر وعرفان، وتهنئة بالثقة الغالية التى أولاكم الشعب إياها، ودعوة صادقة إلى المولى ـ جلّ جلاله ـ أن يمنحكم التوفيق، وينعم عليكم بالصحة والسلامة، ويلهمكم الرشاد والسداد، ويبارك جهودكم الوطنية المخلصة من أجل رفعة مصر ـ وطناً وشعباً.

حفظ الله مصر، وحمى شعبها، ووقى الاثنين شر الفتن والدسائس، وجنبها بغى الظلم والظالمين، إنه نعم المجيب.