عن أبي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بن عمرو الأَنْصَارِيّ البَدْرِيّ رضي اللهُ عنه قال : قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مما أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوةِ الأولى: إِذا لمْ تَسْتَحْي فاصْنَعْ ما شِئْتَ". رواه رواه البخاري.



أهمية الحديث:

إذا كان معنى الحياء امتناع النفس عن فعل ما يعاب، وانقباضها من فعل شيء أو تركه مخافة ما يعقبه من ذم، فإن الدعوة إلى التخلق به وملازمته إنما هي دعوة إلى الامتناع عن كل معصية وشر، وإلى جانب ذلك فإن الحياء خصلة من خصال الخير التي يحرص عليها الناس، ويرون أن في التجرد عنها نقصاً وعيباً، كما أنه من كمال_الإيمان وتمامه.

مفردات الحديث:

"من كلام النبوة": مما اتفق عليه الأنبياء، ومما ندب إليه الأنبياء.

"فاصنع ما شئت": صيغة الأمر هنا: إما أن تكون على معنى التهديد والوعيد، والمعنى : إذا نُزِعَ منك الحياء فافعل ما شئت فإنك مجازى عليه. وإما أن تكون على معنى الإباحة، والمعنى : إذا أردت فعل شيء وكان مما لا تستحي من فعله أمام الله والناس فافعله.

معنى الحديث:

"فاصنع ما شئت". أمرٌ بمعنى التهديد والوعيد، فكأنه صلى الله عليه وسلم يقول: إذا لم يكن عندك حياء فاعمل ما شئت، فإن الله سيجازيك أشد الجزاء، وقد ورد مثل هذا الأمر في القرآن الكريم خطاباً للكفار {اعملوا ما شئتم} [فصلت: 40].

الحياء نوعان:

أحدهما الحياء الفطري: وهو ما كان خَلْقاً غير مكتسب، يرفع من يتصف به إلى أَجَلِّ الأخلاق، التي يمنحها الله لعبد من عباده ويفطره عليها، والمفطور على الحياء يكف عن ارتكاب المعاصي والقبائح ودنيء الأخلاق، ولذا كان الحياء مصدر خير وشعبة من شعب الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: "الحياء شعبة من شعب الإيمان".

وثانيهما الحياء المكتسب: وهو ما كان مكتسباً من معرفة الله ومعرفة عظمته وقربه من عباده، واطلاعه عليهم، وعلمه سبحانه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، والمسلم الذي يسعى في كسب وتحصيل هذا الحياء إنما يحقق في نفسه أعلى خصال الإيمان وأعلى درجات الإحسان.

وإذا خلت نفس الإنسان من الحياء المكتسب، وخلا قلبه من الحياء الفطري، لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح والدنيء من الأفعال، وأصبح كمن لا إيمان له من شياطين الإنس والجن.

ما يذم من الحياء: عندما يكون الحياء امتناع النفس عن القبائح والنقائص فإنه خُلُقٌ يُمدح في الإنسان، لأنه يكمل الإيمان ولا يأتي إلا بخير، أما عندما يصبح الحياء زائداً عن حده المعقول فيصل بصاحبه إلى الاضطراب والتحير، وتنقبض نفسه عن فعل الشيء الذي لا ينبغي الاستحياء منه، فإنه خلق يذم في الإنسان، لأنه حياء في غير موضعه، وخجل يحول دون تعلم العلم وتحصيل الرزق، وقد قيل: حياء الرجل في غير موضعه ضعف. فإن الحياء الممدوح الذي يحث على فعل الجميل وترك القبيح، فأما الضعف والعجز الذي يوجب التقصير في شيء من حقوق الله أو حقوق عباده فليس هو من الحياء، فإنما هو ضعف وخَوَر.

تتزين المرأة المسلمة بالحياء، وتشارك الرجل في إعمار الأرض وتربية الأجيال بطهارة الفطرة الأنثوية السليمة، فالفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم، ولكنها لطهارتها واستقامتها لا تضطرب، الاضطرابَ الذي يطمع ويغري ويهيج، إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب ولا تزيد.

أما المرأة التي توصف في زماننا بالاسترجال والسفور والتبرج والاختلاط بالرجال الأجانب من غير ضرورة شرعية، فهذه لم تَتَرَبَّ في مدرسة القرآن والإسلام، واستبدلت بالحياء وطاعت الله تعالى وقاحة ومعصية وفجوراً.

ثمرات الحياء: من ثمرات الحياء العفة، فمن اتصف بالحياء حتى غلب على جميع أفعاله، كان عفيفاً بالطبع لا بالاختيار.

واجب الآباء والمربين: إن واجب الآباء والمربين في المجتمع المسلم أن يعملوا جاهدين على إحياء خلق الحياء، وأن يسلكوا في سبيل ذلك الطرق التربوية المدروسة، والتي تشمل مراقبة السلوك والأعمال الصادرة من الأطفال وتقويم ما يتناقض مع فضيلة الحياء، واختيار الرفاق الصالحين وإبعاد رفاق السوء، والتوجيه إلى اختيار الأطفال للكتب المفيدة، وإبعادهم عن مفاسد الأفلام والمسرحيات الهزلية، والكلمات السوقية.

ما يستفاد من الحديث : يرشدنا إلى أن الحياء خير كله، ومن كثر حياؤه كثر خيره، ومن قل حياؤه قل خيره. لا حياء في تعليم أحكام الدين، ولا حياء في طلب الحق.