بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عقيدة المسلم
إن شرف العلم من شرف المعلوم، ولما كان موضوع العقيدة هو العلم بالله - جل وعلا - والإيمان به وبما أخبر به من أمور الغيب كان العلم بها ومعرفتها شرفا عظيما للمسلم. فالعلم بها أصل مخافة الله وخشيته واصل توقيره وعبادته، وعليها مدار النجاح والفلاح، إذ أنها تحفظ صاحبها من الوقوع في الشرك والكفر الموجب لحبوط الأعمال. قال - تعالى -: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون وقال - سبحانه وتعالى -: (ما كان للمشركين إن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) قال - تعالى -: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). النساء 48.
وفي هذه الكلمة نتطرق إن شاء الله لأهم أصول المعتقد. ونذكر من ذلك ما تيسر جمعه مما لا ينبغي للمسلم جهله، ونسال الله - جل وعلا - ان يجعل ذلك في ميزان الحسنات وان يجعله خالصا لوجهه الكريم.
أولا: أصول الإيمان:
أصول الاعتقاد ستة وعن هذه الأصول تتفرع كل قضايا العقيدة مما ينبغي الإيمان به. وهذه الأصول هي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. ويدل عليها قول الله - جل وعلا -: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) البقرة: 285).
وما رواه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ان جبريل - عليه السلام - سال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان فقال له: " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ".
أولا: الإيمان بالله: وهو الاعتقاد الجازم بان الله رب كل شيء ومليكه وانه الخالق وحده والمدبر الكون كله وانه هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له وان كل معبود سواه فهو باطل وعبادته باطلة قال - تعالى -: (ذلك بان الله هو الحق وان ما يدعون من دونه هو الباطل وان الله هو العلي الكبير). الحج: 62) وانه - سبحانه - متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال ومنزه عن كل نقص وعيب.
فالإيمان بالله يتضمن الإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. فهو متضمن للتوحيد بأقسامه ومتضمن لمعاني كلمة التوحيد (لا اله إلا الله) وأقسام التوحيد ثلاثة هي:
1. توحيد الربوبية: وهو الإقرار الجازم بان الله وحده رب كل شيء ومليكه وانه الخالق للعالم، المحيي المميت الرزاق ذو القوة المتين لم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل لا راد لأمره ولا معقب لحكمه ولا مضاد له، ولا مماثل ولا سمي ولا منازع له في شيء من معاني ربوبيته. والأدلة على ربوبية الله كثيرة في كتاب الله من ذلك قول الله - جل وعلا -: (ذلكم الله ربكم له الملك) فاطر: 13) وقول الله - جل وعلا -: (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء - سبحانه وتعالى - عما يشركون) الروم: 40) وقول الله - جل وعلا -: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الذاريات: 58).
2. توحيد الإلوهية: وهو إفراد الله - تعالى -بجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة قولا وعملا ونفي العبادة عن كل من سوى الله - تعالى -كائنا من كان ويدخل في توحيد الإلوهية جميع أنواع العبادة الصادرة عن تأله القلب لله بالحب والخضوع والانقياد له وحده لا شريك له فيجب أفراد الله بها كالدعاء والخوف والمحبة والتوكل والإنابة والتوبة والذبح والنذر والسجود وجميع أنواع العبادة فيجب صرف جميع ذلك لله وحده لا شريك له. فمن صرف شيئا مما لايصلح إلا لله من العبادات لغير الله فهو مشرك لم يحقق توحيد الألوهية، إذ لم يعمل بمقتضياته من التوحيد والإخلاص. والأدلة على توحيد الألوهية كثيرة منها قول الله - جل وعلا -: (فاعبده وتوكل عليه) هود: 123) وقوله - تعالى -: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) النساء 36) وقوله - تعالى -: (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون) الذاريات: 56) وقوله: ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) الإسراء 39). وغالب القرآن العظيم إنما انزل في هذا الأصل العظيم. وقد دلت كثير من نصوص القرآن على أن صرف أي نوع من العبادات لغير الله شرك. قال - تعالى -(فلا تخافوهم و خافون إن كنتم مؤمنين) آل عمران: 175) وقال - تعالى -: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعباده ربه أحدا) الكهف: 110) وقال - تعالى -: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغب و رهبا وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء: 90) الأنبياء: 90
فالإيمان بإلوهية الله يقتضي الإيمان بما شرعه الله - سبحانه - و أوجبه وفرضه على عبادة من شهادة أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا وجميع أنواع العبادات والأخرى التي دل عليها الكتاب والسنة. ينبغي صرفها جميعا لله وحد لا شريك له وهذا هو مقتضى لا إله إلا الله.
3. توحيد الأسماء والصفات: وهو الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه أو وصفه رسول - صلى الله عليه وسلم -. من الأسماء الحسنى والصفات العلى وإمرارها كما جاءت على الوجه اللائق به - سبحانه وتعالى -.
ومن أدلته قول الله - جل وعلا -: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). الشورى: 11. وقول الله - جل وعلا - (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) الأعراف: 180.
يجب إجراء نصوص الكتاب والسنة في الأسماء والصفات على ظاهره وحملها على حقيقتها اللائقة بالله - عز وجل - من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف لا تمثيل بل يجب أن تمر كما جاء بلا كيف مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف الله - عز وجل - فيجب وصفه بها على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته، كما قال - تعالى -: (فلا تضربوا لله الأمثال أن الله يعلم وانتم لا تعلمون) النحل 74.
وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسان.
قال الوليد بن مسلم - رحمه الله -: - " سئل مالك والأوزاعي والليث بن سعد وسفيان يالثوري - رحمهم الله - عن الأخبار الواردة في الصفات فقالوا جميعا: أمروها جميعا بلا كيف ".
وقال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري: " من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه ". وينبغي للمسلم ان يحذر من تعطيل اسماء الله وصفاته او تحريفها أو تكييفها أو تفويضها أو تمثيلها بصفات المخلوقين. والتعطيل هو: إنكار ما يجب لله - تعالى -من الأسماء والصفات أو إنكار بعضه.
والتحريف هو: صرف الصفات عن ظاهرها بلا دليل. والتكييف هو: حكاية كيفية صفات الله بالقلب أو باللسان كان يقول يد الله كذا وكذا.
والتفويض هو: الحكم بان معاني نصوص الصفات مجهولة غير معلومة وان الله وحده الذي يعلمها.
والتمثيل هو: اعتقاد صفات الله مثل صفات المخلوقين. وقد اشتملت أقسام التوحيد الثلاثة على معنى لا اله إلا الله فان معناها: لا معبود بحق إلا الله.
ولا يمكن تحقيق هذا المعنى إلا إذا أتى العبد بشروط لا اله إلا الله، وشروطها ثمانية وهي:
1. العلم: ودليله قول الله - جل وعلا -: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) (محمد: 19) وقول الله - جل وعلا -: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) الزخرف: 86.
ومن السنة: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من مات وهو يعلم انه لا إله إلا الله دخل الجنة " رواه مسلم.
2. اليقين: ودليله قوله - تعالى -: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) الحجرات: 15. فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا أي لم يشكوا. ومن السنة قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أشهد أن لا اله إلا الله وإني وسول الله لا يلقى الله بهما عند غير شاك فيهما إلا دخل الجنة " رواه مسلم).
3. القبول: ودليله قول الله - جل وعلا -: (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون * فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين) الزخرف: 23 25 . ومن السنة ما ثبت في الصحيح عن أبي موسى - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ".
4. الإخلاص: ودليله قوله - تعالى -: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة: 5. ومن السنة ما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اسعد الناس بشفاعتي من قال: لا اله إلا الله خالصا من قلبه (أو نفسه).
5. الصدق: قال - تعالى -: (الم * احسب الناس إن يتركوا إن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) العنكبوت: 1 3 .
ودليل من السنة: ما ثبت في الصحيحين عن معاذ بن جبل - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " ما من أحد يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صادقا من قلبه إلا حرمه الله على النار ".
6. المحبة: ودليلها قول الله - جل وعلا -: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله) البقرة: 165.
ودليلها من السنة ما ثبت في الصحيح عن أنس - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وان يحب المرء لا يحبه إلا الله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ".
7. الانقياد: ودليله قول الله - جل وعلا -: (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) لقمان: 22.
8. الكفر بما يعبد من دون الله: ودليله قول الله - جل وعلا -: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) البقرة: 256. ومن السنة قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه " رواه مسلم.
ثانيا: الإيمان بالملائكة: والإيمان بهم يكون مجملا ويكون مفصلا فنؤمن بمن سمى الله - جل وعلا - من ملائكته على وجه التفصيل، ونؤمن على وجه الإجمال بأن الملائكة هم خلق الله خلقهم لطاعته وعبادته، وهم عباد مكرمون لا يسبقون بالقول وهم بأمره يعملون.
وهم محجوبون عنا فلا نراهم وهم أصناف كثيرة ولهم أعمال كلفهم ربهم بها فمنهم حمله العرش ومنه خزنة جهنم ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد، ومنهم جبريل الموكل بالوحي ومنهم ميكائل الموكل بالمطر والنبات، ومنه اسرافيل الموكل بالنفخ في الصور حين الصعق والنشور. ومنهم ملك الموت الموكل بقبض الأرواح عند الموت. ومنهم ملك الجبال الموكل بها ومنهم ملائكة موكلون بالأجنة في الأرحام وآخرون موكلون بحفظ بني ادم ومنهم موكلون بسؤال الميت بعد دفنه.
وهم مخلوقون من نور كما ثبت في الصحيح عن عائشة -رضى الله عنها-، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق ادم مما وصف لكم ".
ثالثا: الإيمان بالكتب: والمراد بها: الكتب التي أنزلها الله - تعالى -على رسله رحمة للخلق وهداية لهم ليصلوا بها إلى سعادة الدنيا والآخرة. قال - تعالى -: (لقد أرسلنا رسلنا بالبنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) الحديد: 25 . ويجب الإيمان إجمالا بان الله - سبحانه - قد أنزل كتبا على أنبيائه ورسله لبيان حقه والدعوة إليه. ونؤمن على سبيل التفصيل ورسله لبيان حقه والدعوة إليه. ونؤمن على سبيل التفضيل بما سمى الله منها كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم. كما يجب تصديق ما صح من إخبارها كأخبار القرآن وأخبار ما لم يبدل، أو يحرف من الكتب السابقة، ويجب العمل بما لم ينسخ منها والرضا والتسليم به سواء فهمنا حكمته أم نفهمها وأن القرآن هو أفضلها وخاتمتها والمهيمن عليها والمصدق لها. قال - تعالى -: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) الأنعام: 155 .
رابعاً: الإيمان بالرسل : ويجب الإيمان بهم على وجه الأجمال وان الله - سبحانه وتعالى - أرسل إلى عباده رسلا منهم مبشرين ومنذرين قال - تعالى -: (ولقد بعثنا في كل امة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل: 36 وقال - سبحانه وتعالى -: (ما كان محمد أبا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) الأحزاب، 40) وممن سمى الله - جل وعلا - من الأنبياء والرسل نوح - عليه السلام - هو أولهم وإبراهيم وموسى وعيسى وأيوب ويونس ولوطا وزكريا ويحيى واليان وإدريس عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. قال - تعالى -: أنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) النساء 163).
ويجب الإيمان بان هؤلاء الرسل عليهم صلوات الله وسلامه هم بشر مخلوقون، وعبيد من عباده الله أكرمهم الله - تعالى -بالرسالة فليس لهم من خصائص الربوبية شيء ولا يعلمون الغيب قال - تعالى -عن نوح وهو أولهم: (قل لا أقول كلم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا أقول لكم أني ملك) الأنعام: 50 وأمر الله - تعالى - محمد ا وهو أخرهم أن يقول (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا أقول لكم أني ملك). الأنعام 50) وان يقول: (لا ملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) الأعراف: 188).
خامساً: الإيمان باليوم الآخر: والإيمان باليوم الآخر يشمل الإيمان بما أخبر الله - جل وعلا - به من فتنة القبر وأحواله وأحوال القيامة وما فيها من الحساب والصراط والميزان ونشر الصحف بين الناس، والإيمان بالجنة ونعيمها وما اعد الله فيها لعبادة الصالحين والإيمان بالنار وجحيمها وما أعده للعصاة والكفار فيها من السعير والسلاسل والأغلال والأصفاد والأنكال وسائر ألوان العذاب الثابتة، فيجب الإيمان بتلك الأحوال كلها على الوجه الذي بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودل عليه كتاب الله - جل وعلا -.
سادسا: الإيمان بالقدر خيره وشره: ويتضمن الإيمان بالقدر أمورا أربعة وهي:
1. إن الله - سبحانه وتعالى - علم ما كان وما يكون وعلم أحوال عباده وأرزاقهم وأحالهم وجميع شؤونهم فهو - سبحانه - لا يخفى عليه شيء: (إلا يعلم من خلق هو اللطيف الخبير) الملك: 14 .
2. كتابته - سبحانه - لكل ما قدره وقضاه كما قال - سبحانه -: (وكل شيء أحصيناه في أمام مبين) يس: 12
3. الإيمان بمشيئته النافذة فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن كما قال - سبحانه -: (إن الله يفعل ما يشاء) الحج: 18).
4. خلقه - سبحانه - لجميع المخلوقات فلا خالق غيره ولا رب سواه كما قال - سبحانه -: ( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ) (الزمر: 62). فهذه هي أصول الإيمان فلا يصح إيمان المرء إلا باعتقادها والعمل بها. فان الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
ثانيا أصل الدين:
فإذا عرفت هذا فاعلم أن أصل الدين وقاعدته أمران:
الأول: الأمر بعبادة الله وحده لاشريك له والتحريض على ذلك والموالاة فيه وتكفير من تركه.
الثاني: / الإنذار عن الشرك في عبادة الله، والتغليظ في ذلك والمعادة فيه وتكفير من فعله. ثالثا: نواقض الإسلام:
المسلم قد يرتد عن الإسلام بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل ماله ودمه ويكون بها خارجا عن الإسلام ومن أخطرها وأكثرها وقوعا عشرة نواقض وهي:
أولا: الشرك في عبادة الله:
قال - تعالى -: (أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء: 48). وقال - سبحانه - (انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) المائدة: 72).
الثاني: من جعل بينه ويبن الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم فقد كفر إجماعا.
الثالث: من لم يكفر المشركين أوشك في كفرهم أو صحح مذهبهم.
الرابع: من اعتقد ان هدي غير النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر.
الخامس: من ابغض شيئا مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم – ولو عمل به فقد كفر لقوله - تعالى -: (ذلك بأنهم كرهوا ما انزل الله فأحبط أعمالهم) محمد: 9).
السادس: من استهزأ بشي ء من دين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو ثوابه أو عقابه كفر. والدليل قوله - تعالى -: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذر قد كفرتم بعد إيمانكم أن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين). التوبة: 65 66).
السابع: السحر ومنه الصرف والعطف فمن فعله أو رضى به كفر والدليل قوله - تعالى -: (وما يعلمان من احد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) البقرة: 102).
الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله - تعالى -: (ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين. ) المائدة: 51).
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر لقول الله - تعالى -: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران 85).
العاشر: الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به والدليل قوله - تعالى -(ومن اظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم اعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون) السجدة 22).
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازي والجاد والخائف إلا المكره.
رابعاً: أقسام الشرك:
وأقسام الشرك ثلاثة: شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي.
أولا: الشرك الأكبر: وهو موجب لحبوط الأعمال والخلود في النار لمن مات عليه، كما قال - تعالى -: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) الأنعام: 88) وقال - سبحانه - (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) التوبة: 17.
ومن أنواعه دعاء الأموات والأصنام والاستغاثة بهم والخوف منهم والتوكل عليهم والرجاء فيهم والنذر لهم والذبح لهم ونحو ذلك من العبادات التي لا ينبغي أن تصرف إلا لله.
ثانيا: الشرك الأصغر: وهو ما ثبت النصوص من الكتاب او السنة تسميته شركا ولكنه ليس من جنس الشرك الأكبر، كالرياء في بعض الأعمال والحلف بغير الله وقول: ما شاء الله وشاء فلان ونحو ذلك لقول النبي " - صلى الله عليه وسلم - " " أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " فسل عنه فقال "الرياء " رواه احمد وإسناده جيد. وقوله - صلى الله عليه وسلم - " من حلف بشيء دون الله فقد أشرك " رواه احمد بإسناد صحيح.
ثالثا: الشرك الخفي: ودليله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " إلا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ " قالوا بلى يا رسول الله قال: " الشرك الخفي يقول الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه " رواه احمد.
خامسا أقسام الكفر:
والكفر قسمان:
الأول كفر يخرج من الملة، وهو خمسة أنواع: الأول: كفر التكذيب والدليل - تعالى -: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين) العنكبوت: 68
الثاني كفر الآباء والاستكبار مع التصديق: ودليله قوله - تعالى -: (وإذ قلنا لملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبي واستكبر وكان من الكافرين) البقرة: 34.
الثالث: كفر الشك: ودليله: قوله - تعالى -: (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا * وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا * قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي احد *) الكهف: 35: 38).
الرابع: كفر الإعراض: ودليله قوله - تعالى -: (ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق واجل مسمى والذين كفروا عما انذروا معرضون) الأحقاف: 3.
الخامس: كفر النفاق: ودليله قوله - تعالى -: (ذلك بأنهم امنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) المنافقون: 3
الثاني: كفر اصغر لا يخرج من الملة وهو كفر النعمة ودليله قوله - تعالى -: (وضرب الله مثلا قرية كانت أمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) النحل: 112).
سادسا: أنواع النفاق:
النفاق نوعان: اعتقادي وعملي.
النفاق الاعتقادي: ستة أنواع وصاحبها في الدرك الأسفل من النار.
الأول: تكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: تكذيب بعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
الثالث: بغض الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
الرابع: بغض بعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
الخامس: المسرة بانخفاض دين الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
السادس: الكراهية بانتصار دين الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
النفاق العملي: خمسة أنواع ودليلها قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
" آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان " وفي رواية: وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر"
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عقيدة المسلم
إن شرف العلم من شرف المعلوم، ولما كان موضوع العقيدة هو العلم بالله - جل وعلا - والإيمان به وبما أخبر به من أمور الغيب كان العلم بها ومعرفتها شرفا عظيما للمسلم. فالعلم بها أصل مخافة الله وخشيته واصل توقيره وعبادته، وعليها مدار النجاح والفلاح، إذ أنها تحفظ صاحبها من الوقوع في الشرك والكفر الموجب لحبوط الأعمال. قال - تعالى -: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون وقال - سبحانه وتعالى -: (ما كان للمشركين إن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) قال - تعالى -: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). النساء 48.
وفي هذه الكلمة نتطرق إن شاء الله لأهم أصول المعتقد. ونذكر من ذلك ما تيسر جمعه مما لا ينبغي للمسلم جهله، ونسال الله - جل وعلا - ان يجعل ذلك في ميزان الحسنات وان يجعله خالصا لوجهه الكريم.
أولا: أصول الإيمان:
أصول الاعتقاد ستة وعن هذه الأصول تتفرع كل قضايا العقيدة مما ينبغي الإيمان به. وهذه الأصول هي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. ويدل عليها قول الله - جل وعلا -: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) البقرة: 285).
وما رواه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ان جبريل - عليه السلام - سال النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان فقال له: " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ".
أولا: الإيمان بالله: وهو الاعتقاد الجازم بان الله رب كل شيء ومليكه وانه الخالق وحده والمدبر الكون كله وانه هو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له وان كل معبود سواه فهو باطل وعبادته باطلة قال - تعالى -: (ذلك بان الله هو الحق وان ما يدعون من دونه هو الباطل وان الله هو العلي الكبير). الحج: 62) وانه - سبحانه - متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال ومنزه عن كل نقص وعيب.
فالإيمان بالله يتضمن الإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته. فهو متضمن للتوحيد بأقسامه ومتضمن لمعاني كلمة التوحيد (لا اله إلا الله) وأقسام التوحيد ثلاثة هي:
1. توحيد الربوبية: وهو الإقرار الجازم بان الله وحده رب كل شيء ومليكه وانه الخالق للعالم، المحيي المميت الرزاق ذو القوة المتين لم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل لا راد لأمره ولا معقب لحكمه ولا مضاد له، ولا مماثل ولا سمي ولا منازع له في شيء من معاني ربوبيته. والأدلة على ربوبية الله كثيرة في كتاب الله من ذلك قول الله - جل وعلا -: (ذلكم الله ربكم له الملك) فاطر: 13) وقول الله - جل وعلا -: (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء - سبحانه وتعالى - عما يشركون) الروم: 40) وقول الله - جل وعلا -: (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الذاريات: 58).
2. توحيد الإلوهية: وهو إفراد الله - تعالى -بجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة قولا وعملا ونفي العبادة عن كل من سوى الله - تعالى -كائنا من كان ويدخل في توحيد الإلوهية جميع أنواع العبادة الصادرة عن تأله القلب لله بالحب والخضوع والانقياد له وحده لا شريك له فيجب أفراد الله بها كالدعاء والخوف والمحبة والتوكل والإنابة والتوبة والذبح والنذر والسجود وجميع أنواع العبادة فيجب صرف جميع ذلك لله وحده لا شريك له. فمن صرف شيئا مما لايصلح إلا لله من العبادات لغير الله فهو مشرك لم يحقق توحيد الألوهية، إذ لم يعمل بمقتضياته من التوحيد والإخلاص. والأدلة على توحيد الألوهية كثيرة منها قول الله - جل وعلا -: (فاعبده وتوكل عليه) هود: 123) وقوله - تعالى -: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا) النساء 36) وقوله - تعالى -: (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون) الذاريات: 56) وقوله: ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) الإسراء 39). وغالب القرآن العظيم إنما انزل في هذا الأصل العظيم. وقد دلت كثير من نصوص القرآن على أن صرف أي نوع من العبادات لغير الله شرك. قال - تعالى -(فلا تخافوهم و خافون إن كنتم مؤمنين) آل عمران: 175) وقال - تعالى -: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعباده ربه أحدا) الكهف: 110) وقال - تعالى -: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغب و رهبا وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء: 90) الأنبياء: 90
فالإيمان بإلوهية الله يقتضي الإيمان بما شرعه الله - سبحانه - و أوجبه وفرضه على عبادة من شهادة أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا وجميع أنواع العبادات والأخرى التي دل عليها الكتاب والسنة. ينبغي صرفها جميعا لله وحد لا شريك له وهذا هو مقتضى لا إله إلا الله.
3. توحيد الأسماء والصفات: وهو الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه أو وصفه رسول - صلى الله عليه وسلم -. من الأسماء الحسنى والصفات العلى وإمرارها كما جاءت على الوجه اللائق به - سبحانه وتعالى -.
ومن أدلته قول الله - جل وعلا -: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). الشورى: 11. وقول الله - جل وعلا - (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون) الأعراف: 180.
يجب إجراء نصوص الكتاب والسنة في الأسماء والصفات على ظاهره وحملها على حقيقتها اللائقة بالله - عز وجل - من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف لا تمثيل بل يجب أن تمر كما جاء بلا كيف مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف الله - عز وجل - فيجب وصفه بها على الوجه اللائق به من غير أن يشابه خلقه في شيء من صفاته، كما قال - تعالى -: (فلا تضربوا لله الأمثال أن الله يعلم وانتم لا تعلمون) النحل 74.
وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسان.
قال الوليد بن مسلم - رحمه الله -: - " سئل مالك والأوزاعي والليث بن سعد وسفيان يالثوري - رحمهم الله - عن الأخبار الواردة في الصفات فقالوا جميعا: أمروها جميعا بلا كيف ".
وقال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري: " من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه ". وينبغي للمسلم ان يحذر من تعطيل اسماء الله وصفاته او تحريفها أو تكييفها أو تفويضها أو تمثيلها بصفات المخلوقين. والتعطيل هو: إنكار ما يجب لله - تعالى -من الأسماء والصفات أو إنكار بعضه.
والتحريف هو: صرف الصفات عن ظاهرها بلا دليل. والتكييف هو: حكاية كيفية صفات الله بالقلب أو باللسان كان يقول يد الله كذا وكذا.
والتفويض هو: الحكم بان معاني نصوص الصفات مجهولة غير معلومة وان الله وحده الذي يعلمها.
والتمثيل هو: اعتقاد صفات الله مثل صفات المخلوقين. وقد اشتملت أقسام التوحيد الثلاثة على معنى لا اله إلا الله فان معناها: لا معبود بحق إلا الله.
ولا يمكن تحقيق هذا المعنى إلا إذا أتى العبد بشروط لا اله إلا الله، وشروطها ثمانية وهي:
1. العلم: ودليله قول الله - جل وعلا -: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) (محمد: 19) وقول الله - جل وعلا -: (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) الزخرف: 86.
ومن السنة: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من مات وهو يعلم انه لا إله إلا الله دخل الجنة " رواه مسلم.
2. اليقين: ودليله قوله - تعالى -: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) الحجرات: 15. فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يرتابوا أي لم يشكوا. ومن السنة قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أشهد أن لا اله إلا الله وإني وسول الله لا يلقى الله بهما عند غير شاك فيهما إلا دخل الجنة " رواه مسلم).
3. القبول: ودليله قول الله - جل وعلا -: (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون * فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين) الزخرف: 23 25 . ومن السنة ما ثبت في الصحيح عن أبي موسى - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ".
4. الإخلاص: ودليله قوله - تعالى -: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة: 5. ومن السنة ما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (اسعد الناس بشفاعتي من قال: لا اله إلا الله خالصا من قلبه (أو نفسه).
5. الصدق: قال - تعالى -: (الم * احسب الناس إن يتركوا إن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) العنكبوت: 1 3 .
ودليل من السنة: ما ثبت في الصحيحين عن معاذ بن جبل - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " ما من أحد يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صادقا من قلبه إلا حرمه الله على النار ".
6. المحبة: ودليلها قول الله - جل وعلا -: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله) البقرة: 165.
ودليلها من السنة ما ثبت في الصحيح عن أنس - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وان يحب المرء لا يحبه إلا الله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ".
7. الانقياد: ودليله قول الله - جل وعلا -: (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) لقمان: 22.
8. الكفر بما يعبد من دون الله: ودليله قول الله - جل وعلا -: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى) البقرة: 256. ومن السنة قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه " رواه مسلم.
ثانيا: الإيمان بالملائكة: والإيمان بهم يكون مجملا ويكون مفصلا فنؤمن بمن سمى الله - جل وعلا - من ملائكته على وجه التفصيل، ونؤمن على وجه الإجمال بأن الملائكة هم خلق الله خلقهم لطاعته وعبادته، وهم عباد مكرمون لا يسبقون بالقول وهم بأمره يعملون.
وهم محجوبون عنا فلا نراهم وهم أصناف كثيرة ولهم أعمال كلفهم ربهم بها فمنهم حمله العرش ومنه خزنة جهنم ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد، ومنهم جبريل الموكل بالوحي ومنهم ميكائل الموكل بالمطر والنبات، ومنه اسرافيل الموكل بالنفخ في الصور حين الصعق والنشور. ومنهم ملك الموت الموكل بقبض الأرواح عند الموت. ومنهم ملك الجبال الموكل بها ومنهم ملائكة موكلون بالأجنة في الأرحام وآخرون موكلون بحفظ بني ادم ومنهم موكلون بسؤال الميت بعد دفنه.
وهم مخلوقون من نور كما ثبت في الصحيح عن عائشة -رضى الله عنها-، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق ادم مما وصف لكم ".
ثالثا: الإيمان بالكتب: والمراد بها: الكتب التي أنزلها الله - تعالى -على رسله رحمة للخلق وهداية لهم ليصلوا بها إلى سعادة الدنيا والآخرة. قال - تعالى -: (لقد أرسلنا رسلنا بالبنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) الحديد: 25 . ويجب الإيمان إجمالا بان الله - سبحانه - قد أنزل كتبا على أنبيائه ورسله لبيان حقه والدعوة إليه. ونؤمن على سبيل التفصيل ورسله لبيان حقه والدعوة إليه. ونؤمن على سبيل التفضيل بما سمى الله منها كالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم. كما يجب تصديق ما صح من إخبارها كأخبار القرآن وأخبار ما لم يبدل، أو يحرف من الكتب السابقة، ويجب العمل بما لم ينسخ منها والرضا والتسليم به سواء فهمنا حكمته أم نفهمها وأن القرآن هو أفضلها وخاتمتها والمهيمن عليها والمصدق لها. قال - تعالى -: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون) الأنعام: 155 .
رابعاً: الإيمان بالرسل : ويجب الإيمان بهم على وجه الأجمال وان الله - سبحانه وتعالى - أرسل إلى عباده رسلا منهم مبشرين ومنذرين قال - تعالى -: (ولقد بعثنا في كل امة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل: 36 وقال - سبحانه وتعالى -: (ما كان محمد أبا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) الأحزاب، 40) وممن سمى الله - جل وعلا - من الأنبياء والرسل نوح - عليه السلام - هو أولهم وإبراهيم وموسى وعيسى وأيوب ويونس ولوطا وزكريا ويحيى واليان وإدريس عليهم جميعا صلوات الله وسلامه. قال - تعالى -: أنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده) النساء 163).
ويجب الإيمان بان هؤلاء الرسل عليهم صلوات الله وسلامه هم بشر مخلوقون، وعبيد من عباده الله أكرمهم الله - تعالى -بالرسالة فليس لهم من خصائص الربوبية شيء ولا يعلمون الغيب قال - تعالى -عن نوح وهو أولهم: (قل لا أقول كلم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا أقول لكم أني ملك) الأنعام: 50 وأمر الله - تعالى - محمد ا وهو أخرهم أن يقول (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا أقول لكم أني ملك). الأنعام 50) وان يقول: (لا ملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله) الأعراف: 188).
خامساً: الإيمان باليوم الآخر: والإيمان باليوم الآخر يشمل الإيمان بما أخبر الله - جل وعلا - به من فتنة القبر وأحواله وأحوال القيامة وما فيها من الحساب والصراط والميزان ونشر الصحف بين الناس، والإيمان بالجنة ونعيمها وما اعد الله فيها لعبادة الصالحين والإيمان بالنار وجحيمها وما أعده للعصاة والكفار فيها من السعير والسلاسل والأغلال والأصفاد والأنكال وسائر ألوان العذاب الثابتة، فيجب الإيمان بتلك الأحوال كلها على الوجه الذي بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودل عليه كتاب الله - جل وعلا -.
سادسا: الإيمان بالقدر خيره وشره: ويتضمن الإيمان بالقدر أمورا أربعة وهي:
1. إن الله - سبحانه وتعالى - علم ما كان وما يكون وعلم أحوال عباده وأرزاقهم وأحالهم وجميع شؤونهم فهو - سبحانه - لا يخفى عليه شيء: (إلا يعلم من خلق هو اللطيف الخبير) الملك: 14 .
2. كتابته - سبحانه - لكل ما قدره وقضاه كما قال - سبحانه -: (وكل شيء أحصيناه في أمام مبين) يس: 12
3. الإيمان بمشيئته النافذة فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن كما قال - سبحانه -: (إن الله يفعل ما يشاء) الحج: 18).
4. خلقه - سبحانه - لجميع المخلوقات فلا خالق غيره ولا رب سواه كما قال - سبحانه -: ( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ) (الزمر: 62). فهذه هي أصول الإيمان فلا يصح إيمان المرء إلا باعتقادها والعمل بها. فان الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.
ثانيا أصل الدين:
فإذا عرفت هذا فاعلم أن أصل الدين وقاعدته أمران:
الأول: الأمر بعبادة الله وحده لاشريك له والتحريض على ذلك والموالاة فيه وتكفير من تركه.
الثاني: / الإنذار عن الشرك في عبادة الله، والتغليظ في ذلك والمعادة فيه وتكفير من فعله. ثالثا: نواقض الإسلام:
المسلم قد يرتد عن الإسلام بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل ماله ودمه ويكون بها خارجا عن الإسلام ومن أخطرها وأكثرها وقوعا عشرة نواقض وهي:
أولا: الشرك في عبادة الله:
قال - تعالى -: (أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء: 48). وقال - سبحانه - (انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار) المائدة: 72).
الثاني: من جعل بينه ويبن الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم فقد كفر إجماعا.
الثالث: من لم يكفر المشركين أوشك في كفرهم أو صحح مذهبهم.
الرابع: من اعتقد ان هدي غير النبي - صلى الله عليه وسلم - أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر.
الخامس: من ابغض شيئا مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم – ولو عمل به فقد كفر لقوله - تعالى -: (ذلك بأنهم كرهوا ما انزل الله فأحبط أعمالهم) محمد: 9).
السادس: من استهزأ بشي ء من دين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو ثوابه أو عقابه كفر. والدليل قوله - تعالى -: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذر قد كفرتم بعد إيمانكم أن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين). التوبة: 65 66).
السابع: السحر ومنه الصرف والعطف فمن فعله أو رضى به كفر والدليل قوله - تعالى -: (وما يعلمان من احد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر) البقرة: 102).
الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله - تعالى -: (ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين. ) المائدة: 51).
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو كافر لقول الله - تعالى -: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) آل عمران 85).
العاشر: الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به والدليل قوله - تعالى -(ومن اظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم اعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون) السجدة 22).
ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازي والجاد والخائف إلا المكره.
رابعاً: أقسام الشرك:
وأقسام الشرك ثلاثة: شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي.
أولا: الشرك الأكبر: وهو موجب لحبوط الأعمال والخلود في النار لمن مات عليه، كما قال - تعالى -: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) الأنعام: 88) وقال - سبحانه - (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) التوبة: 17.
ومن أنواعه دعاء الأموات والأصنام والاستغاثة بهم والخوف منهم والتوكل عليهم والرجاء فيهم والنذر لهم والذبح لهم ونحو ذلك من العبادات التي لا ينبغي أن تصرف إلا لله.
ثانيا: الشرك الأصغر: وهو ما ثبت النصوص من الكتاب او السنة تسميته شركا ولكنه ليس من جنس الشرك الأكبر، كالرياء في بعض الأعمال والحلف بغير الله وقول: ما شاء الله وشاء فلان ونحو ذلك لقول النبي " - صلى الله عليه وسلم - " " أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " فسل عنه فقال "الرياء " رواه احمد وإسناده جيد. وقوله - صلى الله عليه وسلم - " من حلف بشيء دون الله فقد أشرك " رواه احمد بإسناد صحيح.
ثالثا: الشرك الخفي: ودليله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " إلا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ " قالوا بلى يا رسول الله قال: " الشرك الخفي يقول الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه " رواه احمد.
خامسا أقسام الكفر:
والكفر قسمان:
الأول كفر يخرج من الملة، وهو خمسة أنواع: الأول: كفر التكذيب والدليل - تعالى -: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين) العنكبوت: 68
الثاني كفر الآباء والاستكبار مع التصديق: ودليله قوله - تعالى -: (وإذ قلنا لملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبي واستكبر وكان من الكافرين) البقرة: 34.
الثالث: كفر الشك: ودليله: قوله - تعالى -: (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا * وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا * قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي احد *) الكهف: 35: 38).
الرابع: كفر الإعراض: ودليله قوله - تعالى -: (ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق واجل مسمى والذين كفروا عما انذروا معرضون) الأحقاف: 3.
الخامس: كفر النفاق: ودليله قوله - تعالى -: (ذلك بأنهم امنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) المنافقون: 3
الثاني: كفر اصغر لا يخرج من الملة وهو كفر النعمة ودليله قوله - تعالى -: (وضرب الله مثلا قرية كانت أمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) النحل: 112).
سادسا: أنواع النفاق:
النفاق نوعان: اعتقادي وعملي.
النفاق الاعتقادي: ستة أنواع وصاحبها في الدرك الأسفل من النار.
الأول: تكذيب الرسول - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: تكذيب بعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
الثالث: بغض الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
الرابع: بغض بعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
الخامس: المسرة بانخفاض دين الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
السادس: الكراهية بانتصار دين الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
النفاق العملي: خمسة أنواع ودليلها قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
" آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان " وفي رواية: وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر"