الصبر على البلاء و الشدة
ما يصيب المؤمن مصيبة حتى شوكة فما فوقها إلا حط اللَّه عنه بها خطيئة
عن عبد الله بن عباس، انه حدثه انه، ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يا غلام اني معلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك واذا سألت فلتسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الامة لو اجتمعوا على ان ينفعوك لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على ان يضروك لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الاقلام وجفت الصحف "
و عن علي كرم اللَّه وجهه أنه قال: أيها الناس احفظوا عني خمساً، احفظوا عني اثنتين واثنتين وواحدة.
ألا لا يخافنّ أحد منكم إلا ذنبه ولا يرجو إلا ربه، ولا يستحي منكم أحد إذا لم يعلم أن يتعلم ولا يستحي أحد منكم إن سئل وهو لا يعلم أن يقول لا أعلم.
واعلموا أن الصبر من الأمور بمنزلة الرأس من الجسد فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور
ثم قال رضي اللَّه تعالى عنه: ألا أدلكم على الفقيه كل الفقيه؟
قالوا بلى يا أمير المؤمنين
قال من لم يؤيس الناس من روح الله، ومن لم يقنط الناس من رحمة اللَّه تعالى، ومن لم يؤمن الناس من مكر الله، ومن لم يزين للناس معاصي الله، ولا ينزل العارفين الموحدين الجنة، ولا ينزل العاصين المذنبين النار حتى يكون الرب هو الذي يقضي بينهم، لا يأمنن خير هذه الأمة من عذاب الله، والله سبحانه وتعالى يقول: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّه إِلاَّ القَوْمُ الخَاسِرُونَ} ولا ييأس شرّ هذه الأمة من روح الله، والله عز وجل يقول: {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّه إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ}.
عن يزيد الرقاشي قال: إذا دخل الرجل القبر قامت الصلاة عن يمينه والزكاة عن شماله والبرّ يطل عليه، والصبر يحاجّ عنه يقول: دونكم صاحبكم فإن حججتم وإلا فأنا من ورائه: يعني إن استطعتم أن تدفعوا عنه العذاب وإلا أنا أكفيكم ذلك وادفع عنه العذاب، ففي هذه الأخبار دليل على أن الصبر أفضل الأعمال والله تعالى يقول {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
وروى عن أبي ورّاد عن محمد بن مسلمة يرفعه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم "
أن رجلاً قال يا رسول اللَّه : ذهب مالي وسقم جسمي،
فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم"لا خير في عبد لا يذهب ماله ولا يسقم جسمه إن اللَّه إذا أحب عبداً ابتلاه وإذا ابتلاه صبره"
وروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "إن الرجل لتكون له الدرجة عند اللَّه لا يبلغها بعمله حتى يبتلى ببلاء في جسمه فيبلغها بذلك".
وروى في الخبر "أنه لما نزل قوله تعالى {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}
قال أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه: يا رسول اللَّه كيف الفرح بعد هذه الآية؟
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: غفر اللَّه لك يا أبا بكر، ألست تمرض، أليس يصيبك الأذى أليس تنصب أليس تحزن؟فهذا مما تجزون به"
يعني أن جميع ما يصيبك يكون كفارة لذنوبك.
وروى عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: لما نزلت هذه الآية خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال: قد أنزلت علي آية هي خير لأمتي من الدنيا وما فيها، ثم قرأ هذه الآية {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}
ثم قال: إن العبد إذا أذنب ذنباً فتصيبه شدة أو بلاء في الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه تاليا".
و اعلم أخى الكريم أن العبد لا يدرك منزلة الأخيار، إلا بالصبر على الشدة والأذى، وقد أمر اللَّه تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالصبر فقال {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ}
وروى عن خباب بن الأرتّ رضي اللَّه تعالى عنه قال"
أتينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو متوسد بردائه في ظل الكعبة فشكونا إليه..
فقلنا يا رسول اللَّه ألا تدعو اللَّه ألا تستنصر اللَّه لنا
فجلس محمراً لونه ثم قال: " إن من كان قبلكم كان ليؤتى بالرجل فيحفر له في الأرض حفرة ويجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه".
وروى عن حميد عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال "يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الأرض فيغمس في النار غمسةً فيخرج أسود محترقاً
فيقال له: هل مرّ بك نعيم قط إذ كنت فيها؟
فيقول لا لم أزل في هذا البلاء منذ خلقني،
ويؤتى بأشد أهل الدنيا بلاء فيغمس في الجنة غمسه: يعني يدخل فيها ساعة، فيخرج كأنه القمر ليلة البدر،
فيقال له هل مر بك شدة قط
فيقول لا لم أزل في هذا النعيم منذ خلقني".
وروى عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "أوّل من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون اللَّه على السراء والضراء".
فالواجب على العبد أن يصبر على ما يصيبه من الشدة ويعلم أن ما دفع اللَّه عنه من البلاء أكثر مما أصابه ويحمد اللَّه تعالى على ذلك، وينبغي للعبد أن يقتدي بنبيه صلى اللَّه عليه وسلم وينظر إلى صبره على أذى المشركين
عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: "شكا نبيٌ من الأنبياء إلى ربه فقال : يا رب العبد المؤمن يطيعك ويجتنب معاصيك تزوى عنه الدنيا وتعرض له البلاء، ويكون العبد الكافر لا يطيعك ويجترئ على معاصيك تزوى عنه البلاء وتبسط له الدنيا؟
فأوحى اللَّه تعالى إليه : إن العباد لي والبلاء لي وكل يسبح بحمدي، فيكون المؤمن عليه من الذنوب فأزوى عنه الدنيا وأعرض له البلاء فيكون كفارة لذنوبه حتى يلقاني فأجزيه بحسناته، ويكون الكافر له السيئات فأبسط له في الرزق فأزوى عنه البلاء حتى يلقاني فأجزيه بحسناته، ويكون الكافر له السيئات فأبسط له في الرزق فأزوى عنه البلاء حتى يلقاني فأجزيه بسيئاته".
عن أنس بن مالك قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم "إذا أراد اللَّه بعبد خيراً أو أراد أن يصافيه صب عليه البلاء صباً، وثجه عليه ثجاً، وإذا دعاه قالت الملائكة : يا رب صوت معروف،
فإذا دعاه الثانية فقال : يا رب
قال اللَّه تعالى - لبيك وسعديك لا تسألني شيئاً ألا أعطيتك أو دفعت عنك ما هو شر وادّخرت عندي لك ما هو أفضل منه، فإذا كان يوم القيامة جيء بأهل الأعمال فوفوا أعمالهم بالميزان أهل الصلاة والصيام والصدقة والحج، ثم يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم الميزان ولا ينشر لهم الديوان ويصب عليهم الأجر صبا كما يصب عليهم البلاء، فيودّ أهل العافية في الدنيا لو أنهم كانت تقرض أجسادهم بالمقاريض لما يرون مما يذهب به أهل البلاء من الثواب فذلك قوله تعالى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ".
ويقال إن اللَّه تعالى يحتج يوم القيامة بأربعة على أربعة أجناس:
يحتج على الأغنياء بسليمان ابن داود عليهما السلام فإذا قال الغنيّ الغنى شغلني عن عبادتك يحتج عليه بسليمان ويقول له لم تكن أغنى من سليمان فلم يمنعه غناه عن عبادتي،
ويحتج على العبيد بيوسف عليه الصلاة والسلام فيقول العبد كنت عبداً والرق منعني عن عبادتك فيقول له إن يوسف عليه السلام لم يمنعه رقه عن عبادتي،
وعلى الفقراء بعيسى عليه الصلاة والسلام فيقول الفقير إن حاجتي منعتني عن عبادتك فيقول أنت كنت أحوج أم عيسى وعيسى لم يمنعه فقره عن عبادتي،
وعلى المرضى بأيوب عليه السلام فيقول المريض منعني المريض عن عبادتك فيقول مرضك كان أشد أم مرض أيوب عليه السلام فلم يمنعه مرضه عن عبادتي، فلا يكون لأحد عند اللَّه عذر يوم القيامة
وكان الصالحون رحمهم اللَّه تعالى يفرحون بالمرض والشدة لأجل أن فيه كفارة للذنوب.
وذكر عن أبي الدرداء رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: الناس يكرهون الفقر وأنا أحبه، ويكرهون الموت وأنا أحبه، ويكرهون السقم وأنا أحب السقم تكفيراً لخطاياي، وأحب الفقر تواضعاً لربي، وأحب الموت اشتياقاً إلى ربي.
وروى عن ابن مسعود عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "ثلاث من رزقهن فقد رزق خيري الدنيا والآخرة: الرضا بالقضاء، والصبر على البلاء، والدعاء عند الرخاء"
عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: "جاء رجل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو مستلق، فقال: من أي شيء تشتكي؟
قال رسول الله : الخمص. يعني الجوع، فبكى الرجل ثم ذهب يعمل فاستقى لرجل دلاء كل دلو بتمرة،
ثم جاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بشيء من تمر
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم له: ما أراك فعلت هذا إلا وأنت تحبني
قال: إي والله إني لأحبك
قال : إن كنت صادقاً فأعد للبلاء جلباباً، فو اللَّه للبلاء أسرع إلى من يحبني من السيل، من أعلى الجبل إلى الحضيض"
وعن عقبة بن عامر رضي اللَّه تعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "إذا رأيتم الرجل يعطيه اللَّه تعالى ما يحب وهو مقيم على معصيته فاعلموا أن ذلك استدراج، ثم قرأ قول اللَّه عز وجل {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} "
يعني لما تركوا ما أمروا به فتحنا عليهم أبواب الخير {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} يعني بما أعطوا من الخير {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} يعني فجأة {فَإِذَا مُبْلِسُونَ} يعني آيسين من كل خير.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم "أنه سُئل : أي الناس أشد بلاء؟
قال الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل"
وروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "من قلّ ماله وكثر عياله وحسنت صلاته ولم يغتب المسلمين جاء معي يوم القيامة هكذا وجمع أصبعيه"
وقد كان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في شدة من أذى الكفار ومن الجوع، فصبروا على ذلك حتى فرج اللَّه عنهم، وكل من صبر فرج اللَّه عنهم فإن الفرج مع الصبر وإن مع العسر يسرا، وكان الصالحون رحمهم اللَّه يفرحون بالشدة لما يرجون من ثوابها.
وروى الحسن البصري رحمه اللَّه تعالى أن رجلاً من الصحابة رأى امرأة كان يعرفها في الجاهلية فكلمها ثم تركها، فجعل الرجل يلتفت وهي تمشي فصدمه حائط فأثر في وجهه فأتى النبي فأخبره فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم " إذا أراد اللَّه بعبد خيراً عجل عقوبته في الدنيا"
وعن علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: ألا أخبركم بأرجى آية في كتاب اللَّه تعالى؟
قالوا بلى
فقرأ عليهم : {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} فالمصائب في الدنيا بكسب الأوزار فإذا عاقبه اللَّه في الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه ثانياً، إذا عفا عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعذبه يوم القيامة.
وروت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "ما يصيب المؤمن مصيبة حتى شوكة فما فوقها إلا حط اللَّه عنه بها خطيئة".
ما يصيب المؤمن مصيبة حتى شوكة فما فوقها إلا حط اللَّه عنه بها خطيئة
عن عبد الله بن عباس، انه حدثه انه، ركب خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يا غلام اني معلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك واذا سألت فلتسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الامة لو اجتمعوا على ان ينفعوك لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على ان يضروك لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الاقلام وجفت الصحف "
و عن علي كرم اللَّه وجهه أنه قال: أيها الناس احفظوا عني خمساً، احفظوا عني اثنتين واثنتين وواحدة.
ألا لا يخافنّ أحد منكم إلا ذنبه ولا يرجو إلا ربه، ولا يستحي منكم أحد إذا لم يعلم أن يتعلم ولا يستحي أحد منكم إن سئل وهو لا يعلم أن يقول لا أعلم.
واعلموا أن الصبر من الأمور بمنزلة الرأس من الجسد فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور
ثم قال رضي اللَّه تعالى عنه: ألا أدلكم على الفقيه كل الفقيه؟
قالوا بلى يا أمير المؤمنين
قال من لم يؤيس الناس من روح الله، ومن لم يقنط الناس من رحمة اللَّه تعالى، ومن لم يؤمن الناس من مكر الله، ومن لم يزين للناس معاصي الله، ولا ينزل العارفين الموحدين الجنة، ولا ينزل العاصين المذنبين النار حتى يكون الرب هو الذي يقضي بينهم، لا يأمنن خير هذه الأمة من عذاب الله، والله سبحانه وتعالى يقول: {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّه إِلاَّ القَوْمُ الخَاسِرُونَ} ولا ييأس شرّ هذه الأمة من روح الله، والله عز وجل يقول: {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّه إِلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ}.
عن يزيد الرقاشي قال: إذا دخل الرجل القبر قامت الصلاة عن يمينه والزكاة عن شماله والبرّ يطل عليه، والصبر يحاجّ عنه يقول: دونكم صاحبكم فإن حججتم وإلا فأنا من ورائه: يعني إن استطعتم أن تدفعوا عنه العذاب وإلا أنا أكفيكم ذلك وادفع عنه العذاب، ففي هذه الأخبار دليل على أن الصبر أفضل الأعمال والله تعالى يقول {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
وروى عن أبي ورّاد عن محمد بن مسلمة يرفعه إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم "
أن رجلاً قال يا رسول اللَّه : ذهب مالي وسقم جسمي،
فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم"لا خير في عبد لا يذهب ماله ولا يسقم جسمه إن اللَّه إذا أحب عبداً ابتلاه وإذا ابتلاه صبره"
وروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "إن الرجل لتكون له الدرجة عند اللَّه لا يبلغها بعمله حتى يبتلى ببلاء في جسمه فيبلغها بذلك".
وروى في الخبر "أنه لما نزل قوله تعالى {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}
قال أبو بكر رضي اللَّه تعالى عنه: يا رسول اللَّه كيف الفرح بعد هذه الآية؟
فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: غفر اللَّه لك يا أبا بكر، ألست تمرض، أليس يصيبك الأذى أليس تنصب أليس تحزن؟فهذا مما تجزون به"
يعني أن جميع ما يصيبك يكون كفارة لذنوبك.
وروى عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: لما نزلت هذه الآية خرج علينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال: قد أنزلت علي آية هي خير لأمتي من الدنيا وما فيها، ثم قرأ هذه الآية {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}
ثم قال: إن العبد إذا أذنب ذنباً فتصيبه شدة أو بلاء في الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه تاليا".
و اعلم أخى الكريم أن العبد لا يدرك منزلة الأخيار، إلا بالصبر على الشدة والأذى، وقد أمر اللَّه تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالصبر فقال {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ}
وروى عن خباب بن الأرتّ رضي اللَّه تعالى عنه قال"
أتينا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو متوسد بردائه في ظل الكعبة فشكونا إليه..
فقلنا يا رسول اللَّه ألا تدعو اللَّه ألا تستنصر اللَّه لنا
فجلس محمراً لونه ثم قال: " إن من كان قبلكم كان ليؤتى بالرجل فيحفر له في الأرض حفرة ويجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه".
وروى عن حميد عن أنس رضي اللَّه تعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال "يؤتى يوم القيامة بأنعم أهل الأرض فيغمس في النار غمسةً فيخرج أسود محترقاً
فيقال له: هل مرّ بك نعيم قط إذ كنت فيها؟
فيقول لا لم أزل في هذا البلاء منذ خلقني،
ويؤتى بأشد أهل الدنيا بلاء فيغمس في الجنة غمسه: يعني يدخل فيها ساعة، فيخرج كأنه القمر ليلة البدر،
فيقال له هل مر بك شدة قط
فيقول لا لم أزل في هذا النعيم منذ خلقني".
وروى عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "أوّل من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون اللَّه على السراء والضراء".
فالواجب على العبد أن يصبر على ما يصيبه من الشدة ويعلم أن ما دفع اللَّه عنه من البلاء أكثر مما أصابه ويحمد اللَّه تعالى على ذلك، وينبغي للعبد أن يقتدي بنبيه صلى اللَّه عليه وسلم وينظر إلى صبره على أذى المشركين
عن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما قال: "شكا نبيٌ من الأنبياء إلى ربه فقال : يا رب العبد المؤمن يطيعك ويجتنب معاصيك تزوى عنه الدنيا وتعرض له البلاء، ويكون العبد الكافر لا يطيعك ويجترئ على معاصيك تزوى عنه البلاء وتبسط له الدنيا؟
فأوحى اللَّه تعالى إليه : إن العباد لي والبلاء لي وكل يسبح بحمدي، فيكون المؤمن عليه من الذنوب فأزوى عنه الدنيا وأعرض له البلاء فيكون كفارة لذنوبه حتى يلقاني فأجزيه بحسناته، ويكون الكافر له السيئات فأبسط له في الرزق فأزوى عنه البلاء حتى يلقاني فأجزيه بحسناته، ويكون الكافر له السيئات فأبسط له في الرزق فأزوى عنه البلاء حتى يلقاني فأجزيه بسيئاته".
عن أنس بن مالك قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم "إذا أراد اللَّه بعبد خيراً أو أراد أن يصافيه صب عليه البلاء صباً، وثجه عليه ثجاً، وإذا دعاه قالت الملائكة : يا رب صوت معروف،
فإذا دعاه الثانية فقال : يا رب
قال اللَّه تعالى - لبيك وسعديك لا تسألني شيئاً ألا أعطيتك أو دفعت عنك ما هو شر وادّخرت عندي لك ما هو أفضل منه، فإذا كان يوم القيامة جيء بأهل الأعمال فوفوا أعمالهم بالميزان أهل الصلاة والصيام والصدقة والحج، ثم يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم الميزان ولا ينشر لهم الديوان ويصب عليهم الأجر صبا كما يصب عليهم البلاء، فيودّ أهل العافية في الدنيا لو أنهم كانت تقرض أجسادهم بالمقاريض لما يرون مما يذهب به أهل البلاء من الثواب فذلك قوله تعالى {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} ".
ويقال إن اللَّه تعالى يحتج يوم القيامة بأربعة على أربعة أجناس:
يحتج على الأغنياء بسليمان ابن داود عليهما السلام فإذا قال الغنيّ الغنى شغلني عن عبادتك يحتج عليه بسليمان ويقول له لم تكن أغنى من سليمان فلم يمنعه غناه عن عبادتي،
ويحتج على العبيد بيوسف عليه الصلاة والسلام فيقول العبد كنت عبداً والرق منعني عن عبادتك فيقول له إن يوسف عليه السلام لم يمنعه رقه عن عبادتي،
وعلى الفقراء بعيسى عليه الصلاة والسلام فيقول الفقير إن حاجتي منعتني عن عبادتك فيقول أنت كنت أحوج أم عيسى وعيسى لم يمنعه فقره عن عبادتي،
وعلى المرضى بأيوب عليه السلام فيقول المريض منعني المريض عن عبادتك فيقول مرضك كان أشد أم مرض أيوب عليه السلام فلم يمنعه مرضه عن عبادتي، فلا يكون لأحد عند اللَّه عذر يوم القيامة
وكان الصالحون رحمهم اللَّه تعالى يفرحون بالمرض والشدة لأجل أن فيه كفارة للذنوب.
وذكر عن أبي الدرداء رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: الناس يكرهون الفقر وأنا أحبه، ويكرهون الموت وأنا أحبه، ويكرهون السقم وأنا أحب السقم تكفيراً لخطاياي، وأحب الفقر تواضعاً لربي، وأحب الموت اشتياقاً إلى ربي.
وروى عن ابن مسعود عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "ثلاث من رزقهن فقد رزق خيري الدنيا والآخرة: الرضا بالقضاء، والصبر على البلاء، والدعاء عند الرخاء"
عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه قال: "جاء رجل إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو مستلق، فقال: من أي شيء تشتكي؟
قال رسول الله : الخمص. يعني الجوع، فبكى الرجل ثم ذهب يعمل فاستقى لرجل دلاء كل دلو بتمرة،
ثم جاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بشيء من تمر
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم له: ما أراك فعلت هذا إلا وأنت تحبني
قال: إي والله إني لأحبك
قال : إن كنت صادقاً فأعد للبلاء جلباباً، فو اللَّه للبلاء أسرع إلى من يحبني من السيل، من أعلى الجبل إلى الحضيض"
وعن عقبة بن عامر رضي اللَّه تعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال: "إذا رأيتم الرجل يعطيه اللَّه تعالى ما يحب وهو مقيم على معصيته فاعلموا أن ذلك استدراج، ثم قرأ قول اللَّه عز وجل {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} "
يعني لما تركوا ما أمروا به فتحنا عليهم أبواب الخير {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} يعني بما أعطوا من الخير {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} يعني فجأة {فَإِذَا مُبْلِسُونَ} يعني آيسين من كل خير.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم "أنه سُئل : أي الناس أشد بلاء؟
قال الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل"
وروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "من قلّ ماله وكثر عياله وحسنت صلاته ولم يغتب المسلمين جاء معي يوم القيامة هكذا وجمع أصبعيه"
وقد كان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في شدة من أذى الكفار ومن الجوع، فصبروا على ذلك حتى فرج اللَّه عنهم، وكل من صبر فرج اللَّه عنهم فإن الفرج مع الصبر وإن مع العسر يسرا، وكان الصالحون رحمهم اللَّه يفرحون بالشدة لما يرجون من ثوابها.
وروى الحسن البصري رحمه اللَّه تعالى أن رجلاً من الصحابة رأى امرأة كان يعرفها في الجاهلية فكلمها ثم تركها، فجعل الرجل يلتفت وهي تمشي فصدمه حائط فأثر في وجهه فأتى النبي فأخبره فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم " إذا أراد اللَّه بعبد خيراً عجل عقوبته في الدنيا"
وعن علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: ألا أخبركم بأرجى آية في كتاب اللَّه تعالى؟
قالوا بلى
فقرأ عليهم : {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} فالمصائب في الدنيا بكسب الأوزار فإذا عاقبه اللَّه في الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه ثانياً، إذا عفا عنه في الدنيا فهو أكرم من أن يعذبه يوم القيامة.
وروت عائشة رضي اللَّه تعالى عنها عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال "ما يصيب المؤمن مصيبة حتى شوكة فما فوقها إلا حط اللَّه عنه بها خطيئة".