الحَقَائِقِ الوَاجِبِ مَعْرِفَتُهَا
الحَمْدُ للهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ؛ [وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ].
أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ أَوَّلَ الحَقَائِقِ الوَاجِبِ مَعْرِفَتُهَا وَالتَّذْكِيرُ بِهَا حِينَ وُقُوعِ الكَوَارِثِ: أَنَّهُ لاَ يَقَعُ فِي هَذَا الكَوْنِ حَادِثٌ صَغِيرٌ وَلاَ كَبِيرٌ، مِمَّا يَفْرَحُ لَهُ النَّاسُ أَوْ يَحْزَنُونَ أَوْ يَتَفَرَّقُونَ فِيهِ، إِلاَّ بِقَدَرٍ سَابِقٍ سَطَّرَهُ القَلَمُ فِي اللَّوْحِ المَحْفُوظِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ -وَعَرْشُ الرَّحْمَنِ عَلَى المَاءِ- مُطَابِقًا لِعِلْمِ العَلِيمِ الحَكِيمِ، الَّذِي لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ، فَلاَ تَهْمِسُ شِفَةٌ، وَلاَ تَنْزِلُ قَطْرَةٌ، وَلاَ تَسْتَقِرُّ ذَرَّةٌ، إِلاَّ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ، عَلِمَ مَنْ عَلِمَ، وَجَهِلَ مَنْ جَهِلَ، وَرَضِيَ مَنْ رَضِيَ، وَغَضِبَ مَنْ غَضِبَ، وَمِنْ هُنَا أَخْرَسَ العَارِفُونَ أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ السُّؤَالِ وَالاعْتِرَاضِ، وَأَخْبَتَتْ قُلُوبُهُمْ لِأَحْكَامِ القَضَاءِ، وَهَانَ عَلَيْهِم الصَّبْرُ عَلَى البَلاَءِ، وَالشُّكْرُ عَلَى السَّرَّاءِ، وَزَادُوا عَلَى الإِيمَانِ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى [لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ].
و الأعاصير والكوارث التي تضرب هنا وهناك لاَ تَخْرُجُ عَنْ قَدَرِ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ عَذَابٌ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ العَذَابَ مِنَ الكُفَّارِ وَالظَّلَمَةِ وَالمُسْتَكْبِرِينَ مِمَّنْ أَصَابَهُمْ ، وَيَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ بِمَا أَصَابَهُمْ؛ لِأَنَّهُ يُشْرَعُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِمْ لِكُفْرِهِمْ وَظُلْمِهِمْ وَبَغْيِهِمْ، ، فَإِذَا شُرِعَ الدُّعَاءُ عَلَيْهِمْ شُرِعَ مَا هُوَ دُونَهُ وَهُوَ الفَرَحُ بِمُصَابِهِمْ. وَكَيفَ لَا يُفْرَحُ بِمُصَابِ من يؤذَوُن المُسلِمِينَ فِي رَبِّهِمْ وَنَبِيِّهِمْ وَدِينِهِمْ، وَرَامُوا تَبْدِيلَهُ شرع الله بِقَانُونِ الطَاغُوتْ، أوَ فَرَضُوا إِفسَادَ نِسَاءِ الأُمَّةِ عَلَى سَاسَةِ الأُمَّةِ، وَآذُوا المُسْلِمِينَ فِي إِخْوَانِهِمْ فَقَتَّلُوهُمْ وَأَسَرُوهُمْ وَعَذَّبُوهُمْ؟! وَمَنْ شَكَّ فِي مَشْرُوعِيةِ الفَرَحِ عَلَيهِمْ فَلْيَتَفَقَدْ إِيمَانَهُ، وَلْيَسْعَ فِي إِصْلَاحِ قَلْبِهِ وَتَنْقِيَتِهِ مِنَ الوَلَاءِ لِغَيرِ الله تَعَالَى.
وإن كان بينهم مِنَ المُؤْمِنِينَ الطَّائِعِينَ، فإَن المُؤْمِنُين يحزنون لِأَجْلِ مُصَابِهِمْ، وَيُدْعَون لَهُمْ بِالتَّخْفِيفِ عَنْهُمْ، وَلَيْسَ ثَمَّةَ مَا يَمْنَعُ مِنَ اجْتِمَاعِ الفَرَحِ وَالحُزْنِ فِي الكَارِثَةِ الوَاحِدَةِ لِاخْتِلاَفِ مَحِلِّ الفَرَحِ وَالحُزْنِ.
وَأَهَمُّ مِنَ الفَرَحِ والحزن لهذه الكوارث النَّظَرُ إِلَى قُدْرَةِ اللهِ تَعَالَى فِي هَذَا الحَدَثِ العَظِيمِ، وَمَلْءِ القَلْبِ بِمَحَبَّتِهِ وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ، فَهَا هِيَ أَقْوَى دُوَلِ الأَرْضِ لما أصابها الإعصار تَعْجِزُ عَنْ رَدِّ جُنْدِيٍّ وَاحِدٍ مِنْ جُنُودِ اللهِ تَعَالَى؛ [وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ] ، فَتَتَرَقَّبُهُ وَتَنْتَظِرُهُ وَلاَ تَسْتَطِيعُ إِيقَافَهُ وَلاَ تَخْفِيفَهُ، وَتَتَجَرَّعُ أَلَمَ خَسَائِرِهِ وَهِيَ تَنْظُرُ عَاجِزَةً حَسِيرَةً.
لَمْ تَنْفَعْهَا بِوَارِجُهَا الَّتِي مَخَرَتِ المُحِيطَاتِ، وَلَا طَائِرَاتُهَا وَصوَارِيخُهَا الَّتِي أَرْهَبَتِ العَالَمَ، وَقَدْ سَحَقَتْ بِهَا الضُّعَفَاءَ فِي أَفْغَانِسْتَانَ وَالعِرَاقِ، وَخَلَّفَتْ فِي كُلِّ بَيْتٍ مُصِيبَةً، هَا هِيَ تُضْرَبُ بِالذُّلِّ وَالعَجْزِ وَالذُّعْرِ فِي سَاعَاتٍ خَسِرَتْ خِلاَلَهَا عَشَرَاتِ المِلْيَارَاتِ، وَشُلَّتْ حَرَكَةُ النَّقْلِ، وَعَانَى المَلاَيِينُ مِنَ انْقِطَاعِ الكَهْرُباَءِ الَّذِي هُوَ ضَرُورَةٌ فِي هَذَا العَصْرِ، وَرَأَى العَالَمُ آثَارَ الحُطَامِ وَالدَّمَارِ، وَأَصْبَحَتِ المَدِينَةُ النَّشِطَةُ بِالحَرَكَةِ، المَلِيئَةُ بِالبَشَرِ خَالِيَةً مَهْجُورَةً، وَأَعْلَنَ زَعِيمُهُمْ حَالَةَ "الكَارِثَةِ الكُبْرَى"؛ فَمَا أَعْظَمَ اللهَ تَعَالَى! وَمَا أَضْعَفَ البَشَرَ! وَمَا أَشَدَّ انْتِقَامَهُ سُبْحَانَهُ! وَمَا أَعْجَزَ المُسْتَكْبِرِينَ وَأَذَلَّهُمْ وَأَحْقَرَهُمْ وَأَضْعَفَهُمْ وَلَوْ أَرْهَبُوا الدُّوَلَ، وَأَخَافُوا النَّاسَ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لِكُلِّ ظَالِمٍ بِالمِرْصَادِ؛ [وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ] ، [وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا] ، [وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ] ، [فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ].
عباد الله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
فاللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين يا ربَّ العالمين
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشِّرْك والمشركين، واحْمِ حَوْزَة الدين، وانصر عبادك المؤمنين
اللهم أصلح أحوال المسلمين حكاما ومحكومين يارب العالمين اللهم كن لهم في كل مكان اللهم كن لهم في الشام اللهم انصرهم على عدوهم وعجل لهم بالنصر يا قوي يا عزيز اللهم واشفي مرضانا ومرضاهم واغفر لموتانا وموتاهم واهدي ضالهم وألف بين قلوبهم يا ارحم الراحمين