نول النسيج اليدوي الحمصي


المهندس جورج فارس رباحية


تُعْتَبَر مهنة الحياكة ـ النسيجية ـ من أقدم الحِرَف التي عرفتها ســوريا منذ أكثر من 4500 عـــام التي فرضتها ظروف الحياة ومتطلّبــــــــــاتها ، وقد عُثِرَ في مملكة إيبلا (1) عــلى لويحــــات تُمَثِّل ســــــجلات وإيصالات توريد المنسوجات وهذا يدلّ على عراقة وَقِدَم هذه الحرفة .


تعرّضت هذه المهنة لفترات ركود بسبب الغزوات الخارجيــــة العديدة وعــاد نشاطها في العهــــــد الأمـــوي ( 660 ـ 750 ) م التي كانت عاصمتهم دمشق ، فأصبحت بــــــلاد الشـــــــام ذات الموقع الاستراتيجي في المنطقة مركزاً هاماً للتجارة وانطلقت شـــــــهرة السوريين بالتفنّن بهذه المهنة ووصلت إلى دور(بيوت) الأزيــــــاء الأوروبية والعالمية ، وحيث أن مدينة حمص التي تتوسّط المحــــــــافظات ولقربـــــــها من النــــقاط الحدودية فأضحت تُمَثِّل مكانة هامّة في صناعة النسيج من مئات السنين لتَوَفُّر المـــــــواد الخـــــام (صوف الأغنام وإنتاج الحرير الطبيعي ) لهذه الصناعة فصــــــدَّرت الأقمشة الصــوفية والحريريـة إلى أسواق روما . حيث وصلت إلى الأميـــــــرة الحمصية جوليــــا دومنـــــا Julia Dumna زوجـــة الإمبـــــراطور الروماني سبتيموس سيفيروس Septimus Severus (193 ـ 211 ) م التي أبدت إعجاباً شديداً بها وكانت ترتديــــها فقد ازدادت مهارتهم بصنــــــاعة المنسوجات .


نعود إلى النول(2) اليدوي الحمصي حيث اختصّ العامــــــلون به بتصنيــــــع االحَطّـة (الحَطَاطَة ) بشكل رئيسي وذلك من الحرير الطبيعي بألـــوان مختلفة لاسيما الأســــــــود والأبيض وأيضاً بحياكة المناشف والستائر الموشّاة بالخيوط الذهبية والشّمْلات الحريرية والمآزر والعباءات على هذه الأنوال اليدوية التي تجاوز عددها بحمص في القرون الثلاثة الماضية على أكثر من 10000 نــول يدوي ، فكنتَ عندما تسير بأي شارع من شـوارع حمص القديمة إلاّ وتسمع فيه أصوات الأنوال التي تُعطي لحناً جميلاً في حركة المــكّوك الذي يحرّكه النوّال بيده .


وفي شارع الأخطـــل التابع لحي الحميدية بحمص حيث لا تُشـاهد سوى محل قديم جـدرانه من الحجر البازلتي الأسود التي تشتهر به مدينـــة حمص وتنخفض أرضيتأأأأأه الترابية عن مستوى الشارع الذى مضي على بنائه أكثر من مئة عــــــام فدخلته فرأيت النـــول اليدوي الحمصي والنوّال سامي زكي ندّاف منهمــــك بعمله على النول الذي عرفت منه إنه الوحيد بحمص الذي لا يزال يعمل بهذه المهنة التي اكتسبها عن والده . طلبت من سامي ( أبـــــــو عصام ) أن يمنح نفسه استراحة عمل لا تزيد عن نصف ساعة لنحتسي سوية كأســـــاً من الشاي ونتحدّث عن النول الحمصي بالتفصيل ، فــترك أبو عصام نوله وجلس كل منّا على كرسي صغير عمره بعمر النول مصنوع من الخشب والقش ومع احتساء كأس الشاي بدأ سامي بالحديث :


إن عمر هذا النول يزيد عن مئة عام وتعرف إن والدك فارس (رحمه الله ) قد عمل بهذه المهنة أكثر من أربعين عاماً والمعروف إن منتـجات النول هي حريرية 100% تبدأ مـن خيط الحريـــر الطبيعي الناتج من دودة القز الذي يُرَكَّب على النول حيث يمرّ قبل تركيبه على النول بعدة مراحل: يكون الحرير عند جمعه من دودة القز بلون ابيض مائل للسكري ويُلَفّ بشكل شُلل التي تُسَلَّمْ إلــى (الفَتَّـال) حيث يقوم بفتلها ليُكسب الخيط القوة اللازمــة ويحوِّل الشلل إلى بَكَرْ فيستلمها ( المســدّي ) فيعيدها بعملية معيّنة إلى شلل فيأخـــــــذها (الصبَّاغ ) فيصبغها حسب الطـــــلب ( أسود ـ خمري ـ تبييض ـ أو أي لــــون مطلوب ) ويُسَلِّمها الصباغ إلى (النوَّال) فيلُفــها على أربع ملفّات ويعطيــــــــها إلى ( البَزَّاز ) الذي يقوم بغسل الخيطان الحريرية بالصمغ والنشاء ثم تُعْصّر وتُفْرَد تحت أشعة الشمس حتى تتباعد الخيوط عن بعضها البعض وتكتسب متانة جديدة ، ثم يُسَلِّمْ الملفات إلى ( الملقي ) الذي يقوم بإدخال الخيوط ضمن مشـــــط من الفولاذ ( المشط ) (3) كل خيطين بين سنّيْن أي خانــــة وتُسَمى ( بِشر ) ليمرّ فوقهـــــا ( مكوك الحياكة ) (4) ويُسّلَّمْه إلى ( النَوَّال ) لتركيب الرَشَـــــق كما يُسَـــمّى على النول ، فيصبح جاهزاً ليبدأ النوّال عمله على النول .


وعن الأنواع التي يُنْتجها يقول سامي : هناك الحطّة ( الحطاطة أو الكبسة ) التـي تُلبَس على الرأس والتي تتضمّن نقشات ( تطريزات ) مختلفة وأحياناً حسب الطلب ونبيّن أدناه أنواع الحطّات :