الإمام بديع الزمان النورسي - رحمه الله -

بسم الله الرحمن الرحيم

الإمام بديع الزمان النورسي - رحمه الله - من العلماء المجددين الذين كان تأثيرهم بالغا في المحافظة والذود عن الذات الحضارية المسلمة في القرن العشرين ، وقد قدر له أن يشهد تغيرات حضارية هائلة مست بالاخص تركيا بلده الذي كان لتوه يمثل خلافة المسلمين ؛ لتداعى أركان هذه الخلافة مع رياح التتركة والعلمنة - مع مصطفى أتاتورك 1924 م - وتبدأ تركيا الدولة المسلمة مرحلة عسيرة خطيرة في مسارها ، لم تكن أحداثا بسيطة لعالم يدرك دوره الفاعل وموقعه التغييري الهادف ؛ فكان أن حاول التأثير والتوجيه والبناء والصمود ، وقد تحمل لمواقفه الويلات والمحن شأن كل العلماء في التاريخ الانساني . لكن الجهد اتى أكله ثمرة يانعة يذكرها له أهله ويشهدون له بها ويستطيبها كل من مر بسيرته أو قرأ له ، رحم الله علماء الأمة الذين أخلصوا دينهم لله .
كنت اتمنى تحميل مؤلفاته -

رسائل النــور
وأمام عدم توفرها في الشبكة الالكترونية؛ والى أن يتحقق لي ذلك ارتأيت رفع بحوث ودراسات منشورة عنه علها تجلي عن هذه الشخصية ما يطرح عنها من تساؤل أو استفهام وقبل ذلك أنقل إليكم هذه الورقة عن سيرته وحياته .



من هو النـــورسي ؟؟؟
قلة قليلة تلك التي تعرف شيئاً ذا بال عن الشيخ المجاهد العالم العامل بديع الزمان النورسي، وهو من هو علماً ومكانه في تاريخ تركيا الحديثة التي شهدت تطورات خطيرة في هذا القرن العشرين، وما تزال آثاره حتى الآن يتفاعل بها المجتمع التركي المعاصر، الأمر الذي حدا بي إلى كتابة هذا التعريف الموجز به ليكون بمثابة المدخل إلى شخصيته".

المولد:

ولد سعيد النورسي في قرية (نُورس) الواقعة شرقي الأناضول في تركيا عام (1294هـ – 1877م) من أبوين صالحين كانا مضرب المثل في التقوى والورع والصلاح ونشأ في بيئة كردية يخيم عليها الجهل والفقر، كأكثر بلاد المسلمين في أواخر القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين. وإلى قريته (نُوْرس) يُنْسَب.

علمه:

وقد بدت عليه أمارات الفطنة والذكاء منذ طفولته، ولمّا دخل (الكُتَّاب) وتتلمذ على أيدي المشايخ والعلماء بهرهم بقوة ذاكرته، وبداهته، وذكائه، ودقّة ملاحظته، وقدرته على الاستيعاب والحفظ، الأمر الذي جعله ينال الإجازة العلمية وهو ابن أربع عشرة سنة بعد أن تبحّر في العلوم العقلية والنقلية بجهده الشخصي، فقد حفظ عن ظهر غيب، ثمانين كتاباً من أمّات الكتب العربية كما حفظ القرآن الكريم في وقت مبكر من حياته الخصبة الحافلة.

كما عكف على دراسة العلوم العصرية، أو العلوم الكونية الطبيعية، (رياضيات، وفلك، وكيمياء، وفيزياء، وجيولوجيا) والجغرافيا والتاريخ والفلسفة الحديثة وسواها من العلوم، حتى غدا عالماً فيها، ومناظراً فذاً للمختصين بها، صار له رصيد ضخم من المعلومات، مكّنه من الانطلاق من مرتكزات علمية سليمة.

كان طالب العلم سعيد النورسي شديد الاحتفال والاشتغال والتعلّق بالفلسفة والعلوم العقلية، وكان لا يقنع ولا يكتفي بالحركة القلبية وحدها، كأكثر أهل الطرق الصُّوفية، بل كان يجهد لإنقاذ عقله وفكره من بعض الأسقام التي أورثتها إياه مداومة النظر في كتب الفلاسفة.

مع القرآن الكريم:

في عام 1894 تناهى إلى سمعه أن وزير المستعمرات البريطاني (غلادستون) وقف في مجلس العموم البريطاني، وهو يحمل المصحف الشريف بيده، ويهزّه في وجوه النواب الإنكليز، ويقول لهم بأعلى صوته:

" ما دام هذا الكتاب موجوداً، فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان، لذا، لا بدّ لنا من أن نعمل على إزالته من الوجود، أو نقطع صلة المسلمين به".

فصرخ العالم الشاب سعيد النورسي من عمق أعماقه:

"لأبرهننّ للعالم أجمع، أن القرآن العظيم شمس معنوية لا يخبو سناها، ولا يمكن إطفاء نورها".

ورأى النّورسيُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وسأله أن يدعو الله له: أن يفهّمه القرآن، وأن يرزقه العمل به، فبشّره الرسول الكريم بذلك، قائلاً له:

"سيوهب لك علم القرآن، شريطة ألا تسأل أحداً شيئاً".

وأفاق النورسيّ من نومه، وكأنما حيزت له الدنيا.. بل.. أين هو من الدنيا، وأين الدنيا منه.. أفاق وكأنما حيز له علم القرآن وفهمه، فقد آلى على نفسه ألا يسأل أحداً شيئاً، استجابة لشرط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وهبه الله ما تمنى، وصار القرآن أستاذه ومرشده وهاديه في الدياجير التي اكتنفت تركيا الكمالية.

بديع الزمان في مهبّ الأعاصير:

نستطع تمييز مرحلتين في حياة الإمام سعيد النورسيّ:

الأولى: مرحلة سعيد القديم، وتبدأ من مولده حتى نفيه إلى بلدة (بارلا) عام 1926 وهذه المرحلة هي مرحلة الإعداد الذاتي لنفسه، ومرحلة العمل الفردي، وخوض المعارك السياسية، مدافعاً عن الخلافة، وعن القرآن والإسلام، مهاجماً أعداء الإسلام وأعداء الخلافة والقرآن.

وفي هذه المرحلة:

- سافر إلى إستانبول عام 1896 ليقدم مشروعاً لإنشاء جامعة إسلامية حديثة في شرقي الأناضول - بلاد الأكراد - وأطلق عليها اسم (مدرسة الزهراء) لتكون على منوال الجامع (الأزهر) في مصر، غير أنها تختلف عن الأزهر بتدريس العلوم الحديثة إلى جانب العلوم الشرعية والعربية، وذلك من أجل النهوض بالأكراد المسلمين الذين يفتك بهم الجهل والفقر والتخلف. ولكن النورسي لم يلق قبولاً من السلطان عبد الحميد ومن وزير داخليته.

- وفي عام 1907 سافر مرة أخرى إلى استانبول، للغرض ذاته، وقابل السلطان عبد الحميد، وانتقد الاستبداد ونظام الأمن واستخبارات القصر (يلدز) فأثار عليه حاشية السلطان، وأحالوه إلى محكمة عسكرية.

وكان النورسي في منتهى الشجاعة في التعبير عن رأيه أمام القضاة العسكريين، الأمر الذي جعل رئيس المحكمة يحيله إلى الأطباء النفسانيين، للتأكد من سلامة قواه العقلية، وكانت لجنة الأطباء المؤلفة من طبيب تركي، وآخر أرمني، وثالث رومي ومن طبيبين يهوديين (!!!) قررت وضعه في مستشفى (طوب طاش ) للمجانين (!!!).

وعندما حضر طبيب نفساني إلى المستشفى، لفحص قواه العقلية، بادره النورسي بحديث رائع عميق يأخذ بالألباب، فما كان من الطبيب إلا أن يكتب في تقريره:

" لو كانت هناك ذرّة واحدة من الجنون عند بديع الزمان، لما وُجد عاقل واحد على وجه الأرض".

ثم أحيل النورسي إلى وزارة الداخلية، وكان الحوار التالي بينه وبين وزير الداخلية:

الوزير: إن السلطان يخصك بالسلام مع مرتب بمبلغ ألف قرش وعندما تعود إلى بلدك سيجعل مرتبك ثلاثين ليرة كما أرسل لك ثمانين ليرة هدية سلطانية لك.

بديع الزمان: لم أكن أبداً متسول مرتب، ولن أقبله ولو كان ألف ليرة لأنني لم آت لغرض شخصي، وإنما لمصلحة البلد، فما تعرضونه عليّ ليس سوى رشوة السكوت.

الوزير: إنك بهذا تردّ الإرادة السلطانية، والإرادة السلطانيّة لا تردّ.