منتديات احلى حكاية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات احلى حكاية دخول

موقع خاص بالتصاميم وتحويل الاستايلات واكواد حصريه لخدمه مواقع احلى منتدى


descriptionاللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتها.... Emptyاللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتها....

more_horiz
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ


تفسير بن كثير

يقول تعالى مخاطباً رسوله محمداً صلى اللّه عليه وسلم: { إنا أنزلنا عليك الكتاب} يعني القرآن { للناس بالحق} أي لجميع الخلق من الإنس والجن، لتنذرهم به، { فمن اهتدى فلنفسه} أي فإنما يعود نفع ذلك إلى نفسه { ومن ضل فإنما يضل عليها} أي إنما يرجع وبال ذلك على نفسه، { وما أنت عليهم بوكيل} أي بموكل أن يهتدوا، { إنما أنت نذير} { إنما عليك البلاغ وعلينا الحساب} ، ثم قال تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة بأنه المتصرف في الوجود بما يشاء، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان، والوفاة الصغرى عند المنام، كما قال تبارك وتعالى: { وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} الآية، وقال: { حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون} ، فذكر الوفاتين الصغرى ثم الكبرى، وفي هذه الآية ذكر الكبرى ثم الصغرى، ولهذا قال تبارك وتعالى: { اللّه يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} ، فيه دلالة على أنها تجتمع في الملأ الأعلى، كما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خَلَفه عليه، ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" "أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعاً" وقال بعض السلف: يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء اللّه أن تتعارف { فيمسك التي قضى عليها الموت} التي قد ماتت، ويرسل الأًخرى إلى أجل مسمى، قال السدي: إلى بقية أجلها، وقال ابن عباس: يمسك أنفس الأموات، ويرسل أنفس الأحياء، ولا يغلط { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} .

تفسير الجلالين

{ الله يتوفى الأنفس حين موتها و } يتوفى { التي لم تمت في منامها } أي يتوفاها وقت النوم { فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى } أي وقت موتها والمرسلة نفس التمييز تبقى بدونها نفس الحياة بخلاف العكس { إن في ذلك } المذكور { لآيات } دلالات. { لقوم يتفكرون } فيعلمون أن القادر على ذلك، قادر على البعث، وقريش لم يتفكروا في ذلك .

تفسير الطبري

الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه يُتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ الْأُلُوهَة لِلَّهِ الْوَاحِد الْقَهَّار خَالِصَة دُون كُلّ مَا سِوَاهُ , أَنَّهُ يُمِيت وَيُحْيِي , وَيَفْعَل مَا يَشَاء , وَلَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ شَيْء سِوَاهُ ; فَجَعَلَ ذَلِكَ خَبَرًا نَبَّهَهُمْ بِهِ عَلَى عَظِيم قُدْرَته , فَقَالَ : { اللَّه يُتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } فَيَقْبِضهَا عِنْد فَنَاء أَجَلهَا , وَانْقِضَاء مُدَّة حَيَاتهَا , وَيُتَوَفَّى أَيْضًا الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا , كَمَا الَّتِي مَاتَتْ عِنْد مَمَاتهَا { فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت } ذُكِرَ أَنَّ أَرْوَاح الْأَحْيَاء وَالْأَمْوَات تَلْتَقِي فِي الْمَنَام , فَيَتَعَارَف مَا شَاءَ اللَّه مِنْهَا , فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعهَا الرُّجُوع إِلَى أَجْسَادهَا أَمْسَكَ اللَّه أَرْوَاح الْأَمْوَات عِنْده وَحَبَسَهَا , وَأَرْسَلَ أَرْوَاح الْأَحْيَاء حَتَّى تَرْجِع إِلَى أَجْسَادهَا إِلَى أَجَل مُسَمًّى وَذَلِكَ إِلَى اِنْقِضَاء مُدَّة حَيَاتهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23230- اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } الْآيَة . قَالَ : يَجْمَع بَيْن أَرْوَاح الْأَحْيَاء , وَأَرْوَاح الْأَمْوَات , فَيَتَعَارَف مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَتَعَارَف , فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت , وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجْسَادهَا. 23231 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } قَالَ : تَقْبِض الْأَرْوَاح عِنْد نِيَام النَّائِم , فَتَقْبِض رُوحه فِي مَنَامه , فَتَلْقَى الْأَرْوَاح بَعْضهَا بَعْضًا : أَرْوَاح الْمَوْتَى وَأَرْوَاح النِّيَام , فَتَلْتَقِي فَتُسَاءَل , قَالَ : فَيُخَلِّي عَنْ أَرْوَاح الْأَحْيَاء , فَتَرْجِع إِلَى أَجْسَادهَا , وَتُرِيد الْأُخْرَى أَنْ تَرْجِع , فَيَحْبِس الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت , وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجَل مُسَمًّى , قَالَ : إِلَى بَقِيَّة آجَالهَا . 23232 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا } قَالَ : فَالنَّوْم وَفَاة { فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى } الَّتِي لَمْ يَقْبِضهَا { إِلَى أَجَل مُسَمًّى } الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { اللَّه يُتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجَل مُسَمًّى } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : وَمِنْ الدَّلَالَة عَلَى أَنَّ الْأُلُوهَة لِلَّهِ الْوَاحِد الْقَهَّار خَالِصَة دُون كُلّ مَا سِوَاهُ , أَنَّهُ يُمِيت وَيُحْيِي , وَيَفْعَل مَا يَشَاء , وَلَا يَقْدِر عَلَى ذَلِكَ شَيْء سِوَاهُ ; فَجَعَلَ ذَلِكَ خَبَرًا نَبَّهَهُمْ بِهِ عَلَى عَظِيم قُدْرَته , فَقَالَ : { اللَّه يُتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } فَيَقْبِضهَا عِنْد فَنَاء أَجَلهَا , وَانْقِضَاء مُدَّة حَيَاتهَا , وَيُتَوَفَّى أَيْضًا الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا , كَمَا الَّتِي مَاتَتْ عِنْد مَمَاتهَا { فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت } ذُكِرَ أَنَّ أَرْوَاح الْأَحْيَاء وَالْأَمْوَات تَلْتَقِي فِي الْمَنَام , فَيَتَعَارَف مَا شَاءَ اللَّه مِنْهَا , فَإِذَا أَرَادَ جَمِيعهَا الرُّجُوع إِلَى أَجْسَادهَا أَمْسَكَ اللَّه أَرْوَاح الْأَمْوَات عِنْده وَحَبَسَهَا , وَأَرْسَلَ أَرْوَاح الْأَحْيَاء حَتَّى تَرْجِع إِلَى أَجْسَادهَا إِلَى أَجَل مُسَمًّى وَذَلِكَ إِلَى اِنْقِضَاء مُدَّة حَيَاتهَا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 23230- اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا يَعْقُوب , عَنْ جَعْفَر , عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر , فِي قَوْله : { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } الْآيَة . قَالَ : يَجْمَع بَيْن أَرْوَاح الْأَحْيَاء , وَأَرْوَاح الْأَمْوَات , فَيَتَعَارَف مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّه أَنْ يَتَعَارَف , فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت , وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجْسَادهَا. 23231 - مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن , قَالَ : ثنا أَحْمَد بْن الْمُفَضَّل , قَالَ : ثنا أَسْبَاط , عَنْ السُّدِّيّ , فِي قَوْله : { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا } قَالَ : تَقْبِض الْأَرْوَاح عِنْد نِيَام النَّائِم , فَتَقْبِض رُوحه فِي مَنَامه , فَتَلْقَى الْأَرْوَاح بَعْضهَا بَعْضًا : أَرْوَاح الْمَوْتَى وَأَرْوَاح النِّيَام , فَتَلْتَقِي فَتُسَاءَل , قَالَ : فَيُخَلِّي عَنْ أَرْوَاح الْأَحْيَاء , فَتَرْجِع إِلَى أَجْسَادهَا , وَتُرِيد الْأُخْرَى أَنْ تَرْجِع , فَيَحْبِس الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت , وَيُرْسِل الْأُخْرَى إِلَى أَجَل مُسَمًّى , قَالَ : إِلَى بَقِيَّة آجَالهَا . 23232 - حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا اِبْن وَهْب , قَالَ : قَالَ اِبْن زَيْد , فِي قَوْله : { اللَّه يَتَوَفَّى الْأَنْفُس حِين مَوْتهَا وَاَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامهَا } قَالَ : فَالنَّوْم وَفَاة { فَيُمْسِك الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِل الْأُخْرَى } الَّتِي لَمْ يَقْبِضهَا { إِلَى أَجَل مُسَمًّى } ' وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي قَبْض اللَّه نَفْس النَّائِم وَالْمَيِّت وَإِرْسَاله بَعْد نَفْس هَذَا تَرْجِع إِلَى جِسْمهَا , وَحَبْسه لِغَيْرِهَا عَنْ جِسْمهَا لَعِبْرَة وَعِظَة لِمَنْ تَفَكَّرَ وَتَدَبَّرَ , وَبَيَانًا لَهُ أَنَّ اللَّه يُحْيِي مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه إِذَا شَاءَ , وَيُمِيت مَنْ شَاءَ إِذَا شَاءَ .وَقَوْله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَات لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } يَقُول تَعَالَى ذِكْره : إِنَّ فِي قَبْض اللَّه نَفْس النَّائِم وَالْمَيِّت وَإِرْسَاله بَعْد نَفْس هَذَا تَرْجِع إِلَى جِسْمهَا , وَحَبْسه لِغَيْرِهَا عَنْ جِسْمهَا لَعِبْرَة وَعِظَة لِمَنْ تَفَكَّرَ وَتَدَبَّرَ , وَبَيَانًا لَهُ أَنَّ اللَّه يُحْيِي مَنْ يَشَاء مِنْ خَلْقه إِذَا شَاءَ , وَيُمِيت مَنْ شَاءَ إِذَا شَاءَ .'

تفسير القرطبي

فيه أربع مسائل: الأولى: قوله تعالى: { الله يتوفى الأنفس حين موتها} أي يقبضها عند فناء آجالها { والتي لم تمت في منامها} اختلف فيه. فقيل : يقبضها عن التصرف مع بقاء أرواحها في أجسادها { فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} وهي النائمة فيطلقها بالتصرف إلى أجل موتها؛ قال ابن عيسى. وقال الفراء : المعنى ويقبض التي لم تمت في منامها عند انقضاء أجلها. قال : وقد يكون توفيها نومها؛ فيكون التقدير على هذا والتي لم تمت وفاتها نومها. وقال ابن عباس وغيره من المفسرين : إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله منها، فإذا أراد جميعها الرجوع إلى الأجساد أمسك الله أرواح الأموات عنده، وأرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها. وقال سعيد بن جبير : إن الله يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف { فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى} أي يعيدها. قال علي رضي الله عنه : فما رأته نفس النائم وهي في السماء قبل إرسالها إلى جسدها فهي الرؤيا الصادقة، وما رأته بعد إرسالها وقبل استقرارها في جسدها تلقيها الشياطين، وتخيل إليها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة. وقال ابن زيد : النوم وفاة والموت وفاة. وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كما تنامون فكذلك تموتون وكما توقظون فكذلك تبعثون). وقال عمر : النوم أخو الموت. وروي مرفوعا من حديث جابر بن عبدالله قيل : يا رسول الله أينام أهل الجنة؟ قال : (لا النوم أخو الموت والجنة لا موت فيها) خرجه الدارقطني. وقال ابن عباس : (في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس التي بها العقل والتمييز، والروح التي بها النفس والتحريك، فإذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه). وهذا قول ابن الأنباري والزجاج. قال القشيري أبو نصر : وفي هذا بعد إذ المفهوم من الآية أن النفس المقبوضة في الحال شيء واحد؛ ولهذا قال: { فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} فإذاً يقبض الله الروح في حالين في حالة النوم وحالة الموت، فما قبضه في حال النوم فمعناه أنه يغمره بما يحبسه عن التصرف فكأنه شيء مقبوض، وما قبضه في حال الموت فهو يمسكه ولا يرسله إلى يوم القيامة. وقوله: { ويرسل الأخرى} أي يزيل الحابس عنه فيعود كما كان. فتوفي الأنفس في حال النوم بإزالة الحس وخلق الغفلة والآفة في محل الإدراك. وتوفيها في حالة الموت بخلق الموت وإزالة الحس بالكلية. { فيمسك التي قضى عليها الموت} بألا يخلق فيها الإدراك كيف وقد خلق فيها الموت؟ { ويرسل الأخرى} بأن يعيد إليها الإحساس. الثانية: وقد اختلف الناس من هذه الآية في النفس والروح؛ هل هما شيء واحد أو شيئان على ما ذكرنا. والأظهر أنهما شيء واحد، وهو الذي تدل عليه الآثار الصحاح على ما نذكره في هذا الباب. من ذلك حديث أم سلمة قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه، ثم قال : (إن الروح إذا قبض تبعه البصر) وحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألم تروا الإنسان إذا مات شخص بصره) قال : (فذلك حين يتبع بصره نفسه) ""خرجهما مسلم"". وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تحضر الملائكة فإذا كان الرجل صالحا قالوا اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب راض غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء...) وذكر الحديث وإسناده صحيح خرجه ابن ماجة؛ وقد ذكرناه في التذكرة. ""وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة ""قال : (إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدان بها...). وذكر الحديث. وقال بلال في حديث الوادي : أخذ بنفسي يا رسول الله الذي أخذ بنفسك. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مقابلا له في حديث زيد بن أسلم في حديث الوادي : (يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولوشاء ردها إلينا في حين غير هذا). الثالثة: والصحيح فيه أنه جسم لطيف مشابك للأجسام المحسوسة، يجذب ويخرج وفي أكفانه يلف ويدرج، وبه إلى السماء يعرج، لا يموت ولا يفنى، وهو مما له أول وليس له آخر، وهو بعينين ويدين، وأنه ذو ريح طيبة وخبيثة؛ كما في حديث أبي هريرة. وهذه صفة الأجسام لا صفة الأعراض؛ وقد ذكرنا الأخبار بهذا كله في كتاب التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة. وقال تعالى: { فلولا إذا بلغت الحلقوم} [الواقعة : 83] يعني النفس إلى خروجها من الجسد؛ وهذه صفة الجسم. والله أعلم. الرابعة: خرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إذا أوى أحدكم إلى فراشه فليأخذ داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وليُسم الله فإنه لا يعلم ما خلفه بعد على فراشه فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن وليقل سبحانك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها). وقال البخاري وابن ماجة والترمذي : (فارحمها) بدل (فاغفر لها) (وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) زاد الترمذي (وإذا استيقظ فليقل الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي وأذن لي بذكره)."" وخرج البخاري عن حذيفة ""قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده؛ ثم يقول : (اللهم باسمك أموت وأحيا) وإذا استيقظ قال : (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور). قوله تعالى: { فيمسك التي قضى عليها الموت} هذه قراءة العامة على أنه مسمى الفاعل { الموت} نصبا؛ أي قضى الله عليها وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد؛ لقوله في أول : { الآية الله يتوفى الأنفس} فهو يقضي عليها. وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزه والكسائي { قضي عليها الموت} على ما لم يسم فاعله. النحاس، والمعنى واحد غير أن القراءة الأولى أبين وأشبه بنسق الكلام؛ لأنهم قد أجمعوا على { ويُرسِلُ} ولم يقرءوا { ويُرسَلُ} . وفي الآية تنبيه على عظيم قدرته وانفراده بالألوهية، وأنه يفعل ما يشاء، ويحيي ويميت، لا يقدر على ذلك سواه. { إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} يعني في قبض الله نفس الميت والنائم، وإرساله نفس النائم وحبسه نفس الميت وقال الأصمعي سمعت معتمرا يقول : روح الإنسان مثل كبة الغزل، فترسل الروح، فيمضى ثم تمضى ثم تطوى فتجيء فتدخل؛ فمعنى الآية أنه يرسل من الروح شيء في حال النوم ومعظمها في البدن متصل بما يخرج منها اتصالا خفيا، فإذا استيقظ المرء جذب معظم روحه ما انبسط منها فعاد. وقيل غير هذا؛ وفي التنزيل: { ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي} [الإسراء : 85] أي لا يعلم حقيقته إلا الله. وقد تقدم في { سبحان} .

تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي

سبق أنْ قلنا: إن أحداً لم يشهد عملية الخَلْق لأن الخالق سبحانه لم يستعِنْ بأحد كما قال سبحانه:
{ مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً }
[الكهف: 51].

إذن: كيفية الخَلْق لا يعرفها أحدٌ، ولولا أن الخالق أخبرنا بها لَظلَّتْ غيباً، فإنْ أردتَ أنْ تعرف كيفية الخَلْق فخُذْها من خبر مَنْ خلق، وإن ادَّعَى أحد معرفتها من غير هذا الطريق، فاعلم أنه من المضلين الذين أخبرَ الله عنهم، وسمَّاهم مضلين قبل أن يُوجدوا، وأيُّ ضلال أعظم من القول بأن الإنسان في أصله قرد وتطوَّر؟

فكأن الحق سبحانه يعطي لخَلْقه المناعة التي تحميهم من هجمات أهل الضلال، فيخبرهم بأمرهم أولاً ويُحذِّرهم منهم، يعني: تنبَّهوا فسوف يخرج عليكم أناس في ثوب علماء أو فلاسفة يقول خُلِق الإنسان كذا وكذا فلا تُصدِّقوهم لأنهم ما شهدوا عملية الخَلْق.

والحق سبحانه وتعالى حين يطرح قضية عقدية للعقول فيها عمل، لكن قد تقف العقول في أشياء منها يكمل ما تقف فيه العقول بالسماع، السماع مِمَّنْ؟ ممن اعتقدتَ به بعقلك، إذن: ليس بالضرورة أن يقتنع عقلك بكل شيء إنما يترك لك مسائلَ لا تقتنع بها إلا لأنها خبر ممَّنْ اقتنعت به.

لذلك قلنا في أول سورة (يس): إن المسائل كلها عقائد وأمور لسانية وأمور وأحكام، كل منها تأخذ العمل العقلي والعمل الغيبي، لكن العمل الغيبي دليله من العمل العقلي.

الحق سبحانه وتعالى حينما أخبرنا عن قصة الخلق قال: إن الإنسان خُلِقَ من تراب اختلط بالماء فصار طيناً، ثم صار هذا الطين حمأ مسنوناً، ثم صار الحمأ المسنون صلصالاً كالفخار، ثم نفخ فيه الحق سبحانه من روحه فدبَّت فيه الحياة وتحرك.

هذه أطوار الخَلْق التي أخبرنا بها الخالق سبحانه ونحن لم نرها، لكن أوجد في مُحسَّاتنا وفي مُدركاتنا ما يؤدي الصدق بهذه المراحل، وعلينا نحن أنْ نأخذ مما نشاهده دليلاً على صدق ما غاب عنَّا. كيف؟

الخالق سبحانه كما خلق الحياة خلق الموت، ولما أخبرنا بهما جعل الموت أولاً فقال:
{ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ }
[الملك: 2].

وقدَّم الموت حتى لا نستقبل الحياةَ ببطر وغرور، إنما نستقبلها ونحن نعلم أننا صائرون إلى الموت، منتهون إليه. ويجب أنْ نعلم أن الدنيا بالنسبة للإنسان ليست هي بطولها من لدن آدم حتى قيام الساعة، إنما الدنيا بالنسبة لك هي مقدار مُكثك فيها، وحتى هذا العمر مظنون وليس مضموناً، فمن الناس مَنْ يولد ويموت بعد لحظة، وآخر بعد شهور، وآخر بعد سنين.

لذلك قال أحد الصالحين: وعلمت أن لي أجلاً يبادرني فبادرته، وعلمتُ أني لا أخلو من نظر الله طرفةَ عين فاستحييت أنْ أعصيه، وعلمتُ أن لي رزقاً لا يتجاوزني وقد ضمنه الله لي فقنعتُ به، فهكذا ينبغي أن يكون أسلوبك في الحياة، فأنت فيها ضيف لستَ أصيلاً.لذلك قال أهل المعرفة: اجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك - الذي يُواليك بالنعم كل يوم - واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه طرفةَ عين، واجعل خضوعك لمَنْ لا تخرج عن ملكه وسلطانه.. هذه أصول يجب أنْ نسير عليها، ومبدأ نلتزم به. والموت كما قلنا نقيض الحياة، فإذا لم نَكُنْ قد شاهدنا مراحل الخَلْق فقد شاهدنا بالتأكيد مراحل الموت، فخُذْ من هذا دليلاً على هذا.

تعلمون أن نقضَ أيِّ بناء يكون على عكس بنائه، فلو أردنا مثلاً هدم عمارة من عشرة أدوار، فإننا نبدأ بهدم الدور العاشر وننتهي بالدور الأول، على عكس البناء، كذلك الموت يبدأ بخروج الروح، وهي أخر شيء في عملية الخَلْق، ثم يتصلب الجسد، فيكون أشبهَ بالصلصال، ثم يرمّ وتتغير رائحته مثل الحمأ المسنون ثم يتحلل ويعود إلى الطين والتراب.

إذن: إنْ كانت عملية الخَلْق غيباً عنا كما قال سبحانه:
{ مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ }
[الكهف: 51] فعملية الموت شاهدناها.

وقوله تعالى: { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا } [الزمر: 42] الأنفس جمع النفس، والنفس هي مجموع التقاء مادة الجسد بالروح، بحيث تنشأ منهما الأغيار الموجودة في الجوارح، فالمادة وحدها لا تُسمَّى نفساً، والروح وحدها لا تُسمَّى نفساً.

ومعنى { يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ } [الزمر: 42] أي: يقبضها إليه سبحانه. وتوفِّي الأنفس له ظاهرتان: النوم والموت، ففي النوم يسلب الإنسان الوعي والتمييز، وتبقى فيه الروح لإدارة حركة الحياة فيه واستبقائها، فإذا استيقظ من نومه عاد إليه وَعْيه وعقله وتمييزه، أما في الموت فالله يتوفَّى الكل: الوعي، والتمييز، والأصل: وهو الروح والجسد، فالجسم في النوم لا يزاول شيئاً حتى المخ الذي يجب أنْ يظل عاملاً لا يعمل في النائم إلا كلّ سبع ثوان.

ولذلك لما تتوقف حركة الجسم تنخفض فيه درجة الحرارة ويحتاج إلى تدفئة، لذلك ننصح النائم بأنْ يتغطى لأن الحركة مفقودة، وينبغي أن نحفظ للجسم حرارته، البعض يظن أن الغطاء هو الذي يُدفئ النائم، لكن العكس هو الصحيح فحرارة الجسم هي التي تُدفئ الغطاء، وعمل الغطاء أنْ يحفظ لك حرارة الجسم حتى لا تتبدد، بدليل أنك تذهب إلى فراشك فتجده بارداً، وحين تستيقظ من نومك تجده دافئاً.

وقلنا: إن الإنسان يمرُّ بحالات: يقظة، نوم، موت، بعث. ولكل مرحلة من هذه المراحل قانونٌ خاص، فإياك أنْ تخلط قانوناً بقانون، فمثلاً الإنسان منا وهو نائم يفقد الوعي والتمييز، ومع ذلك يصبح فيذكر رُؤْيا رآها فيها أشكال وأشخاص وألوان يستطيع التمييز بينها وكأنها يقظة، فبأيِّ شيء أدرك هذه المدركات وميَّز بين الألوان وعينه مغمضة؟

قالوا: لأن للنائم أدواتٍ ووعياً غير التي له في اليقظة، فيرى لكن ليس بالعين.إذن: فيَّ حالة الموت يكون له وعي آخر، البعض يتعجب وربما ينكر أنْ يضم القبرُ الواحد جسدين أحدهما يُنعِّم والآخر يُعذَّب، فلماذا لا تنكر مثل هذا في النوم مثلاً، فأنت تنام مع غيرك في فراش واحد يرى هو أنه في رحلة ممتعة فيها مَا لَذَّ وطابَ، وترى أنت أنك فيه تُضرب أو تمر بحادث مؤلم، لا هو يدري بك ولا أنت تدري به.

وقوله: { فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ } [الزمر: 42] أي: لا تعود إلى الجسم { وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ.. } [الزمر: 42] أي: في حالة النوم يعود إليك الوعي والتمييز { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى.. } [الزمر: 42] إلى الأجل المعلوم الذي قدَّره الله لك في اللوح المحفوظ.

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الزمر: 42] ساعة تجد الذي يخبرك بشيء ينبه فيك أدوات التمييز بين المقولات التي هي العقل والفكر والذكر والتدبر، فثِقْ بأنه ناصح لك لا يغشك ولا يُدلِّس عليك، لأن الذي يريد غِشَّك يأخذك على عجلة و (يكلفتك)، حتى لا تدري وجه الصواب ولا يعطيك الفرصة للبحث وتأمل الشيء.

وسبق أنْ مثًّلْنا لذلك ببائع القماش إنْ كان صادقاً يعلم جودة بضاعته، فإنه يختبرها لك فيأخذ (فتلة) من الصوف مثلاً ويحرقها أمامك، لترى بنفسك أنه صوف مائة بالمائة، أما الآخر فيحاول أنْ يلف ويدور ويخدعك بحيله حتى لا تكتشف فساد بضاعته، فالأول واثق من جودة البضاعة، وأنك مهما فعلت بها فسوف تصل إلى مراده.

فساعةَ يقول الحق سبحانه (أفلا تعقلون)، (أفلا تتذكرون)، (أفلا تتفكرون) فاعلم أنه يهيج عندك أدوات البحث والتأمل والاختيار بين البدائل، ولا يصنع ذلك معك إلا وهو واثق أنك لو استعملتَ هذه الأدوات فلن تصل إلا إلى مراده منك.

للافاده

descriptionاللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتها.... Emptyرد: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتها....

more_horiz
مشكور أخي
بارك الله فيك
وجعله في ميزان حسناتك

descriptionاللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتها.... Emptyرد: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتها....

more_horiz
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز

وفي انتظار جديدك الأروع والمميز

لك مني أجمل التحيات

وكل التوفيق لك يا رب
privacy_tip صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
power_settings_newقم بتسجيل الدخول للرد