مسائل مختصرة في زكاة الفطر‏.
عبد الرحمن بن صالح السديس
‏@assdais


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وسلم، أما بعد فهذه مسائل مختصرة في زكاة الفطر، أسأل الله أن ينفع بها كاتبها وقارئها.

• في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة».

• فهي واجبة على كل من يملك صاعا من طعام، فاضلا عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته، ويجب أن يخرجها عمن يمونه كعياله، إن كان يملك ما يؤدي عنهم.

• جمهور العلماء على أن زكاة فطر الزوجة على الزوج؛ لأنه تجب عليه النفقة فكذلك الفطرة.

• يجب على كافل اليتيم أن يخرج زكاة الفطر عن اليتيم إذا كان في داره، أما إذا كان يتولى ذلك جمعيات خاصة برعايتهم، فهي من شأن المشرفين على الجمعيات.

• وتجب بغروب الشمس ليلة الفطر، فمن أسلم بعد هذا الوقت= لا تجب عليه، وكذا لو ولد مولود بعد غروب الشمس لا تجب عنه أيضا، ومن مات قبل غروب الشمس لا تجب عليه.

• حكمتها، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات». رواه أبو داود، وهو صححه الحاكم، وحسنه جماعة من العلماء.
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «أغنوهم عن طواف هذا اليوم». رواه ابن وهب والدارقطني والبيهقي، وسنده ضعيف.

• أما مصرف الفطرة، فمذهب الجمهور أنه مصرف الزكاة (الأصناف الثمانية المذكور في القرآن)، وذهب المالكية وهي رواية للحنابلة أنه للفقراء والمساكين.

قال ابن تيمية: «لا يجزئ إطعامها إلا لمن يستحق الكفارة، وهم الآخذون لحاجة أنفسهم= فلا يعطى منها في المؤلفة ولا الرقاب ولا غير ذلك، وهذا القول أقوى في الدليل».

فلا يجوز إعطاؤها لكافر مطلقا، ولو كان من المؤلفة قلوبهم.

والجمهور أيضا على أنه لا يجوز إعطاؤها للذمي بل للمسلمين.

• وأفضل وقت لإخراجها بعد صلاة الفجر وقبل صلاة العيد.

• ويجوز عند جمهور العلماء أن تعطى الفقير قبل العيد بيوم أو يومين، ففي البخاري عن نافع مولى ابن عمر: «وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين».

• ويجوز أن تعطى للجمعيات قبل ذلك، في صحيح ابن خزيمة قال أيوب لنافع: متى كان يعطي ابن عمر؟ قال إذا قعد العامل. قلت متى يقعد؟ قال قبل الفطر بيوم أو يومين.

وفي موطإ مالك عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان «يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر، بيومين أو ثلاثة».

• وهذا (العامل) و(الذي تجمع عنده) كالجمعيات الخيرية الآن.

• واختلف العلماء في تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد، فمن أهل العلم من يرى تحريم تأخيرها، ومنهم من يرى الكراهة، ومنهم من يرى الجواز إذا أخرجها يوم العيد.

• وإن أخرها عن يوم العيد، لزمه إخراجها قضاء والتوبة.

• جوز العلامة العثيمين للجمعيات الخيرية أن تقبض زكاة الفطر وأن تأخر صرفها للفقراء إن رأت المصلحة في ذلك؛ لأنها نائبة عن الفقير وعن المزكي.

• لو كان الفقير غائبا، فيجوز أن تتوكل عنه بقبضها عنه حتى لو كانت زكاتك ـ إذا وكلك ـ وتسلمها له بعد العيد، ولو بمدة طويلة.

• روى عبد الله بن أحمد في مسائله ومن طريقه ابن حزم في المحلى من طريق حميد عن بكر المزني وقتادة أن عثمان كان يعطي صدقة الفطر عن الصغير والكبير والحمل.
ورواه ابن أبي شيبة من طريق حميد عن بكر به.
لكن سنده منقطع إذ لم يسمعا من عثمان.
لكن قال التابعي أبو قلابة: «كانوا يعطون صدقة الفطر حتى يعطون عن الحَبَل» رواه ابن أبي شيبة، وسنده صحيح.

• ويخرجونها عن الحمل استحبابا. نقل ابن قدامة عن ابن المنذر أنه قال: «كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار (لا يوجبون) على الرجل زكاة الفطر عن الجنين في بطن أمه».

• يجوز أن تعطي فقيرا واحدا عدة فطر، وأن تعطي عددا من الفقراء فطرة واحدة.

• والواجب أن تخرج من (طعام الآدميين)، ففي الصحيحين ـ واللفظ للبخاري ـ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام»، وقال أبو سعيد: «وكان (طعامنا) الشعير والزبيب والأقط والتمر».

• واختلف العلماء في أفضل ما يخرج من الطعام، فاختار بعضهم التمر، وبعضهم البر، وبعضهم أغلاها قيمة. ولعل الأفضل هو: قوت البلد الغالب، وأفضل أنواعه أغلاه.

فمثلا في بلادنا القوت الغالب الأرز، وهو أنواع كثيرة: أبو كاس، الوليمة، ملك الرز، أبو سنبلتين، أبو خروف،... وغيرها= كلها يجوز الإخراج منها، لكن أغلاها أفضلها.

• واختلف العلماء من السلف وأصحاب المذاهب المشهورة في حكم إخراج زكاة الفطر نقدا، فيرى المالكية والشافعية والحنابلة أن إخراج النقد لا يجزئ، وخالفهم الحنفية فجوزوا النقد.

• ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها طعاما وأخرجها هو وأصحابه طعاما، وخير الهدي هدي محمد، وهو أيضا أحوط للعبادة فمخرج الطعام مصيب باتفاق العلماء.

• يجب تحري المستحق عند إخراج زكاة الفطر، ولا يجوز التساهل في إعطاء من لا تعرف وليس هناك قرائن تدل على صدقه، والكذب في الناس كثير، ومن لا يعرف مستحقا= فليعطها الجمعيات الخيرية.

• يجوز إخراج زكاة الفطر في بلد غير بلدك، إذا كان في ذلك مصلحة؛ كأن يكونوا أشد حاجة أو يكونوا من الأقارب.. وهو اختيار الإمام ابن تيمية.

• مقدار الواجب في زكاة الفطر=صاع من طعام، ووزنه يختلف باختلاف نوع الطعام، وقد اختلف العلماء في تقديره اختلافا متباينا، وأحسن ما قيل 2100 جرام من الرز تقريبا.

• لا بأس بالزيادة على مقدار الفطرة بنية أن تكون صدقة.

• لا يجب أن تخرج زكاة الفطر عن الخادمة والسائق؛ بل تجب عليهم هم، ولو تبرعت بذلك عنهم= فيجوز، لكن أخبرهم بذلك، لتكون وكيلا عنهم.

• سبق ذكر الإشارة للخلاف في إخراج النقد عن زكاة الفطر، وهذا تعليقات على بعض ما يورده بعض المعاصرين من حجج عقلية، منها:

• أن المال أنفع للفقير منها، وهذا الاطلاق فيه نظر، فكثير من الفقراء إذا أعطي المال ضيعه في الكماليات، وأما الطعام فسينتفع به غالبا.

• فإن قيل هم يبيعونه بأقل؟ قيل: يفعل هذا بعضهم، وكثير منهم لا يبيعه لأنه لم يصله شيء كثير يستحق أن يبحث عمن يشتريه، وقد لا يتيسر له مشتر.
وسيتحمل أيضا كلفة الذهاب للسوق وربما قيمة الأجرة ذهابا وإيابا, فلا يخطر بباله البيع، ثم هو طعامهم على مدار العام، فلن يضيعوه.

• ويدعي بعضهم أن (الفقراء) يبيعون الفطرة بعد أيام بـ(نصف) القيمة! وهذه مبالغة غير صحيحة.

• ومن يرى تهويل بعض الفضلاء في أهمية القيمة وأنها أنفع للفقير= يتخيل أن كل فقير سيصله طن أو أطنان من الطعام؟! والواقع يدل على أن غالبهم لن يصل إلا شيء قليل سينتفع به.

• ثم متوسط قيمته صاع الرز نحو (14), يعني لو وصل للفقير (عشر فطر) فتكون قيمتها نحو (140)، وإذا رأيت تفخيم بعضهم القول بإخراجها مالا، تظن أن عامة مشاكل الفقير ستحلها قيمة الفطرة التي منعتها الفتوى!

• ومن يرى المبالغة في أمر إخراجها (مالا) يخيل إليه أن الفتوى منعت كل طرق إيصال المال للفقير فلم يبق إلا هذه!

والله أعلم وصلى الله على عبد الله ورسوله محمد وآله وسلم
28 رمضان 1435 للهجرة النبوية