قيم تربوية من وصايا لقمان الحكيم »

إذا تمعنا في القرآن الكريم فإنه يتضمن نصوصاً قرآنية تتضمن مجموعة من الحوارات الراقية والهادفة بين الآباء والأولاد ، وبين الأولاد والآباء ، وتحمل هذه النصوص بين طياتها حكماًومواعظ عظيمة وأساليب توعوية وتربوية متوازنة في تربية الأبناء ، ولو أخذنا على سبيل المثال من هذه الحوارات القرآنية التربوية وبعض من هذه الوصايا : وصايا لقمان الحكيم لإبنه والتي تتضمن وسائل مؤثرة في تربية الأبناء .

وسأحاول أن اتطرق لهذه الوصايا بصورة موجزة جداً . يقول الله تعالى في محكم كتابهِ العزيز : { وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَنَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ* وَإِذْ قَالَ لُقْمَنُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ *وَوَصَّيْنَا الإنسَنَ بِوَلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْن وَفِصَلُهُ فِى عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِى وَلِوَلِدَيْكَ إِلَىَّ الْمَصِيرُ* وَإِن جَهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ*يَبُنَىَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّة مِّنْ خَرْدَل فَتَكُن فِي صَخْرَة أَوْ فِى السَّمَوَتِ أَو فِى الاَْرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ *يَبُنَىَّ أَقِمِ الصَّلَوةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْم الاُْمُورِ* وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِى الاَْرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور* وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الاَْصْوَتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ* } إن الله تعالى بين لنا في الآيات السابقة إنه أعطى الحكمة للقمان ، ومن هنا فإن كل مايقوله في هذا الصدد فهو حكمة ولذلك فإننا نرى ان الله سبحانه قد حفظ لنا تلك الوصايا في القرآن الكريم وخلّدها لتكون عِبَر وحِكَم للعالمين .


وإن تطرقنا لتعريف الحكمة فهي العقل والفطنة والعلم في الإصابة في القول . والآن لو نظرنا إلى بعض الآيات التي فيها نُصح وإرشاد سنتمكن من تحصيل مجموعة من القيّم التربوية الهادفة التي نستطيع ان نكوّن منها منهجاً قويماً للتربية ، وفي قوله تعالى : { وإذا قال لقمان لابنه وهو يعظه } ، إن هذه الآية تدل على ضرورة ان يجلس الأب مع ابنه دائماً للوعظ والتوحية والتربية ، ذلك ان جملة " وهو يعظه " جملة إسمية تدل على الثبوت والدوام والاستقرار وهي جملة كانت حالية تدل على " لقمان " الوالد الصالح . ومن جانب آخر فإن الطريق إلى التربية يحتاج لوسائل ترغيب و تشويق والتذكير بالثواب والعقاب ، وهذه ليست مهمة سهلة بل هي مهمة شاقة وعظيمة أُوكلتْ للآباء.

ولو تأملنا قليلا في اسلوب لقمان حينما قال لابنه : " يابني " فإننا نرى انه استخدم اسلوباً محبباً للنفس ، واشعره بأنه يحبه وأنه لا ينصحه إلا من باب الخوف عليه وحرصه على مصلحته ، وهنا يجب ان ينتبه المربون لعدم إستخدام ألفاظ جارحة ، بل عليهم أن يتفننوا في استعمال الكلمات الجميلة الراقية الدالة على الإحترام والإشفاق والمحبة .

وكذلك نتعلم من الآيات الكريمة ضرورة الإتيان بالبدائل عند نهي الأولاد فبعدما نهى لقمان عن الخلق الذميم من التكبر أتى القرآن ورسم لنا لوحة من التواضع حتى قال : " واقصد في مشيك " بعدما قال : " ولا تمش في الأرضِ مرحاً " ، ومن فضل ديننا الإسلامي الحنيف أنه يضع البدائل دائما مقابل كفة النواهي .

بالإضافة لذلك فإنه يذكرنا بضرورة إصلاح الضمير من تلك الخواطر الواردة لأن الله خبيرٌ بكل مايجول في النفس وإن كان بقدر حبة الخردل ، فكل الجوارح يعلم عنها الله ، ويعلم حتى مايدور في جوف الأرض وفي السموات السبع .

فهو يأمل أن يكون ابنه كالجبل، و أن يعامل الناس بالحسنى!

فكانت اُولى مواعظ لقمان عن مسألة التوحيد ومحاربة الشرك، وثانيتها عن حساب الأعمال والمعاد، والتي تكمّل حلقة المبدأ والمعاد، فيقول: (يابنيّ إنّها إن تك مثقال حبّة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله) أي في يوم القيامة ويضعها للحساب (إنّ الله لطيف خبير).

و«الخردل»: نبات له حبّات سوداء صغيرة جدّاً يضرب المثل بصغرها، وهذا التعبير إشارة إلى أنّ أعمال الخير والشرّ مهما كانت صغيرة لا قيمة لها، ومهما كانت خفيّة كخردلة في بطن صخرة في أعماق الأرض، أو في زاوية من السماء، فإنّ الله اللطيف الخبير المطّلع على كلّ الموجودات، صغيرها وكبيرها في جميع أنحاء العالم، سيحضرها للحساب والعقاب والثواب، ولا يضيّع شيء في هذا الحساب. وفي حديث عن الإمام الباقر عليه السلام : " اتقوا المحقرات من الذنوب ، فإن لها طالباً "

ولاننسى تذكيره لنا بضرورة خفض الصوت والتوسط في الأفعال والأقوال ، وشبه من يرفع صوته بصوت الحمير ، لأن الله كرّمنا عن الحيوانات ورفعنا شأنا عنهم ، ونصحنا بعدم التكبر فهذه الصفة الذميمة يمقتها الله والناس ، والمتكبر لا يتعلم ولا يهتدي .

وقالوا :
وكنا إذا الجبار صعّر خده أقمنا له من ميلهِ .. فتقوم والصعر في الأصل يصيبُ الإبل في رؤسها حتى يلف أعناقها ويلوي رؤوسها فيسقط بعد ذلك .

وبعد تحكيم اُسس المبدأ والمعاد، والتي هي أساس كلّ الإعتقادات الدينيّة، تطرّق لقمان إلى أهمّ الأعمال، أي مسألة الصلاة، فقال: (يابنيّ أقم الصلاة) لأنّ الصلاة أهمّ علاقة وإرتباط مع الخالق، والصلاة تنوّر قلبك، وتصفّي روحك، وتضيء حياتك، وتطهّر روحك من آثار الذنب، وتقذف نور الإيمان في أنحاء وجودك، وتمنعك عن الفحشاء والمنكر.
وبعد الصلاة يتطرّق لقمان إلى أهمّ دستور إجتماعي، أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيقول: (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر).

وإلى هنا أقف عند هذه القيم الجوهرية واترككم لتتمعنوا فيها .
والحمدلله رب العالمين