القلق..
سليمان الكفيري
الانفعال بالناس والأشياء شيء مرغوب وجزء رئيسي من متطلبات الصحة والنضوج. فنحن نفرح ونسر عندما نتوقع تحقيق هدف أو رغبة،

ونخاف عندما نتعرض لخطر ما، وندهش للأشياء الغريبة والمفاجئة، ونحس بالندم للأخطاء التي كان بإمكاننا تصحيحها، ونغضب عندما نجد اعتداءً على حقوقنا أو مكاسبنا، ونحب البعض، ونكره البعض الآخر. فهذه كلها انفعالات محمودة وسوية طالما أنها تحدث في وقتها الملائم وفي الظروف الملائمة. لكننا جميعاً ـ ودون استثناء ـ تعرضنا للحظات شعرنا خلالها بالاضطراب النفسي بكل ما يتسم به من توتر شديد والوقوع تحت رحمة انفعالات قوية تعجزنا عن التفكير الملائم والتصرف الفعال، وتوقعنا في ضروب أخرى من المعاناة والاستثارة الزائدة. ومن مآسي الاضطراب النفسي هو تلك الاستجابات الانفعالية الحادة التي نسميها القلق.وهو يعطل إمكانيات الإنسان على النمو، ويصيبه بالتوتر وعدم الاستقرار بشكل لا يترك له طاقة لمواجهة المواقف الصعبة أو التفكير في حلها بصورة ملائمة.
ما هو القلق؟
القلق حالة انفعالية مركبة,غير سارة تمثل مزيجا من مشاعر الخوف المستمر والفزع والرعب نتيجة توقع شر وشيك الحدوث أو نتيجة الإحساس بالخطر والتهديد من شئ مجهول أو مرتقب ,فالقلق من المشاعر النفسية المضطربة، التي تنتج عنها في الغالب آثار سيئة مثل: التوتر والانقباض والخوف وعدم الطمأنينة والكآبة، كما يشير الأطباء المختصون إلى انه قد تنتج عن القلق آثار مرضية عضوية كاضطراب القلب وتقلص المعدة والشعور بالإرهاق وغير ذلك.
ولابد من التأكيد على إن القول بأن القلق أو ما يشابهه من المشاعر النفسية أصبح ظاهرة من الظواهر التي تميّز العصر الحديث ولا يخلوا منها مجتمع من المجتمعات ,إن مثيرات القلق لها أسباب كثيرة جامع القول فيها إنها غالباً ما تتعلق بالخوف من المجهول أو المستقبل، ومنها: أسباب خاصة كخوف الطالب وقلقه من الامتحان، وخوف الوالدين على أولادهما عند مرضهم وقلقهم عليهم، والخوف من الموت ونحو ذلك.
وهذا القلق يكون محموداً إذا كان وسيلة لدفع الإنسان إلى الحذر والحيطة وإتقان العمل، ويكون سوياً إذا كان في حجمه الطبيعي الذي يحفظ قدرات الإنسان على العطاء والحرص المتوازن، ويكون مذموماً إذا تعدى حدوده وأدى إلى الانطواء وعدم الثقة بالنفس والإحباط مما يؤدي إلى الإعاقة في العطاء وتحجيم القدرات,وهناك أسباب عامة للقلق ومنها يساهم بتحول القلق إلى مرض نفسي يلازم الفرد في معظم تصرفاته.تقول الباحثة كارن تورني بتحليلها للقلق بوجود ثلاثة عناصراساسية "1- الشعور بالعجز ,2-الشعور بالعداوة ,3- الشعور بالانفراد والعزلة "
وللقلق أنواع ويختلف من حيث الشدة وهذه تختلف من فرد لأخر.
أما أنواع القلق عند فرويد:
قلق موضوعي: وهو رد فعل يحدث لدى الفرد عند إدراكه خطراً خارجياً واقعاً وذلك بوجود إشارة تدل عليه كقلق البحار الخبير حين ينظر إلى سحابة صغيرة في الأفق بأنها تنذر بإعصار شديد.
القلق العصابي: قلق شديد لا تتضح معالم المثير فيه.
القلق الخُلقي: مرتبط بالأنا الأعلى.
أما أسباب القلق على تعددها نستطيع أن نشمل أهمها
أولاً: الخواء الروحي، وما يتبعه من شعور بالوحدة والضياع والخوف من اليوم والغد.
ثانياً: عندما لا يستطيع الفرد أن يرتقي بقدراته وتطلعاته إلى أن يصل إلى المنزلة الاجتماعية أو المستوى الاقتصادي والاجتماعي المرتفع الذي رسمه لنفسه، ولا سيما إذا كان المجتمع الذي يعيش فيه يقيس منازل الناس بقدر ما في جيوبهم، ويحيطهم بهالة من التبجيل والتقدير، فيسيطر القلق على هذا المحروم نتيجة سريان التوتر في أوصاله، وتنسكب الكآبة في جوانحه.
ثالثاً: عدم قدرة هذا الفرد على مجاراة النمط الاستهلاكي السائد في محيط مجتمعه الصغير الأسرة أو الكبير المجتمع الخارجي، فيتملكه القلق، وتنشأ زوابع الكآبة في نفسه.
رابعاً: النزاع والشقاق المتأصل الذي يسود أسرة المريض بالقلق، وكذلك التفكك الأسري، نتيجة الانكباب على المادة، وإهمال أهمية الأسرة المتعاونة المتحابة.