الامبراطورية البابلية الجديدة
لم تتم تهدئة الكلدانيين الذين كانوا يقطنون المنطقة الساحلية للخليج الفارسي، من قبل الاشوريين. ففي حوالي 630 اصبح نبوبلاصر ملكا على الكلدانيين. في 626 اخرج الاشوريين بالقوة من اوروك (الوركاء) وتوج نفسه ملكا على بابل. لقد ساهم في الحروب التي كانت تهدف الى تدمير الدولة الاشورية. وبنفس الوقت بدا باعادة تشغيل شبكة القنوات المائية المخربة في المدن البابلية وخاصة في مدينة بابل نفسها. ولقد حارب الملك الاشوري آشور اوباليت الثاني وثم حارب المصريين، قوبلت نجاحاته بسوء الحظ. مات نبوبلاصر في بابل عام 605.

نبوخذنصر الثاني
سمى نبو بلاصر ابنه الكبير بنبوخذنصر تيمنا بالملك الشهير للسلالة الثانية لاسن، ودربه بعناية لتولي العرش وشاركه في تحمل المسؤوليات. فعندما مات الاب في 605 كان نبوخذنصر مع جيشه في سوريا؛ حيث كان قد سحق المصريين قرب كارجيميش في معركة دامية قاسية وطاردهم الى الجنوب. عاد نبوخذنصر فورتسلمه نبأ وفاة ابيه الى بابل. لا يذكر نبوخذنصر في كتاباته على العديد من الابنية، الا القليل عن حروبه الكثيرة؛ وكلها تنتهي بالصلوات. ان التسلسل البابلي للاحداث يمتد فقط للسنوات 605 – 594 ، ولا يعرف الكثير من مصادر اخرى عن السنوات الاخيرة لهذا الملك الشهير. كان يذهب غالبا الى سوريا وفلسطين، لطرد المصريين منها. في عام 604 احتل المدينة الفلسطينية أشكيلون. حاول في 601 دفع المصريين الى مصر ولكنه اجبر على الانسحاب بعد معركة دامية غير محسومة من اجل اعادة تنظيم جيشه في بابل. اثر بعض الحملات التاديبية الصغيرة ضد العرب في سوريا، هاجم فلسطين في نهاية 598. ثار جيهوياكيم ملك جودا مؤملا على دعم من مصر. وحسب تسلسل الاحداث التاريخي فقد احتلت القدس في 16 آذار 597. ومات الملك جيهوياكيم خلال الحصار، وتم سبي ابنه جيهوياجين مع 3000 من اليهود اسرى الى بابل. تمت معاملتهم بصورة جيدة حسب الوثائق. وعين زيدكيا ملكا جديدا. في عام 596 حين جاء الخطر من الشرق سار نبوخذنصر الى نهر دجلة مجبرا العدو على الانسحاب. بعد سحق الثورة في بابل بطريقة دموية جهز حملة اخرى الى الغرب.
ثارت جودا ثانية في 589 حسب العهد القديم، وتمت محاصرتها. سقطت المدينة في 587/586 ودمرت تماما. واخذ عدة آلاف من اليهود اسرى الى بابل، والحقت بلادهم كمقاطعة بالامبراطورية البابلية. ويذكر ان الاحتلال المصري كان سبب الثورة حيث تم التغلغل الى سيدون. وقام نبوخذنصر بمحاصرة تاير لمدة 13 عاما دون ان يتمكن من دخولها لعدم امتلاكه اسطولا بحريا. في 568/567 عاود مهاجمة مصردونما نصر يذكر ولكن توقف المصريون منذ ذلك الوقت من مهاجمة فلسطين. عاش نبوخذنصر بسلام مع دولة ميديا طول فترة حكمه وتوسط بينها وبين ليديا في حربهم 590 – 585 .
امتدت الامبراطورية البابلية في عهد نبوخذنصر الى الحدود المصرية. كان لديها نظاما اداريا جيدا. بالرغم من انه كان نبوخذنصر يفرض ضرائب وجزية عالية من اجل ادامة جيوشه والاستمرار في مشاريع البناء، جعل نبوخذنصر دولة بابل من اغنى الاراضي في غرب اسيا، في الوقت الذي كانت فيه فقيرة تحت الحكم الاشوري. كانت بابل اكبر مدن العالم المتحضر. استمر نبوخذنصر بادامة شبكة قنوات المياه و انشأ العديد من القنوات الثانوية جاعلا من الارض اكثر خصوبة مما هي عليه. وازدهرت التجارة في عهده.
لقد فاقت فعاليات نبوخذنصر الانشائية كل فعاليات الملوك الاشوريين. لقد حصن جدران بابل المزدوجة مضيفا جدارا ثالثا خارج الجدار القديم. اضافة الى ذلك فقد اقام جدارا آخر، هو الجدار المدياني الى الشمال من المدينة بين نهري دجلة والفرات. حسب تقديرات الاغريق يمكن ان يكون هذا الجدار بارتفاع 100 قدم. ولقد وسع القصر القديم مضيفا العديد من الاجنحة، بحيث اصبح للدوائر المركزية للامبراطورية مئات الغرف وقاعات داخلية كبيرة. ولقد زينت الجدران بالبلاطات الملونة المزججة والمنحوتات نصف البارزة. واضيفت حدائق عرفت فيما بعد بجنائن بابل المعلقة. لا بد وان هذه المشاريع تطلبت مئات الالاف من العمال. وكانت المعابد غايات ذات اهتمام خاص، فلقد سخر نفسه اولا واخيرا لاكمال معبد اتيمينانكي "برج بابل". بدأ العمل بانشاء هذا المعبد في عهد نبوخذنصر الاول، حوالي 1110 . وكان كبناية اثرية لغاية حكم الملك الاشوري اسرحدون، والذي عاود البناء حوالي عام 680 لكنه لم يكمل. استطاع نبوخذنصر الثاني من اكمال البناء باكمله. يمكن العثور على الابعاد الحقيقية لمعبد اتيمينانكي في الواح اساكيلا والتي عرفت منذ القرن التاسع عشر. ابعاد القاعدة حوالي 300 قدما لكل جانب وبارتفاع 300 قدما ايضا. هناك خمس مدرجات على شكل ممرات تحيط بالمعبد، وان ارتفاع المعبد ككل كان ضعف بقية المعابد. ان الشارع العريض الذي كان يستخدم للمواكب كان يمر من الجهة الشرقية بالجدار الداخلي للمدينة متقاطعا مع باب عشتار الكبير والذي يعرف عالميا ببلاطاته الملونة ومنحوتاته نصف المجسمة. وبنى نبوخذنصر العديد من المعابد الصغيرة في شتى ارجاء البلاد