حقيقة شخصية السّلطان سليمان:
السلطان سليمان القانوني هو عاشر السلاطين العثمانيين ومن أكثرهم شهرةً، توسعت الدولة في عهده لتُصبح مساحتُها ضعف ما كانت عليه في عهد من كان قبله. و يقول عنه المستشرق أورطالون "لو قمنا بترتيب ما قام به السّلطان سليمان القانوني حسب أهميته، وضعنا في الأسفل حُروبه وفوقها الآثار التي خلفها، أمّا في الأعلى فنضع المؤسسات العلمية والحقوقية التي أسّسها”. فلم يكن السّلطان سليمان متميزا بين السّلاطين فحسب بل كان من أمجد الحكام في العالم بأسره، لذا نرى العالم الغربي يلقبه بأعظم الألقاب تقديرا له. كان شاعرا يكتب الشعر باسم مستعار هو "محبي”. ولكونه اشترك في 13 حملة حربية كبيرة فقد لقب بـ”الغازي” .

وكان يُدعى "سليمان شاه”. ارتقى عرش السّلطنة وعمره 26 عاما، وبقي سلطانا لمدة 46 عاما أي حتى عام 1566م. كانت مساحة الدّولة العثمانية في عهد والده سليم 6.5 كلم مربع، أنا في عهده فقد وصلت إلى 15 مليون كلم مربع. وكان عهده عهدا زاهرًا، توسعت فيه حدود الدولة العثمانية. كما شمل الازدهار جميع مناحي الحياة السّياسية والعلمية والثقافية والقانونية والمالية حتى بلغت في زمنه ذروتها. وأظهر السّلطان سليمان مقدرة فائقة عندما قام بتوسيع قوانين التشكيلات الإدارية الموضوعة في عهد السّلطان الفاتح وإجراء بعض التغييرات فيها. فقد وصلت جميع البُنى السّياسية والاجتماعية والاقتصادية والعدلية للدولة إلى الذروة في هذا العهد، والشيء نفسه من ناحية التشكيلات الإدارية للمقاطعات والأقاليم، فقد بلغت درجة عالية من الدقة والتنظيم. ومن بين رجال الدّولة الذين ساهموا في الوصول بالدّولة إلى الذّروة في هذا العهد نذكر الصدور العظام (رؤساء الحكومة)؛ بيري محمد باشا و لطفي باشا وصوكللو محمد باشا، ومن بين شيوخ الإسلام المعروفين نذكر ؛ زنبيللي علي أفندي وكمال باشا زاده و جوي زاده وبالأخص شيخ الإسلام أبو السعود أفندي. وكان السّلطان سليمان تقيا ورعًا لا ينفذ أمرا إلا باستشارة العلماء وأخذ الفتوى منهم. ولعل هذه القصة القصيرة تكشف لنا عن هذا الجانب المُشرق في شخصيّة هذا السلطان وتكذّب ما يُلصقه به المُغرضون من صفات لا تليق به:
أخبر موظفو القصر السّلطان سليمان القانوني باستيلاء النّمل على جذوع الأشجار في قصر طوب قابي، وبعد استشارة أهل الخبرة خلص الأمر إلى دَهن جذوعِها بالجِير.. ولكن لم يكن من عادة السّلطان أن يُقدم على أمرٍ دون الحصول على فتوى من شيخ الإسلام.. فذهب إلى أبي السّعود أفندي بنفسه يطلب منه الفتوى، فلم يجده في مقامه فكتَب له رسالة شعرية يقول فيها:
إذا دبّ النمل على الشجرِ
فهل في قتله من ضررِ؟
فأجابه الشيخ حال رؤيته الرّسالة بنفس الأسلوب قائلاً: إذا نُصِب ميزانُ العدل غدًا
يأخذ النمل حقه بلا خجلِ.

وهكذا كان دأب السّلطان سليمان، إذ لم ينفّذ أمرًا إلا بفتوى من شيخ الإسلام أو من الهيئة العليا للعلماء في الدولة العثمانية. تُوفي السّلطان في معركة "زيكتور” أثناء سفره إلى فيينا، فعادوا بجثمانه إلى إسطنبول، وأثناء التّشييع وجدوا أنه قد أوصى بوضع صندوق معه في القبر، فتحيّر العلماء وظنوا أنه مليء بالمال فلم يجيزوا إتلافه تحت التراب وقرروا فتحه، أخذتهم الدّهشة عندما رأوا أن الصّندوق كان ممتلئًا بفتاوى العلماء، فراح الشيخ أبو السعود يبكي قائلاً: لقد أنقذتَ نفسك يا سُليمان، فأيّ سماء تظلنا وأي أرض تُقِلّنا إن كنا مخطئين في ما أصدرنا من فتاوى؟!
بقلم د. مصطفى الستيتي