في سبيل حرية الفكر





كتبت لنفسي عهد تحريرها شعـرا
وأشهدت فيما قد كتبت لها الدهرا

ومن بعد إتمامـي كتابـة عهدهـا
جعلت الثريا فوق عنوانـه طُغـرا

وعلقتـه كـي لا تنـاولـه يــدٌ
بمنبعث الأنوار من ذروة الشِّعرى

لذلك جعلت الحق نصب مقاصدي
وصيرت سرَّ الرأي في أمره جهرا

وجردت شعري من ثيـاب ريائـه
فلـم أكسـهُ إلا معانيـه الـغـرَّا

وأرسلته نظمـا يـروق انسجامُـه
فيحسبه المصغـي لإنشـاده نثـرا

فجـاء مضيئـا ليـلـه كنـهـاره
وإن كان بعض القوم يزعمه كفـرا

أضمِّنـه معنـى الحقيقـة عاريـاً
فيحسبـه جُهَّالـه منطقـا هُجـرا

ويحمله الغاوي على غير وجهـه
فيوسعني شتما وينظرنـي شـزْرا

رُويدك إن الكفر مـا أنـت قائـل
وإن صريح العرف ما خلته نُكـرا

هل الكفر إلا أن ترى الحق ظاهراً
فتضرب للأنظار من دونه ستـرا

وأن تبصر الأشياء بيضاً نواصعـاً
فتظهرهـا للنـاس قانيـة حُمـرا

إذا كان في عُري الجسوم قباحـةٌ
فأحسن شيء في الحقيقة أن تعرى

فيلمسُها من مارست عينـه عمـى
ويبصرها من كابدت أذنـه وقْـرا

أحـب الفتـى أن يستقـل بنفسـه
فيصبح في أفكـاره مطلقـاً حـرا

وأكـره منـه أن يكـون مقـلـدا
فيحشر في الدنيا أسيراً مع الأسرى

ومـا هـذه الأوطـان إلا حدائـقٌ
بها تُنبِت الأفكار من أهلها زهـرا

ومـا حبُّهـا إلا لأجـل تـحـرُّرٍ
يكون إلى العلياء بالنـاس مُنجـرّا

ومـا حسنهـا إلا بـأنَّ سماءهـا
تضاحك من أحرارها أنجماً زُهرا

إذا كان في الأوطان للناس غايـةٌ
فحرية الأفكـار غايتهـا الكبـرى

فأوطانكـم لـن تستقـلَّ سيـاسـةً
إذا أنتم لـم تستقلـوا بهـا فكـرا

إذا السيف لم يعضُدْهُ رأي محـرّر
فلا تأملن من حده ضربـةً بكـرا

سواء على الإنسان بعـد جمـوده
أحل بقفر الأرض أم سكن المصرا

إذا لم يعش حراً بموطنـه الفتـى
فسمِّ الفتى ميتـا وموطنـه قبـرا.







في سبيل حرية الفكر°المعروف الرصافي