بعض من أسرار الصيام النفسية



ربما يحسن الحديث عن بعض أسرار الصيام في مثل هذه الأيام، بعد أن أتممنا نصفه بفضل الله، حيث تمكنت روحانيته من النفس، وشعرنا أن التغيير في بعض الحياة قد يكون ثقيلا على النفس بداية الأمر لكنه سرعان ما يسهل وتعتاده النفس، وها هي بعض أسرار الصيام النفسية:



يقول الامام المناوي(شرع الصوم كسراً لشهوات النفوس، وقطعاً لأسباب الاسترقاق والتعبد للأشياء).

يشعر الصائم في نهار رمضان بطمأنينة نفسٍ، وراحة بالٍ، واستقرار فكرٍ، ولأن هدفه أن يتقبل الله منه الصيام، تجده يجتهد في الابتعاد عن كل ما يعكر صفو هذا الصيام، ويحول بينه وبين القبول، من محرمات ومنغصات، وتجده في وئام وسلام مع نفسه وأهل بيته، وجيرانه وأهل مسجده.





وهنا تظهر أهمية التوجيه النبوي في ضرورة الابتعاد عن كل ما يثير الأعصاب، ويدعو الى الاستفزاز، حيث يقول صلى الله عليه وسلم (اذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل، فان امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل اني صائم اني صائم)رواه أبو داود.


وانظر الى التغير الايجابي الذي سيحصل في حياتك، عندما تعوّد نفسك الابتعاد عن الغضب، وترك الانفعال، وردود الأفعال، والتخلّق بخلق الصبر والاحتمال.

إني صائم.. إني صائم



قال علماؤنا«اني صائم» فيه قولان:

الأول: أنه يقول للذي يريد مشاتمته ومقاتلته «اني صائم» وصومي يمنعني من مجاوبتك، لأني أصون صومي عن الخنا والزور من القول، بهذا أمرت، ولولا ذلك لانتصرت لنفسي بمثل ما قلت لي.

الثاني: أن الصائم يقول في نفسه لنفسه «اني صائم» يا نفسي، فلا سبيل الى شفاء غيظك بالمشاتمة، ولا يُظهر قوله «اني صائم» لما فيه من الرياء، واطلاع الناس على عمله، لأن الصوم من العمل الذي لا يظهر.



اذن هذا التكرار مفيد للصائم، فهو مع التكرار يذكّر نفسه بأنه صائم، والصائم في عبادة، والعابد وقت العبادة يترفع عن كلّ ما يخدش عبادته، أو يقلل من أجرها وثوابها.. وبذلك هو يملك نفسه، ويصبر على من أساء له، فيصير في مزاج معتدل، ولا يغضب لأتفه الأسباب، ويحتمل من الناس الشيء الكثير، فتتحقق له راحة البال، وطمأنينة النفس» التمهيد لابن عبد البر «91/65».



وحينما سأله أحد أصحابه، يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال ( لا تغضب ولك الجنة) رواه الطبراني.



ويوجه الصائم كذلك الى الابتعاد عن الغضب وأسبابه ودواعيه، (اذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب) متفق عليه.

والصَّخَبُ: يطلق على الصِّياح، وشدة الصوت واختلاطه، وكلّها مظاهر تكون مصاحبة لفورة الغضب عند الانسان، ومتى ابتعد الصائم عن مسببات الغضب تحققت له السكينة والطمأنينة، والاستقرار النفسي.

والانسان عندما يغضب يفرز الجسم هرمون الأدرينالين بمقدار كبير، وتشير الدراسات العلمية الى أن الزيادة في الافراز اذا حدثت في بداية ساعات الصيام (أي أثناء هضم الطعام) فقد يصاب الصائم باضطراب الهضم وسوء الامتصاص، ويتحول جزء من الجليكوجين في الكبد الى سكر الجلوكوز -ليمد الجسم بطاقة تدفعه للعراك- وهي بالطبع طاقة ضائعة.

فائدة: أمر رسول الله [ الغاضب بأن يجلس، وقد أثبت العلم الحديث أن هرمون الأدرينالين المسؤول عن الغضب يرتفع أثناء الوقوف ثلاثة أضعاف نسبته في الجلوس.



رمضان فرصة للتغيير

«اِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (الرعد: 11).

التغيير

كلمة تُستعمل كثيراً، وقلّما يقف الناس للتأمل فيها، ومعناها باختصار تحويل الواقع غير المرضي الى واقع أفضل، وأعظم ما يطمح اليه الانسان هو أن يغير نفسه.

وفي هذا يقول علماء التغيير: نريد تغيير الواقع الى الحلم، فلدينا واقع نعيشه ولسنا براضين عنه، وعندنا حلم نصبوا اليه، وبين الواقع والحلم هناك مرحلة انتقالية لا بد أن نمرّ بها، وخلال هذه الفترة الانتقالية نتعرض لشيء اسمه مقاومة، والمقاومة تشمل كل الأشياء التي تمنعنا من الوصول إلى الحلم.

ويقول علماء التغيير: ان أكبر عائق يقف بين الانسان وبين التغيير هو نفسه التي بين جنبيه، نفسه المتمثلة في همته وعقله وطريقة تفكيره.

وقالوا: بالارادة يستطيع الانسان أن يتغلب على هذا العائق، وهنا يأتي دور شهر رمضان المبارك، الذي يعلمنا الارادة.

وهذا الذي توصل اليه علماء التغيير يؤصله القرآن الكريم في كلمات محدودة «اِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ» (الرعد:11).

التغيير ببساطة هو الانتقال من حالٍ واقع غير مرضٍ، الى حالةٍ منشودة.

ولعل امكانية أن يحدث الانسان تغييراً في حياته، تعدّ من أهم اكتشافات علم النفس الحديث، حيث يقول علماء النفس: ان أهم اكتشاف حققه هذا الجيل، يتمثل في قدرة الانسان على تغيير مجرى حياته، اذا ما غيّر من سلوكه.

وقالوا: ان الأمر يستغرق فقط (12-03) يوماً لتغيير أي عادة أو سلوك، غير مرغوب في الانسان.

وهذه النتيجة تتوافق مع ما استنبطه علماؤنا، من كون شهر رمضان فرصة كبرى لتغيير السلوكات والعادات غير المرغوب فيها، سواء في أنفسنا أو أبنائنا أو الآخرين، وتتوافق كذلك مع الدعوات الى الاستفادة من مجيء شهر الصيام، لاكتساب الفضائل واستكمالها، والابتعاد عن الرذائل واجتنابها.

ويأتي الصيام ليذكّر الانسان، بأن عاداته التي اعتادها، ليست الا أموراً فرضتها الحياة والظروف، فهي ليست دائمة أو ثابتة، وبامكانه أن يغيّر منها متى ملك الارادة القوية، والهمّة العالية، والرغبة في التغيير.


لماذا لا نتغيّر ؟



قال أحد الحكماء ملخصاً حكاية الانسان مع التغيير: كلّ منا يحرس بوابة التغيير داخله، ويملك مفاتيحها، فلا يمكن لأحد أن يفتح أبوابنا من الخارج، لا بالاقناع العقلي، ولا بالاستجداء العاطفي.

يرغب الكثير منا بتغيير عاداته وسلوكياته نحو الأفضل، الا أنه قد يتأخر أو يتعثر، واذا بدأ ربما لا يستمر، بسبب:

1- لأن التغيير يحتاج وقتاً طويلاً لكي تظهر نتائجه مما يفقدنا الحماس لاستكمال مسيرة التغيير.

2- الرضا بالقديم وعدم الرغبة في التغيير

3- الخوف من نتائج التغيير، بالنسبة للفرد والبيئة المحيطة به.

4- طريقة التفكير النمطية القائمة أساساً على الجمود ومقاومة التغيير.



(خير عادة ألّا تكون أسير عادة)