وقعت معركة بلاط الشهداء أو معركة بواتييه في التاسع من شهر رمضان 114 هـ الموافق 10 أكتوبر 732 م ، بين قوات المسلمين بقيادة عبد الرحمن الغافقي وقوات الفرنجة بقيادة تشارلز مارتل .

هُزم المسلمون في هذه المعركة وقُتل قائدهم عبد الرحمن الغافقي ، وأَوقفت هذه الهزيمة الزحف الإسلامي تجاه قلب أوروبا وحفظت المسيحية كديانة سائدة فيها .

فبعد أن فتح المسلمون الأندلس سنة 92 هـ على يد القائدين المسلمَين موسى بن نصير وطارق بن زياد ، أراد موسى أن يتوسع في الفتوحات ويتجه شمالاً نحو أوروبا ، لكن الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك لم يطاوعه خشية أن يغامر بالمسلمين في طريق مجهولة لا تعرف عقباها ، وظلّ هذا الأمر حلماً يراود الحكام والولاة الذين تعاقبوا على بلاد الأندلس حتى تولى السمح بن مالك الذي بدأ بالإعداد لهذه المهمة الصعبة ، وعبّأ الجيوش لغزو فرنسا ثم تقدم حتى استولى على ولاية "سبتمانيا" جنوب فرنسا ، وهي إحدى المناطق الساحلية المطلة على البحر الأبيض المتوسط ، وعبر جبال البرانس ، متجهاً نحو الغرب حيث مجرى نهر الجارون حتى وصل إلى " تولوز " في جنوب فرنسا في التاسع من ذي الحجة 102 هـ .

وهناك نشبت معركة هائلة بينه وبين الفرنجة ثبت فيها المسلمون ثباتاً عظيماً ، وسقط السمح بن مالك شهيداً ، فأحدث ذلك اضطراباً في صفوف الجيش مما اضطر قائده عبد الرحمن الغافقي ‏ إلى الانسحاب‏ حفاظاً على ما تبقى من الجيش .

ثم خلف السمح على ولاية الأندلس عنبسة بن سحيم الكلبي وذلك في شهر صفر سنة 103 هـ ، فعمل على مواصلة أعمال الفتح واستكمل ما كان السمح قد بدأه ، فخرج في حملة أخرى لفتح فرنسا في أواخر سنة 105 هـ وأتمّ فتح ما تبقى من إقليم "سبتمانيا" ، وتمكّن من الوصول إلى مدينة "أوتان" في أعالي نهر الرون واستولى على عدة قلاع ، ولكنه لم يؤمّن طريق عودته فتصدت له جموع كبيرة من الفرنجة في أثناء عودته ، فأصيب في هذه المعركة ثم لم يلبث بعدها أن تُوفِّي في شعبان سنة 107 هـ وعاد جيشه مرة أخرى إلى أربونة في ‏"سبتمانيا".‏



ثم تولى من بعده عبد الرحمن الغافقي أمور الأندلس سنة 112 هـ ، في زمن الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك ، وظل قرابة عامين يُعِدُّ العدة لغزو فرنسا فطاف الأقاليم ينظر في المظالم ويقتص للضعفاء ويحرض على الجهاد والشهادة ، وأعلن الجهاد في البلاد الإسلامية حتى جاءته الوفود من كل مكان لمناصرته ، واجتمع عنده ما يقدر بحوالي مائة وسبعين ألف مقاتل ، جمعهم في مدينة " بنبلونة " شمال الأندلس ثم خرجت الحملة في أوائل سنة 114 هـ ، فعبر بهم جبال البرانس شمال أسبانيا وانطلقوا كالسيل الهادر يفتحون المدن الواحدة تلو الأخرى ، فاتجه شرقاً ليفتح مدينة "آرال" الواقعة على نهر الرون وفتحها بعد معركة هائلة سقط فيها العديد من القتلى من كلا الطرفين ثم اتجه غرباً إلى " أقطاينا " ففتحها ثم تقدم حتى فتح " سانس " ليصبح نصف فرنسا الجنوبي تحت سيطرة المسلمين حتى وصل إلى بلدة "بواتييه" التي لم تكن تبعد عن باريس سوى سبعين كيلو متراً فقط ، وعندها أحسّ الفرنجة بالخطر الداهم واهتزت أوروبا كلها لسقوط النصف الجنوبي لفرنسا في يد المسلمين ، فاستنجد حاكم "أقطانيا" بـ بشارل مارتل حاكم الدولة الميروفنجية فلبّى الأخير النداء على الرغم مما كان بينهما من خلافات وجمع عدداً من المرتزقة المحاربين الذين كانوا يتّشحون بجلود الذئاب ، وتنسدل شعورهم على أكتافهم العارية وتوحّدت القوى النصرانية إحساساً منهم بالخطر الذي يتهددهم .

والتقى الجيشان قرب مدينة "بواتييه" جنوب فرنسا على مسافة عشرين كيلومتراً منها ، في منطقة تعرف بالبلاط وهي تعني - في لغة الأندلس - القصر أو الحصن الذي حوله حدائق ، فسميت هذه المعركة ببلاط الشهداء وذلك لكثرة من استشهد فيها من المسلمين .

وكان بداية القتال في أواخر شعبان سنة 114 هـ واستمر تسعة أيام حتى أوائل شهر رمضان ، وانقضت الأيام الأولى من المعركة دون أن ترجح فيه كفّة على كفّة على الرغم مما أبداه الفريقان من شجاعة واستبسال .

وفي اليوم العاشر استغل المسلمون الإعياء والإجهاد الذي أصاب جيش الفرنج ، فحملوا عليهم حملة استطاعوا من خلالها أن يفتحوا ثغرة في صفوف الجيش ، ولاحت تباشير النصر لولا أن أغارت فرقة منهم على غنائم المسلمين التي كانوا يحملونها معهم في مؤخرة الجيش ، فانشغل البعض بتخليصها منهم مما سبب إحداث خلل وارتباك في صفوف الجيش .

وبينما كان عبد الرحمن الغافقي يسعى لإعادة نظام الجيش أصابه سهم فسقط شهيداً من فوق جواده ، وانتظر المسلمون حتى أقبل الليل فانسحبوا منتهزين فرصة الظلام .

لقد كانت معركة " بلاط الشهداء " آخر خطوات الفتح الإسلامي في أوروبا ، ولولا الهزيمة المرّة التي لحقت بالمسلمين لدخلوا أوروبا فاتحين ناشرين للإسلام في تلك الديار التي كانت تعيش حالة من الجهل والتخلف والهمجيّة ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .