التاريخ السياسي لامارة الجبور في نجد وشرق الجزيرة العربية

بعد ما يزيد على ربع قرن من اختفاء امارة العصفوريين العامرية التي سبق ان بحثناها نجحت قبائل بني عامر مرة ثانية في بسط سلطانها على مناطق من نجد وشرق الجزيرة العربية بزعامة اسرة تنتمي الى جدها الاكبر ((جبر)) فعرفوا ببني جبر او الجبور.
وعندما طرق البرتغاليون باسطولهم لاول مرة مياه الخليج في مطلع القرن العاشر\السادس عشر لفت انتباههم النفوذ الواسع والقوة الضاربة التي قد حازها الجبور. فتحدثوا عنهم في تقاريرهم بكثير من الاحترام الممزوج بالرهبة والخوف وحين اطلع مايلزmiles على بعض ما كتبه البرتغاليون علق على ذلك بقوله : انه ليبدوا حقا بان بني جبر مرعبيبن الى حد كبير وان امرهم قد بقي حتى الآن لغزا لم يحل(1) والواقع ان مايلز لو حاول ان يجهد نفسه في البحث والتنقيب في المصادر المختلفة لاتضح له بان امر بني جبر ليس باللغز الذي يصعب فك بعض طلاسمه . فمنذالخمسينات من هذا القرن والمحاولات تبذل للكشف عن تاريخ بني جبر وتعود اسبق هذه المحاولات للمستشرق الالماني المعروف كاسكلcaskel الذي قام 1949 بنشر بحث قصير عن شرق الجزيرة العربية بعنوان((امرة حاكمة مجهولة في بلاد العرب)) وهو استعراض عام وسريع لبعض المعالم البارزة في تاريخ شرق الجزيرة , وقد اتى فيه على ذكر الجبور والسلطانيين((اجود)) و((مقرن)) وفضلا عن المصادر البرتغالية فقد اعتمد على ما ورد عنهم في المصادر العربية وبخاصة ما ورد عند السمهودي وابن بشر.
ان البحث هذا على قصرة وعموميته احتوى على بعض المعلومات والملاحظات المفيدة(2) وقد اعقب كاسكل بقليل الشيخ محمد العبد القادر الذي خص الجبور بصفحتين من كتابه المكرس اصلا لتاريخ الاحساءمنذ القديم حتى العصر الحديث .وبالرغم من ان المؤلف اتبع الاسلوب التقليدي في عرض مادته,فانه قدم لنا مادة اولية ايلة لم يسبقه احد,بحيث جعل من غير الممكن لباحث في تاريخ شرق الجزيرة العربية ان يتجاهل هذا المصدر القيم الجليل الذي كان قد نهض به الشيخ محمد العبد القادر.(3)
ثم جاء دور الشيخ حمد الجاسر فتناول النصو التي اوردها الشيخ محمد العبد القادر في كتابه المذكور واضاف اليها ما في حوزته من مادة جديدة فكتب بحثا عن الدولة الجبريةفي الاحساء يمكن ان يوصف بانه اول محاولة لعرض تاريخ الجبور, باسلوب جديد فكان علامة مضيئة في هذا الطريق(4).
ان آخر ما يمكن ان يشار اليه في هذا الصدد هو البحث الذي نشره المستشرق جان اوبينjean uiqa عام 1972 بعنوان((مملكة هرموز في مطلع القرن السادس عشر )) وعلى الرغم من ان هذا البحث مكرس اساسا لتاريخ مملكة هرموز,الا انه ضم معلومات مفيدة عن طبيعة العلاقة بين امارة الجبور وملوك هرموز.(5)
وهنا لابد ان نشير اننا قد تعمدنا عدم الاشارة الى الجهد الذي قام به مايلز بالكتابة عن تاريخ الخليج وسبق هؤلاء جميعا.لان ما اورده عن الجبور قد جاء في السياق العام وذلك عند حديثه عن البرتغاليين ولم يخصص جزءا من كتابه للحديث عنهم .وعلى الرغم من ذلك فانه كان اول من انتبهه الى اهمية دورهم معتمدا في ذلك على تقارير الرتغاليين المنشورة فقط.وكذلك تجاهلنا ذكر جورج ستريبلنكstripling الذي خصص لهم في اطروحته الاتراك العثمانيين والعرب 1511-1574 حيزا ضيقا لم يتجاوز الاربعة اسطر,لان ماذكره هو مستمد من مدونات البوكرك فقط.
ومهما يكن من امر فان هؤلاء الباحثين الذين اشرنا اليهم لم يكن بينهم من استوعب كافة المصادر,عربية كانت ام غير عربية, ووضع تاريخ الجبور ضمن الاطار العام للتاريخ الخليج العربي والجزيرة,وبنظرة شمولية .لذا كان لابد من اعادة النظر فيما طرح من مادة واضافة ما هو جديد اليهاوعرضها بطريقة ملائمة تتناسب والدور الذي لعبه الجبور في تاريخ الجزيرة العربية.ان دراستنا هذه تاتي ضمن هدف طموح لكتابة تاريخ حوض الخليج العربي في العصر الوسيط المتاخر.تلك الفترة التي عرفت بغموضها وقلة مصادرها .ولقد بذلنا ما في الطاقة لاستقصاء مختلف المصادر مستفيدين الفاضلين محمد العبد القادر وحمد الجاسر,راجين ان تكون هذه الدراسة جهد يضاف الى جهودهما من اجل سد الثغرة الواسعة في معرفتنا التاريخية عن نجد وشرق الجزيرة العربية خاصة والخليج العربي عامة,خلال هذه الفترة.
على اننا قد نؤآخذ على تجرؤنا على نقد بعض النصوص والآراء ومحاولة تفنيدها والتشكيك بها.والواقع اننا قد اضطررنا في احيان كثيرة الى اتباع الاسلوب النقدي نظرا لان ماطرح حتى الآن مع مادة يفتقر للتمحيص والتدقيق ,يضاف الى افتقارنا الى مصدر اساسي يمكن الركون اليه عن هذه الفترة.
على ان افتراضاتنا واعتراضاتنا لم تكن تبتعد كثيرا عن طبيعة ما يمن ان يتبع في هذه المنطقة من احداث وما يقتضيه منطق الامور.كما اننا في كل ما ذهبنا اليه نعتمد على المقارنة والاستنتاج ضمن تطور يعتمد على التامل الطويل في الاحداث التاريخية والبحث عن اوجه التشابه فيها,مدركين باننا سوف نجد من يخالفنا في بعض ما ذهبنا اليه.لكن فرحنا سوف يكون كبيرا عندما نجد المخالفين يطرحون ما في حوزتهممن معلومات ما زلنا نجهلها حتى الآن تاركين للمختصين تقدير الجهد المبذول في هذا البحث. – 1 -



شرق الجزيرة في اعتاب سقوط العصفوريين
من المفيد ان نذكر القارىء بما سبق ان قلناه عن الظروف التي كانت قد احاطت بالعصفوريين وذلك في بحثنا عن امارة العصفوريين(7)- اذ ان الشتات والنزاع كان سائدا بين امرائهم منذ القرن الثامن/الرابع عشر,الامر الذي نتج عنه تجزئة امارتهم وتعدد ظهور الزعامات المتناحرة مما ادى في النهاية الى زوال امارتهم على يد سعيد بن مغامس بن سليمان بن رميثة الذي لم تطل فترة حكمه ,اذ سقط على يد الزعيم الاحسائي جروان المالكي. على ان بني عصفور خاصة وبني عامر عامة ,وقد فقدوا سلطانم السياسي ظلوا يحتفظون في كل من نجد وشرق الجزيرة العربية بنفوذهم الاقتصادي الواسع ,ولعل وضح دليل على ذلك ان قوافل الحج القادمة من جنوب ايران وجنوب العراق وسواحل الخليج العربي كان يتولى قيادتها وحراسها بنو عامر,وكثيرا ما اطلق على هذه القافلة اسم قبيلة عقيل.ولقد بقي اطلاق هذه التسمية على هذه القوافل حتى عهد قريب الامر الذي يحملنا على الظن بان هذه التسمية قد اصبحت تطلق على هذه القوافل (كعلامة تجارية),اكثر من كون هذه التسمية تعني انتسابا قبليا(8). والواقع ان قوة قبيلة بني عامر العقيلية وشجاعة رجالها ومهارتهم السياسية والتجارية قد حققت لهم احتكار قيادة القوافل منذ القرن الثالث عشر ولفترة طويلة,فاحتلت في نجد وشرق الجزيرة العربية واطرافها دورا يذكرنا بالدور الذي كانت تلعبه قريش في غرب الجزيرة واطرافها قبل الاسلام.
على انه يجدر بنا ونحن نشير الى القوافل التجارية ان نلفت الانتباه الى ان ماكان يقوم به بنو عامر من قيادة وخفارة للقوافل وما يتقاضوه عن ذلك من رسوم يجب ان لا ينظر اليه على انه عمل من اعمال السلب والنهب كالذي تمارسه بعض الجماعات البدوية غير المنضبطة,بل يعتبر ضربا من ضروب النشاط الاقتصادي الذي بدؤه لا يمكن ان نتوقع وجود نشاط تجاري واقتصادي هام في تلك البقاع وضمن تلك الظروف.ولقد اورد لنا السخاوي (ت902/1497) ذكر قافلتين كانتا يقودهما بنو عامر في الفترة التي اعقبت زوال سلطتهم السياسية.القافلة الاولى كانت عام811هــ/1408م ذكرها السخاوي عندما ترجم لجليل بن محمد الاتفهي لاشتر ,حيث قال:( بان سافر من الحجاز الى الحسا والقطيف بصحبة قافلة عقيل).اما الثانية اتت عام823/1420,ذكرها السخاوي عندما ترجم لمحمد بن محمد ابو الخير العمري المعروف بابن الجزري(9).
ويبدو لنا ان بطون بني عامر كانت تراقب الوضع في بلاد البحرين عن كثب وتتحين الفرصة المناسبة لاسترجاع نفوذها السيادي السابق .ومن المحتمل ان لاسرة التي كانت تحتكر قيادة