أ
بسم الله الرحمن الرحيم

علم النفس/الإدراك
: تعريفه و نظريات
ضمن أكاديميا

د.بوفولة بوخميس

1- تعريف الإدراك :

الإدراك هو سيرورة إنتقاء وتنظيم
وتفسير المعطيات الحواسية في شكل تصورات عقلية قابلة للإستعمال وهو العملية
التي تتم بها معرفتنا للعالم الخارجي والتعرف على الإحساسات وإعطائها معنى
.

ويميز علماء النفس المعرفيين بين الإحساس والإدراك ، فالأول هو مجرد حدث
نفسي بسيط ناتج عن تحول في المحيط، وهو معطية أولى تؤدي إلى نشوء سيرورة
معالجة معلومة والتي تترجم في تنشيط خلايا استقبال نوعية وعصبونات المناطق
القشرية والأعضاء المنفذة، أما الثاني فهو سلوك أكثر تعقيدا ويتطلب ربط
مصادر معلومة عديدة ليست فقط حواسية وإنما أيضا تخص الذاكرة والدافعية
والتقييم، ورغم اختلاف الإحساس عن الإدراك إلا أنهما متلاحقان فالأول هو
كشف وتحويل، والثاني هو إنتقاء وتنظيم وتفسير.

2- نظريات الإدراك: توجد هناك العديد من النظريات التي حاولت تفسير مفهوم
الإدراك ولقد قام العلم J-D. BAGOTبجمعها في سبع هي :

2-1 النظرية البنيوية والأمبريقية :

يستعمل هذا المصطلحان لما يتطرق إلى التيارين النظريين اللذين سادا في
الوسط العلمي في نهاية القرن 19 وبداية القرن الـ20 ولقد تأثرت كل العلوم
في هذه الفترة بما فيها علم النفس بنزعة تقسيم موضوع البحث إلى عناصر أكثر
بساطة ولهذا تعرف هذه الحقبة أيضابـ “التجزيئية”élémentarisme وفي علم
النفس كانت التجزيئية منتشرة خاصة في مجال الإحساس، وبعد هذا التفكيك كان
العلماء يقومون بربط المجموعات المتناسقة من هذه العناصر في كل منظم ووظيفي
وفق (بواسطة) سيرورة ربط معينة وهذا ما جعل هذا التصور يأخذ إسم الترابطية
Associationnisme

وكان الإدراك يعتبر كنتيجة لجمع العديد من الإحساسات الأولية وهو يقوم
أساسا على بنية هذه الترابطات (لهذا يتحدث عن البنيوية) وكان دور التجربة
والتعلم أساسيا (لهذا يتحدث عن الامبريقية) لهذا كان الأمبريقيون يعارضون
بشدة أصحاب النزعة الفطرية الذين يرون أن الكفاءات الإدراكية هي فطرية.

وفي الوقت الراهن مازالت مسألة ما هو فطري وما هو مكتسب في الإدراك إلا أنه
حصل هناك تحول نحو تحديد فترات النمو التي تبدو فيها الكفاءات الإدراكية
أكثر تعقدا.

2-2 النظرية السلوكية :

تعارض السلوكية التي جاء بها العالم J-WTSON عام 1913، كل علم نفس يستعمل
الإستبطان، وتقوم السلوكية على مبدأ الحالات العقلية والنشاط الذهني غير
قابلان للدراسة الموضوعية وبإمكان تفسير الظواهر النفسية انطلاقا من
السلوكات المنعكسة وفق النمط مثير- إستجابة.

ولقد أثرت السلوكية كثيرا في مجال التعلم وكذلك الإدراك ولقد أتخذ الفرد
كصندوق أسود وما أحاسيسه إلا نتيجة لمثيرات المحيط وفق علاقات يمكن صياغتها
موضوعيا.

2-3 النظرية الجشطلتية :

لقد نشأت هذه النظرية كرد فعل ضد المقاربة التجزيئية والتحليلية التي قام
بها الأمبريقيون الترابطيون، كما تعارض بشدة السلوكية التي عاصرتها في
الظهور، وحسب هذه النظرية لم يعد المحيط هو الفاعل على الفرد وإنما هذا
الأخير الذي يبني وينظم المحيط بحيث لايعود الإدراك مختزل في كونه مجرد
مجموع لإحساسات أولية.

إن ظهور مفهوم الجشطلت كان على يد M.Wertheimer سنة 1912 وذلك بفضل أعماله
عن الحركة الظاهرة لقد خلص Wertheimer ومعانيه W. KÖHLER وK .
KOFFKA إلى فكرة مفادها إن “الكل أكبر من مجموع أجزاءه”.

ورغم أن الجشطلتيون ينبهون إلى أهمية العناصر البنيوية الموجودة في بعض
المنبهات (المثيرات) إلا أن شاعلهم الأول هو الكيفية التي يشكل (يبني) بها
الملاحظون العالم ونمط التصورات الشكلية التي يبنونها.

إن هذا التصور الشمولي (Globaliste)، الذي يكون فيه الفرد فاعلا حسب
استراتجيته وتصميماته الشخصية للتصور، هو عبارة عن تحليل تستعمل فيه
المعلومة الداخلة وتنظم من جديد وفق تأثيرات معينة من الأعلى إلى الأسفل .

من جهة أخرى قد أبدى الجشطالتيون معارضتهم للتحليلات التي تقوم على تجزئة
الموضوع إلى عناصر وهي تلح أيضا على أهمية عناصر المثير في الإدراك وتسمى
هذه التحليلات من القاعدة إلى القمة.

إن هذا التحليل من الأعلى إلى الأسفل الذي عرفت به الجشطالتية يعده الكثير
من العلماء كمقدمة للمقاربة المعرفية التي ظهرت في الوقت المعاصر.

2-4 النظرية التكوينية :

لا يرفض هذا التصور نظرية الجشطلت لكن يعطي دورا فاعلا للشخص فهو يبني
إدراكاته إنطلاقا من معطيات تستخرج، رويدا رويدا، من ملاحظة المثير، ولقد
ألح J.HOCHBERG (1970)، في مجال الإدراك البصري، على الدور الأساسي لحركات
العين والتي بفضلها تجمع المعطيات المأخوذة من مواطن عديدة في الحيز لبناء
تصور عقلي وخريطة “عقلية” عن المشهد والمواضيع المشاهدة.

وتتوافق هذه المقاربة جيدا مع بعض المفاهيم العصبو-فزيولوجية الحالية التي
تفضل الأخذ بفكرة أن الترابطات بين الشبكات العصبونية هي الركن الأساسي
الفزيولوجي للتصورات الإدراكية.

وفي الأخير توصف أي مقاربة بأنها تكوينية إذا اتخذت الإدراك كنتيجة لبناء
يقوم به الفرد انطلاقا من المعطيات النابعة من الملاحظة النشيطة للمثير.

2-5 النظرية البيئية :

اقترحت من طرف J.J.GIBSON عام 1979 ولقد تطور هذا التصور بالأخص في مجال
الإدراك البصري ويقوم على مبدأ أن كل المعطبيات الضرورية للإدراك موجودة في
العالم المحيط ويكفي أخذها. إن الدور الذي تلعبه تنقلات الملاحظ (الشخص
الذي يقوم بالملاحظة) أساسي للغاية، وحسب GIBSON ما يدخل في العين هو “شبكة
بصرية محيطية ».أي هو ترتيب حيزي للضوء المبني (المهيكل) من قبل مختلف
عناصر المحيط. وتنقسم هذه الشبكة إلى عدد كبير من القطاعات الزاوية (زوايا
صلبة)، وكل قطاع يحتوي على الضوء المنعكس من سطح العناصر الملائمة،
الموجودة في الحيز، بشدة وتشكيل طيفي خاص، وبالتالي يحدد الإدراك مباشرة
وفق هذا الترتيب البصري وتغيراته الراجعة إلى التحركات المستمرة للملاحظ،
وأدت هذه المقاربة إلى عدم القبول إلا بالوضعيات الطبيعية (ولهذا سميت
بالبيئية) وترفض وتنكر صحة (مصداقية) تجارب المخبر حيث يوضع الأشخاص
الساكنون ومثبتو النظر في وضعيات بعيدة عن الظروف الحقيقية.

وتعارض نظرية GBSON كذلك التصورات المستلهمة من التيار التكويني وحسبها
تستخرج المعلومات المتضمنة في الصورة الشبكية من طرف النظام البصري بواسطة
طرق حساب ومعالجة. فحسب GIBSON لا فائدة من هذه السيرورات لأن الشبكة
البصرية التي تصل إلى الملاحظ هي شبكة مهيكلة سلفا من قبل المساحات
والمواضيع الحاضرة وبالتالي تعطي معلومة (معطية) منظمة سلفا عن المحيط إذا
هذا تصور لإدراك مباشر فالمعطية تؤخذ بدون أن تعالج وكأن هناك رنين آلي بين
الملاحظ والعالم المحيط كما أدخل GIBSON مصطلح المنوحية (AFFORDANCE)
ويناسب إمكانات التأثير التي توجد في المواضيع، فدلالة موضوع ما متعلقة بما
يمنحه لنا (TO AFFORD) وما يمكننا القيام به : فالمقبض للقبض والطعام
للأكل والسيالة للكتابة والكرسي للجلوس….إلخ

ولقد لعبت النظرية البيئية دورا هاما في تفسير الإدراك البصري الخاص بالعمق
والحركة.

2-6 النظرية التعاملية :

مهد لها A.AMES وطورها W.H.ITTELSON في الستينات. وتتصور هذه النظرية
الإدراك كنتيجة لتعامل (TRANSACTION) لعلاقة بين الشخص ومحيطه، والإكتفاء
بأخذ بعين الإعتبار المتغيرات البنيوية للمثير كما تفعل الجشطلتية، أو
المحيط العام كما تفعل البيئية يعد أمر غير كافي. الشخص المدرك يخلق العالم
الذي يعيش فيه إنطلاقا من وجهة نظره هو، أي حسب تجربته (خبرته) الماضية
والهدف الذي يرجوه بإختياره الإدراكي .القيام بفعل الإدراك هو إرسال
بإستمرار وبلا وعي للعديد من الفرضيات عن المحيط وتفضيل الواحدة منها لتصبح
واعية (شعورية). فالإدراك إذن يتطلب العديد من العوامل الشخصية التي تحدد
هذا الإختيار.

وعندما تكون المعطيات غامضة يختار الشخص الفرضيات التي تبدو له أكثر ملائمة
للوضعية.