بسم الله الرحمن الرحيم



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:


مسلسل "حريم السّلطان” يــروي قصة السّلطان العثماني سليمان القانوني الذي حكم بين سنتي 1520 و1566م. ويتحدث عن التّأثير الطاغي لإحدى الجواري واسمها "خرم” على السّلطان. وفي النسخة العربية من المسلسل تظهر الجارية باسم "هُيام”، وبسببها حدثت كوارث كبيرة من بينها قتله لابنه مصطفى بدون وجه حقّ. هذا المسلسل دخل كلّ بيت عربي تقريبًا، وشدّ إليه أنظار ملايين المشاهدين، وتميز ببراعة عالية في التّمثيل والتّصوير. وقدّم المسلسلُ سليمان القانوني محبّا للشّهوات والنّساء الملّذات، أكثر أوقاته بين الحريم في القصر. وترك تأثيرًا واضحا على المشاهد، فلم يعد يرى فيه سوى شخص محب للّهو منقطع عن هموم شعبه، وضاعت صورته الحقيقية التي يعرفها عنه المؤرخون وكثير من المستشرقين من الشّجاعة والعدل والتّقوى. هذه الصورة شوهت جانبا كبيرا من حياة هذا السّلطان الذي كان يسميه العالم الغربي "السلطان العظيم” و”الفخم” و”الكبير” Grand Le ، Le magnifique.

كاتبة السّيناريو : كتابات المُسْتشرقين مصدرُنا
بعد بثّ عدد من حلقات هذا المسلسل في "قناة”D التّركية قُدّمت نحو 30 ألف شكوى من مواطنين ومثقفين إلى المحاكم التّركية تطالب بوقف بث المسلسل لأنّه يشوّه جانبا كبيرًا من تاريخهم، وانتقده رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وقال "إنّ السّلطان سليمان القانوني قد أمضى 30 عاما على صهوة الخيل، وأنا أدين مُنتجي هذا المسلسل وأصحاب التّلفزيون الذي يبثّه”.

سلط المسلسل الضوء على علاقة الحبّ التي جمعت السّلطان وإحدى جواريه التي تصبح لاحقا زوجته، وذات نفوذ واسع في حياته والدولة العثمانية بأكملها. وقد أرادت روكسلان الروسية في المراجع الغربية، أو خُرّم في المراجع التّركية و هُيام في المسلسل التّركي المدبلج إلى العربية "حريم السلطان” تمهيد الطريق لابنها سليم ليتولى وراثة أبيه في الحكم فيما بعد، فاشتغلت بالدّسائس وساعدها الصدر الأعظم رستم باشا على ذلك ، فانتهز الأخير فرصة سفر ابن السلطان مصطفى في إحدى الحملات العسكرية إلى بلاد فارس، وكاتب السّلطان سليمان يخبره أن ابنه يريد أن يثور عليه، فانطلت الحيلة على الخليفة الذي سافر من فوره إلى معسكر الجيش في بلاد فارس متظاهرًا بقيادة الجيش بنفسه واستدعى ابنه إلى خيمته وقتله فور دخوله إليها. وكان للسّلطان ابن آخر يُدعى جهانكير توفّي بعد مقتل أخيه مصطفى بوقت قليل حزنا كمدًا.

في أثناء تصوير هذه الأحداث يظهر السّلطان سليمان ضعيفا أمام النّساء، غير قادر على التّحكم في دواليب الدولة. ويركز المسلسل على الحياة الخاصّة داخل قصر السلطان، وتظهر النساء في ملابس فاخرة وغير محتشمة. ويتساءل المرء ما هي المصادر التي اعتمدت عليها مِرال أوكاي كاتبة السيناريو لكي يتم تصوير حياة السلطان الخاصة بهذه الدقة وبهذا التفصيل؟ وما هو الهدف من تركيز المنتجين على هذا الجزء من حياة السّلطان؟

تقول كاتبة السيناريو بخصوص رأيها في المسلسل "في تلك الفترة، أي فترة حكم السلطان سليمان، كانت هناك سفارتان رسميّتان لدولتين كبيرتين في اسطنبول هما سفارة البندقية وسفارة مملكة بولنْدا. وكانت هناك علاقات بين السّفراء والقصر العثماني، وهي بمثابة ويكيليكس اليوم. وفي تلك الفترة كانت التّقارير تُرسل إلى البندقية وقصر الملك حول القصر والحياة اليومية للسّلطان. ثم إنّ هذه التقارير تم نشرها خارج الدّولة العثمانية. وتوجد لها ترجمات إلى اللغة التركية، وانطلاقا من هذه التّقارير نقرأ التّاريخ. وبما أنّ التاريخ لا يكتبه إلا الرجال فإن المعلومات الموجودة تتركز أكثر حول الرجل، أما المرأة فهي توجد داخل صندوق مغلق، ولا نطلّ عن عالمها إلا عبر ما يقولُه عنها المستشرقون”.

وفي ضوء هذه التوضيحات يمكن أن نبدي الملاحظات التالية:
- كاتبة السيناريو مِرال أوكاي بِعملها هذا تدّعي أنّها تُنير النّاس بما هو مجهول من تاريخ الدّولة العثمانية، وتُلقي الضوء على المناطق التي لم يصل إليها المؤرخون والكتاب، وتُخرج إلى العلن ما كان مستورا على طريقة ويكيليكس.

- تجعل ما كتبه المستشرقون والغربيون الذين كانوا يتربصون بالدولة الدائر ويبحثون لها عن كل فرصة للنيل منها والإيقاع بها مصدرها في ما أنتجته من عمل.
- لم تجد ضمن كبار مؤرخي تركيا وعلماء التاريخ فيها المشهورين سوى دنيز أسَمانْلي وأورخان أفينجو العلمانيّيْن المغموريْن ليكونَا مُستشاريْن لها في هذا العمل التلفزيوني الخطير. فلماذا لم تستعن بأساتذة مرموقين عالميا مثل خليل إينالجيك، ومباهات كوتوك أوغلو، و إدريس بوسطان، وإلبار أرطايلي، وفريدون أمجان وغيرهم؟ أم أنّ هؤلاء لا يقبلون أن يكونوا مستشارين لعمل يُزيف التّاريخ ويشوّه سيرة أجدادهم العظام؟

- الواضح أن مرال أوكاي قد أنتجت هذا المسلسل لا من وجهة نظر تركيّ يعتزّ بتاريخه وأمجاده بل من وجهة نظر استشراقية، ثم قدمت علمها هذا لملايين المشاهدين من الأتراك والعرب وهي تزعم أنها تكشف الغطاء عن حقائق تاريخية كانت مستورة.

- كاتبة السيناريو ومنتجو الفلم والقناة التي بثّت المسلسل مسكونون بهاجس الرّبح التّجاري والمكاسب المادّية، ومدى قدرة المسلسل على جذب أكبر قدر من شريحة المجتمع والمتمثلة أساسا في الشباب، هؤلاء الشباب الذين تستهويهم المشاهد الجذّابة والوجوه الحسنة وقصص الهوى، والمغامرات الدراميّة. وتحت وطأة هذه الهواجس دِيست بالأقدام مناقب هذا السّلطان العظيم وامتلأ المسلسل بوقائع وأحداث لا تعدو أن تكون كذبًا وبهتانًا.