حروب قرطاجة:

بداية لا بد من الإشارة إلى أن الصراعات في الغرب قد انحصرت في حصار ضيق بالمقارنة بالتغييرات الثورية في الشرق خلال الفترة نفسها، ولكن قرطاجة لم تلبث أن تورطت في صراع له أهميته البالغة بالنسبة للتاريخ العالمي وهو الصراع مع روما وقد عقدت معاهدات بين الجانبين منذ وقت مبكر في سنة 508 ق.م. عندما عندما كانت روما مجرد مدينة من مدن إيطاليا المتوسطة الحجم، ويمكن الإشارة إلى عدد من الحروب التي خاضتها قرطاجة، والتي يمكن إيجازها فيما يلي:

- الحرب الصقلية الأولى

- الحرب الصقلية الثانية

- الحرب الصقلية الثالثة

- حروب بيبروس الأبيري

- الحرب البونيقية الأولى

- حرب الأجراء

- احتلال أسبانيا

- الحرب البونيقية الثانية

- حرب ماسينيسا

- الحرب البونيقية الثالث

تدمير قرطاجة:

لقد أشرنا فيما تقدم إلى حرب ماسينيسا، ورغم كل ما أبداه ماسينيسا من تواطؤ مع روما، وخضوع وعون لها. رغبة منه في إعطائه حكم قرطاجة من قبل الرومان، إلا أن ذلك لم يحل دون حرب الرومان لقرطاجة ورغم التفوق الساحق لروما فإن قرطاجة صمدت حتى سنة 146 ق.م، واستاء ماسينيسا عندما حرم من أمله في حكمها، لكنه أذعن وانضمت معظم المستوطنات الفينيقية والقرطاجية القديمة إلى روما وتجنبت بذلك التدمير المحتم وسويت قرطاجة بالأرض ولعن مكانها في احتفالاً طبقاً لتقليد روماني، وهو عمل رمزي يدل على مدى الخوف والحقد اللذين اختزلتها روما زهاء قرن للدولة التي قاومت بضرواة سياتها على عالم البحر المتوسط.

تاريخ قرطاج

تأسيس قرطاج
أسست الأميرة ديدون قرطاج عام 814 قبل الميلاد، حسب رواية المؤرخين القدماء. وجاءت الأميرة هاربة مع أصحابها من مدينة صور في لبنان، وسموا المدينة "قَرْتْ حَدَشْتْ"، وتعني "مدينة جديدة"، فأصبح الاسم "قرطاج" عن طريق النطق اللاتنية. كانوا يعبدون خاصة "ملقرت، واسمه يعني "ملك المدينة".

واقعة في مكان مهم بين شرق وغرب البحر الأبيض المتوسط، سهل عليها التجارة، فذهبت سفنها إلى كل أنحاء البحر، من المشرق حتى أبعد من موريتانيا، وأسسوا مدن صفيرة على شواطئ صقلية والمفرب وسردينية واسبانيا. وأيضا بدأوا استعمار بلاد تونس نفسها، فكانوا أصلا يسكنون الشوطئ فقط خوف الحرب مع البربر الذين سكنوا البلاد. فأصبحت المركز التجاري لغرب البحر الأبيض المتوسط كله قبل القرن الخامس قبل الميلاد.


الحروب الصقلية

الحرب الصقلية الأولى
كان هدف معظم المدن اليونانية هدف قرطاج نفسه - السيطرة على التجارة في البحر الأبيض المتوسط. ولهذا أصبحت بينهما عداوة دائمة. وكلاهما بدأ باستعمار جزيرة صقلية منذ زمن، ولما رأت قرطاج أن جيلون، دكتاتور مدينة سيراكوزا، كان يحاول توحيد المدن اليونانية في صقلية، قررت محاربته في عام 480 قبل الميلاد. فأرسلت جيشا كبيرا بقيادة هملقار، ولكن الكثير من الجيش غرق مع سفنه، فهزم في هيميرا قرب باليرمو، وعليه انتحر هملقار وتحولت حكومة قرطاج من أرستقراطية إلى جمهورية.

الحرب الصقلية الثانية
بعد أقل من سبعين عام رجعت قرطاج إلى قوتها الأصلية. أنشأت مدن كثيرة في شمال تونس. ففي عام 409 ق م ذهب حنبعل ماجو حفيد حملقار ليحارب ضد مدن صقلية اليونانية وفتح مدن سلينونتي وهيمبرا. كلها، وخاصة المدينة الأقوى سيراكوزا، لكن دخل الطاعون في جيشه، فماتوا الكثير ومنهم حنبعل ماجو. استنمر القائد حملكو الحرب، واحتل مدينة جيلا، لكن أثر الطاعون عليهم كثير فاتفقوا مع ديونيزيوس ديكتاتور سيراكوزا رجعوا.

بعد قلبل - في عام 398 ق م - رفض ديونيزيوس اتفاقهم وهاجم على المدينة القرطاجية موتيا في صقلية، فدافع عليها القائد حملكو وبعد نجاحه احتل المدينة اليونانية مسينا أيضا. أخيرا هاجم على سيراكوزا طول عام 397، لكن عاد الطاعون في 396 فهربوا.

بعد ذالك حاربوا مرات عديدة طول 60 سنة، وانتهت الحروب في 340 ق م بتقسيم الجزيرة بين قرطاج في الجنوب الغربي والمدن اليونانية على الشواطئ الأخرى.


الحرب الصقلية الثالثة
في عام 315 ق م أخذ اغاثوقليس (دكتاتور سيراكوزا) مدينة مسينا، ثم رفض اتفاق السلام بينه وبين قرطاج وهاجم على الجزء القرطاجي لصقلية، وأيضا مدينة اكراغاس. فأرسلت قرطاج حملقار حفيد حنى الطيار ليحاربهم، وكان نجاح عظيم، ففي عام 310 ق م كان يحكم تقريبا كل الجزيرة وكان جيشه حول سيراكوزا نفسها. لاكن اغاثوقليس ذهب سرا مع جيش 14000 جندي ليهاجم عن قرطاج نفسها، فدعى مجلس قرطاج حملقار ليعد ويدافع المدينة. فربحت قرطاج جزء كبير من صقلية، لكن حتى بعد نصره على جيش اغاثوقليس لم يقدر على سيراكوزا.


حروب بيروس الأبيري
كان بيروس الأبيري ملك يوناني في البانيا دعته المدن اليونانية في جنوب ايطاليا وصقلية ليحكمهم ويدافع عنهم، فبين الأعوام 280 و 275 ق م، حارب عدويه اللدودين روما وقرطاج. خسر في حروبه، فرجعت صقلية إلى ما كانت وحكمت روما كل جنوب ايطاليا، فقربت إلى قرطاج للمرة الأولى.


الحروب البونية (الرومانية)

الحرب البونية الأولى
لما مات الدكتاتور اغاثوقليس عام 288 ق م، الأجراء الإيطالية في جيشه فقدوا خدمتهم، فغضبوا وحكموا مدينة مسانا وسموا أنفسهم "ماميرتين" يعني "تابعي اله الحرب" وأخذوا يحاربون على كل مدن صقلية. فبعدما أصبح هييرون الثاني دكتاتور سيراكوزا في عام 265 ق م هاجم عليهم، فأرسل الماميرتين سفير إلى روما ليطلب عونهم، وسفير ثان إلى قرطاج. وأجابت قرطاج وبعثت جيش إلى مدينة مسانا ومجلس أعيان روما لم تزل تتناق. لاكن بعد قليل اتفقوا القرطاجيون مع سيراكوزا، فطلبوا الماميرتين عونة روما ليخرجون جيش قرطاج. لم تقبل روما أن يكون دولة قوية في مسانا لأنها قريبة جدا إلى جنوب ايطاليا، فقرروا أن يبعثوا جيس لتأييد الماميرتين، وبدأت الحرب البونيقي الأولى.

الجيش الروماني الأول لم يربح، لاكن في عام 263 ق م، بعثت روما جيشا ثان، وبعدما أخذت بعض المدن الصقلي، رفض هييرون الثاني اتفاقه بقرطاج وحالف روما. رأت روما أن الحرب أصبحت فرصة لاحتلال صقلية كلها، ولذالك بدأت تبني سلاح البحر. لم يكن في روما أي سفينة في البداية، فصعبت عليها، لاكن ازدادت إلى السفن سلاح جديد تسمى الـ"كورفوس" (يعني الغراب) وهو حطب طويلة بزرة تستعمل كجسر لدخول سفن الأعداء. وبها ربحوا في البحر وفي 255 هاجموا على قرطاج نفسها. وتقريبا أسلمت قرطاج، لاكن لما سمعوا شروط روما استمرت الحرب وطاردوهم من افريقية، ثم حاربوا الرومان في صقلية وبدأوا حرب ثاني ضد نوميديا في افريقية. ولما كان النصر قريب في صقلية، قرروا أن يرسلوا معظم سفنهم إلى نوميديا في عام 247 ق م، فلم يربح أي واحد في صقلية وقتا طويلا. لاكن أخيرا بنت روما سلاح البحر جديد ودمرن صفن قرطاج، فأسلمت قرطاج كل صقلية إلى روما وانتهت الحرب البونيقية اللأولى في عام 241 ق م.


حرب الأجراء
خسروا القرطاجيون مالا كثير للرومان كجزء من اتفاقهم، فلم يكن لهم مال لقبض أجرائهم، ففضبوا وبدأوا حربا ضد قرطاج بعون نوميديا في عام 241 ق م. كان قائدا الأجراء ماثوس اللوبي وسبينديوس العبد الروماني، ويقال أنهم رجموا كل من تكلم عن هدنة، ولهذا أيضا تسمى "حرب لا هدنة". وبعد سنين ربح القائد القرطاجي العظيم حملقار برقة بجند 10000 مواطني قرطاج (وكان معظم الجيش القرطاجي قبل ذالك أجراء وليس مواطنين). وبعد نصره أصبح حملقار برقة رئيس الدولة وذهب ليستعمر اسبانيا.


احتلال إسبانيا
في عام 236 ق م هاجم حملقار برقة على اسبانيا، وحارب هناك حتى موته في القتال في عام 228. وبعده قاد جيشه عزربعل، وكان حملقار برقة قبل موته في 228 ق م قد فتح اسبانيا حتى نهر الايبرو واتفق مع روما ألا يعبر ذلك النهر. وبعده أصبح قائد الجيش حنبعل ولد حملقار برقة المشهور. كان حنبعل يكره الرومان وظن أنه على قرطاج أن تحتل روما وإلا فستفشل بالكامل. وفي عام 219 هاجم على ساغونتوم، مدينة مستقلة وراء نهر الايبرو، وكذالك رفض اتفاق عزربعل، فبدأ الحرب البونيقية الثانية.


الحرب البونية الثانية
بعد ما عبر الايبرو سار حنبعل وجيشه بسرعة، وعبروا جبال الالب في 218 ق م. لما وصلوا إلى ايطاليا دخل في جيشهم كثير من الأجراء والحلفاء من عند قبيلة الگول وهزم الجيوش الرومانية في المنطقة بسهولة، ولما رأوا هذا حالفه الكثير من مدن ايطاليا ومنهم سيراكوزا. في نفس الوقت كان جيش روماني يحارب في اسبانيا. وقرب إلى روما حتى وصل إلى ميناء كابوا في 211 ق م، لكن بعد موت أخوه عزربعل في عام 207 رجع إلى مدينة بروتيوم في جنوب ايطاليا. وأخيرا حالف الرومان الملك النوميدي ماسينيسا وأرسلوا جيشاً ليهجم على افريقيا نفسها، فبعد قليل نجت روما ودخلت اسبانيا كلها في اتفاق السلام، ومنعت قرطاج من أي حرب - حتى ولو كانت في دفاع نفسها - إلا بإذن روما.