إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ،
مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ،ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ،
وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ،
ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً

موقف المعتزلة من السنة النبوية



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإنه بالنظر في آراء المعتزلة وأصولهم، يجد الباحث في تاريخ المعتزلة وآرائهم اعتزازَهم بعقولِهم، وتقديمَها على الكثير من النصوص الشرعية، فمن مبادئهم إنزال العقل في منزلة الحاكم على النقل من السنة، فإن وافق المنقولُ من النصوص الشرعية عقولَهم ورأيَهم وتأويلاتِهم، وإلا فإنهم يردُّون النقل إن عجَزت عقولهم عن موافقة المنقول لآرائهم.



قال الجاحظ المعتزلي: "فما الحكم القاطع إلا للنص، وما الاستبانة إلا للعقل"[1].



صحيحٌ أن هذا الأصل الفاسد يطردونه على النصوص الشرعية قرآنًا وسنةً، ولكنهم أجرأ على نصوص السنة النبوية؛ لذا تجد أن السنة عند هؤلاء لم تحظَ باهتمام كبير، بالرغم من وجود رواةٍ للأخبار والأحاديث كانوا معتزلة أو جهميِّين، أو اتُّهموا بذلك، إلا أن الموقف العامَّ لهذه الفِرَق - لا سيما الغلاة منهم - هو رد السنة بعقولهم.



قال البغدادي: "المسألة السابعة من الأصل الأول (في إثبات الخبر المتواتر طريقًا إلى العلم)، والخلاف في هذه المسألة من وجهين:

أحدهما: مع البراهمة والسُّمَنِيَّة... ومع النظامية[2]؛ حيث قالوا: يجوز أن تجتمع الأمة على الخطأ، فإن الأخبار المتواترة لا حجة فيها؛ لأنها يجوز أن يكون وقوعها كذبًا، فطعنوا في الصحابة، وأبطلوا القياس في الشريعة[3].



وهذا القاضي عبدالجبار المعتزلي يعُدُّ ويُبيِّن الأدلة الشرعية حسب معتقده، فيقول - مُقدِّمًا العقل -:

"أولها:العقل؛ لأن به يميز بين الحسن والقبح؛ ولأن به يعرف أن الكتاب حجة، وكذلك السنة والإجماع".



ثم يقول: "وربما تعجب من هذا الترتيب بعضهم، فيظن أن الأدلة هي الكتاب والسنة والإجماع فقط، أو يدل على أن العقل إذا كان يدل على أمور فهو مؤخَّر، وليس الأمر كذلك؛ لأن الله تعالى لم يخاطب إلا أهل العقل"[4].



وعمرو بن عُبَيد المعتزلي يقول عن حديث رواه الأعمش بإسناده عن ابن مسعود، وهو حديث: ((إن أحدَكم يُجمَع خلقُه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقة...)) الحديث: لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذَّبتُه، ولو سمعتُه من زيد بن وهب لما صدَّقته، ولو سمعت ابن مسعود يقوله ما قبِلْته، ولو سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا لردَدْتُه، ولو سمعت الله يقول هذا لقلت: ليس على هذا أخذتَ ميثاقنا[5].



وانظر إلى جرأتِهم على الطعن في خير الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الصحابة رضي الله عنهم، فهم طاعنون في الصحابة، لَمَّازون لهم، فقد ذكر الخطيب البغدادي وساق بسنده إلى يحيى بن سعيد قال: قلت لعمرو بن عُبَيد: كيف حديث الحسن عن سَمُرة؛ يعنى في السكتتينِ في التكبير؟ فقال: ما نصنع بسمرة، قبَّح الله سمرة[6].



وبإسناده أيضًا إلى عمرِو بن علي قال: سمعت معاذ بن معاذ يقول: قلتُ لعمرو بن عُبَيد: كيف حديث الحسن أن عثمان ورَّث امرأة عبدالرحمن بعد انقضاء العدة؟ فقال: إن عثمان لم يكن صاحب سنة[7].



وكان عمرو بن عُبَيد يقول أيضًا: لو أن عليًّا وعثمان وطلحة والزبير شهِدوا عندي على شراك نعلٍ، ما أجزتُه[8].



ونقل مثله عن واصل بن عطاء، وهو مؤسِّس الاعتزال؛ ففي "ميزان الاعتدال" للذهبي، يقول واصل: "فلو شهِدَتْ عندي عائشةُ وعلي وطلحة على باقة بقلٍ، لم أحكم بشهادتهم"[9].



وعليه، فالمعتزلة من أوائل مَن فتح هذا الباب، ألاَ وهو رفض الحديث بالعقل، وتنقُّص الصحابة والطعن فيهم، فهم بفعلهم من قديمٍ أصبحوا مادَّة للمستشرقين والعصرانيين الرافضين للسنة والإسلام.



يقول الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله -:

"وقد كان لموقف المعتزلة من السُّنة هذا الموقفَ المتطرِّف المباين لعقيدة جمهور المسلمينَ - أثرٌ كبير في الجفاء بين علماء السنة ورؤوس المعتزلة، تراشق على أثرِه الفريقانِ التُّهمَ، فالمعتزلة يرمون المُحدِّثين بروايتهم الأكاذيب والأباطيل، وبأنهم زوامل للأخبار لا يفهمون ما يروُون، ويذكرون لهم من الطرائف في ذلك ما صح بعضها عن عوامِّ أهل الحديث لا عن رؤسائهم، بينما يتَّهم المُحدِّثون أئمةَ الاعتزال بالفسق والفجور والابتداع في الدين، والقول بآراء ما نزَّل الله بها من سلطان، فقد نقل ابن قتيبة في كتابه "تأويل مختلف الحديث"، وكذلك البغدادي في "الفَرْق بين الفِرَق" عن النظَّام أنه كان يقول: بأن الطلاق لا يقع بشيء من ألفاظ الكناية، وأن مَن ظاهَر امرأته بذكر البطن أو الفرج لم يكن مُظاهِرًا، وأن النوم لا ينقض الطهارة إذا لم يكن معه حدث، وأن مَن ترك صلاة مفروضة عمدًا لم يصحَّ قضاؤه لها، ولم يجب عليه قضاؤها.



كما ذكر ابن قتيبة عنه أنه كان سِكِّيرًا مَاجِنًا يغدو على سكر، ويروح على سكر، وأنه قال عن الخمر:
ما زِلتُ آخُذُ رُوحُ الزِّقِّ فِي لَطَفٍ
وأستَبيحُ دمًا من غيرِ مذبوحِ
حتى انتشيتُ ولي روحانِ في بدنٍ
والزِّقُّ مُطَّرحٌ جسمٌ بلا روحِ



ويذكر لنا عن ثُمامة بن أشرس الذي قاد حركة القول بخلق القرآن في عهد المأمون، أنه رأى الناس يوم الجمعة يتعادون إلى المسجد الجامع لخوفهم فوت الصلاة، فقال لرفيق له: "انظر إلى هؤلاء الحمير والبقر.."، ثم قال: ماذا صنع ذاك العربي بالناس؟ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم.



ويظهر أن ما ذكره ابن قتيبة والبغدادي عن رؤساء الاعتزال - وإن كان كلام خصم في خصومه - صحيحٌ بالجملة من حيث اتصاف أولئك الرؤساء بقلة التدين، وعدم التورع عن ارتكاب بعض المحرَّمات، فقد روى الجاحظ - وهو من أئمة الاعتزال - في كتاب المضاحك أن المأمون ركِب يومًا فرأى ثمامة سكرانَ قد وقع في الطين، فقال له: ثمامة؟ قال: أي والله، قال: ألا تستحيي؟ قال: لا والله، قال: عليك لعنة الله، قال: تترى ثم تترى.



ورُوِي أيضًا أن غلام ثمامة قال لثمامة يومًا: قم صلِّ، فتغافل ثمامة، فقال له غلامه: قد ضاق الوقت، فقم وصلِّ واسترِح، فقال: أنا مستريح إن تركتَني"[10].



فهم على تلك الحال من العبث بنصوص السنة والحديث، والتجرؤ على الصحابة ورجال الإسلام، مع ما فيهم - المعتزلة - من قلة الدين والورع، وشرب المسكر، وترك الصلوات.



والأعجب أن الكثير من الكتَّاب المعاصرين يتكلَّمون عنهم بالإعجاب والمديح، بزعم إحياء قيمة العقل والتفكر والتدبر، إلى آخر هذا الكلام!



وقد تصدَّى لهؤلاء الكثير من علماء السلف، ومنهم:

شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه: "درء تعارض العقل والنقل".

وشيخ الإسلام ابن القيم - رحمه الله - في كتابه: "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطِّلة".

وابن قتيبة - رحمه الله - في "تأويل مختلف الحديث" للرد عليهم.



لا يتعارض صحيح المنقول مع صريح المعقول:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

"فالمعقول الصريح موافق للشرع، متابع له، كيفما أدير الأمر، وليس في صريح المعقول ما يُناقِض صحيح المنقول، وهو المطلوب.



ومن المعلوم أن أصل الإيمان تصديقُ الرسول فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، وقد اتفق سلف الأمة وأئمتُها على أنه لا يجوز أن يكون ثَمَّ دليل لا عقلي ولا غير عقلي يناقض ذلك، وهذا هو المطلوب هنا"[11]؛ انتهى.



وقال: "وهذا مما يُبيِّن أن ما جاءت به الرسل هو الحق، وأن الأدلة العقلية الصريحة توافقُ ما جاءت به الرسل، وأن صريح المعقول لا يناقض صحيح المنقول، وإنما يقع التناقض بين ما يدخل في السمع وليس منه، وما يدخل في العقل وليس منه"[12].



وقال أيضًا في كتابه منهاج السنة النبوية:

"القول كلما كان أفسد في الشرع، كان أفسد في العقل؛ فإن الحق لا يتناقض، والرسل إنما أخبرت بالحق، والله فطَر عباده على معرفة الحق، والرسل بُعِثَت بتكميل الفطرة لا بتغيير الفطرة، قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [فصلت: 53]، فأخبر أنه سيُرِيهم الآيات الأُفُقية والنَّفسية المبينة؛ لأن القرآن الذي أخبر به عبادَه حقٌّ، فتتطابق الدلالة البرهانية القرآنية والبرهانية العيانية، ويتصادق موجب الشرع المنقول والنظر المعقول"[13].



وقال: "فما جاء به الرسول حقٌّ محض، يتصادق عليه صريح المعقول وصحيح المنقول، والأقوال المخالفة لذلك وإن كان كثيرٌ من أصحابها مجتهدين، مغفورًا لهم خطؤهم، فلا يملكون نصْرَها بالأدلة العلمية، ولا الجواب عما يقدح فيها بالأجوبة العلمية، فإن الأدلة العقلية الصحيحة لا تدلُّ إلا على القول الحق، والأجوبة الصحيحة المُفسِدة لحجَّة الخصم لا تفسدها إلا إذا كانت باطلة؛ فإن ما هو باطل لا يقوم عليه دليل صحيح، وما هو حق لا يمكن دفعه بحجة صحيحة"[14].



وجوب تقديم الشرع على العقل عند توهم التعارض:

قال ابن القيم:

"لو قُدِّر تعارض الشرع والعقل، لوجب تقديم الشرع؛ لأن العقل قد صدَّق الشرع، ومن ضرورة تصديقه له قَبول خبره، والشرع لم يُصدِّق العقل في كل ما أخبر به، ولا العلم بصدق الشرع موقوفٌ على كل ما يخبر به العقل، ومعلوم أن هذا المسلك - إذا سُلِك - أصحُّ من مسلكهم، كما قال بعض أهل الإيمان: يكفيك من العقل أن يعرفك صدق الرسول ومعاني كلامه، ثم يخلي بينك وبينه.



وقال آخر:العقل سلطان ولَّى الرسولَ ثم عزل نفسَه؛ ولأن العقل دل على أن الرسول يجب تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر؛ ولأن العقل يدل على صدق الرسول دلالة عامَّة مطلقة، ولا يدل على صدق قضايا نفسه دلالة عامة؛ ولأن العقل يغلط كما يغلط الحس، وأكثر من غلطه بكثير، فإذا كان حكم الحس من أقوى الأحكام، ويعرض فيه من الغلط ما يعرض، فما الظن بالعقل؟"[15].



وقال في موضع آخر:

"إن الله سبحانه قد تَمَّم الدين بنبيِّه، وأكمله به، ولم يُحوِجه ولا أمَّتَه بعده إلى عقل، ولا نقل سواه، ولا رأي، ولا منام، ولا كشوف، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3].



وأنكر على مَن لم يكتفِ بالوحي عن غيره، فقال: ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [العنكبوت: 51].



وقال سبحانه: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].



فأقسَم سبحانه بنفسه أنَّا لا نُؤمِن حتى نُحكِّم رسوله في جميع ما شجَر بيننا، وتتسع صدورنا بحكمه، فلا يبقى منها حرجٌ، ونسلِّم لحكمه تسليمًا، فلا نعارضه بعقل ولا رأي ولا هوى ولا غيره، فقد أقسم الرب سبحانه بنفسه على نفيِ الإيمان عن هؤلاء الذين يُقدِّمون العقل على ما جاء به الرسول، وقد شهدوا هم على أنفسهم بأنهم غير مؤمنين بمعناه وإن آمَنوا بلفظه، وقال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 10].



وهذا نص صريح في أن حكم جميع ما تنازعنا فيه مردودٌ إلى الله وحده، وهو الحاكم فيه على لسان رسوله، فلو قُدِّم حكم العقل على حكمه، لم يكن هو الحاكمَ بوحيِه وكتابه، وقال تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ ﴾ [الأعراف: 3].



فأمَر باتباع الوحي المنَزَّل وحدَه، ونهى عن اتباع ما خالفه، وأخبر سبحانه أن كتابه بيِّنة وشفاء، وهدى ورحمة، ونور وفضل، وبرهان وحجة وبيان، فلو كان في العقل ما يعارضه ويجب تقديمه على القرآن، لم يكن فيه شيء من ذلك، بل كانت هذه الصفات للعقل دونه، وكان عنها بمعزل، فكيف يشفي ويهدي، ويبين ويفصل ما يعارضه صريح العقل؟!"[16].



وقال أيضًا:

"إنه إذا قُدِّر تعارض العقل والكتاب، فردُّ العقل الذي لم تضمن لنا عصمته إلى الكتاب المعلوم العصمة هو الواجبُ"[17]؛ انتهى.



ومن المعلوم أن المعقولات لا تقع تحت ضابط، فما ثبت بالعقل وحدَه يمكن نقضه بالعقل؛ لأن العقول تتفاوت وتتباين درجاتها ومستوياتها، ولا منجا من ذلك إلا بالاعتصام بالوحيين.



ومن شعر ابن القيم ردًّا على أولئك[18]:
فعلى عقولِكم العفاءُ فإنكمْ
عاديتُمُ المعقولَ والمنقولا
وطلبتُمُ أمرًا محالاً وَهْوَ إدْ
راكُ الهُدى لا تبتغونَ رسولا
وزعمتُمُ أن العقولَ كفيلةٌ
بالحق أين العقلُ كان كفيلا
وهو الذي يقضي فينقضُ حكمَهُ
عقلٌ ترون كليهما معقولا
وتراه يجزمُ بالقضاءِ وبعد ذا
يلفى لديه باطلاً معلولا
لا يستقلُّ العقلُ دون هدايةٍ
بالوحي تأصيلاً ولا تفصيلا
كالطرْفِ دونَ النورِ ليس بمدركٍ
حتى يراه بكرةً وأصيلا
وإذا الظلامُ تلاطمَتْ أمواجُه
وطمعتَ بالإبصار كنتَ محيلا
فإذا النبوةُ لم يَنَلْكَ ضياؤها
فالعقلُ لا يهديك قطُّ سبيلا
نورُ النبوةِ مثلُ نورِ الشمسِ لِلْ
عينِ البصيرة فاتَّخِذْه دليلا
طرقُ الهدى مسدودةٌ إلا على
مَن أمَّ هذا الوحيَ والتنزيلا
فإذا عدلتَ عن الطريق تعمُّدًا
فاعلَمْ بأنك ما أردتَ وصولا
يا طالبًا دَرك الهدى بالعقلِ دو
نَ النقلِ لن تلقى لذاك دليلا



وعليه نقول: إن موقف المعتزلة من السنة هو موقف المتنكر الشاكِّ؛ فالعمدة عندهم على عقولهم وأصولهم الفاسدة، الذي منه تقديم العقل على النقل، وقد غالوا في القول بالتحسين والتقبيح العقلي، فقالوا: إن العباد يُعاقَبون على أفعالهم القبيحة، ولو لم يُبعث إليهم رسول، وهذا خلاف النصوص الشرعية الكثيرة.



ومعلومٌ عند أهل السنة أن العقل الصريح لا يعارض النقل الصحيح، وإذا وُجِد ما يُوهِم التعارضَ، فإما أن العقل لم يفهَم، وإما أن النقل لم يثبُت.



والله من وراء القصد